قال وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية التونسي، سمير ديلو، إن ملف التعذيب بقي رهين التوظيف السياسي وإن التعذيب مازال متواصلا بعد الثورة، مشيرا إلى أن تونس ليست بعد دولة ديمقراطية، بل "لازلنا في ورشة لبناء وممارسة الديمقراطية" على حد تعبيره. ويثير موضوع التعذيب بعد ثورة 14 يناير الكثير من الجدل على الساحتين الحقوقية والسياسية، إذ تشير عديد من التقارير ان المعاملة السيئة متواصلة في مخافر الشرطة وبعض مراكز الايقاف والسجون.
تطوير المنظومة القانونية أكد المحامي منذر الشارني كاتب عام المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب أنّه لم يتم تطوير المنظومة القانونية وأساسا منظومة الاحتفاظ بالمتهم في مراكز الأمن حتى يمكن حماية المتهمين من كل صنوف التعذيب والانتهاكات ومنها كذلك حضور المحامي أثناء البحث الابتدائي".
وتحدث كذلك عن موضوع العرض على الفحص الطبي الذي وإن كان متوفرا فإن آلياته تبقى في حاجة إلى التوضيح على غرار سرعة تدخل الطبيب الذي يقوم بعملية الفحص للشخص الموقوف إداريا، إلى جانب ما يتردد عن حياديته.
وشدّد الشارني على ضرورة تمكين النيابة العمومية من تفقد الموقوف في مراكز الأمن أوغيرها، وأشار إلى أنّ الهيئة العليا لحقوق الإنسان قامت أخيرا بزيارات للسجون وهناك برنامج لزيارة مراكز الأمن وأماكن الإيقاف الإداري وهي الآلية الوحيدة المتوفرة حاليا في غياب اتفاقية بين وزارة الداخلية ومنظمات المجتمع المدني لزيارة مراكز الأمن.
وقالت إيمان الطريقي رئيسة منظمة حرية وانصاف إنّ التعذيب لم يتوقف بعد الثورة "لأن المنظومة التي كانت تشرف على الفساد بأنواعه ما تزال متموقعة في مختلف هياكل الدولة ومفاصلها" مؤكدة أنّها لا تتحدث عن تجاوزات بل عن "سياسة واضحة".
وعبرت جمعيات مدنية حقوقية عن رفضها لتواصل حالات التعذيب وأكدت منعها من تنظيم زيارات فجئية للمساجين والموقوفين.
العدالة البطيئة بعض الأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب بعد الثورة، يعملون حاليا على تتبّع من عذبهم وقدموا شكايات في الغرض، وهي منشورة حاليا لدى الأمن وتم البحث حول حيثياتها وهناك قضايا أخرى خطيرة كمثل قضايا سُجّل فيها موت الضحية، وهي الآن منشورة أمام التحقيق ولكن عمليات البحث والتتبع تتميز بالبطء على حد تعبير الأستاذ الشارني الذي يشير إلى أنّ المعايير الدولية تؤكد على ضرورة أن يكون التحقيق في قضايا التعذيب والانتهاكات بأنواعها "معمّقا وعاجلا وجدّيا"، حتى لا تندثر الأدلة إذا حصل بطء في التحقيق والبحث، كما يفقد الشاكي نفسه الرغبة في التتبع لأنّ "العدالة البطئية تعني إنكار العدالة".
مراجعة البروتوكول للقطع مع هذه الممارسات التي تواصلت بعد ثورة 14 يناير، تحدث الحقوقي المنذر الشارني عن حلول وقائية، من بينها تكثيف زيارات السجون ومراكز الايقاف والسماح لجمعيات المجتمع المدني بزيارة هذه الاماكن.
وأشار إلى أن الاتفاقية القائمة حاليا بين المجتمع المدني ووزارة العدل تشترط الإعلام المسبق قبل أربع وعشرين ساعة وهو ما لا يسمح بتنظيم زيارة جدية تكون فجئية كما أن وزارة العدل يمكنها لسبب من الأسباب أن توقف البرتوكول من جانب واحد.
وقال الشارني إن منظمته راسلت وزارة العدل من أجل مراجعة هذا البروتوكول ولكن لم تتم الاستجابة لهذا المطلب، وأوضح أنّ الهيئة العليا لحقوق الإنسان باعتبارها هيئة رسمية يمكنها القيام بزيارات فجئية إلى السجون ومراكز الإيقاف وهو ما يُمنع على منظمات المجتمع المدني.
الوقاية من التعذيب صادق نواب المجلس الوطني التأسيسي يوم الاربعاء الماضي على مشروع القانون الأساسي المتعلق بالهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، وأجمع النواب على أهمية المشروع الذي "يقطع مع سياسة التعذيب في السجون" والذي يتضمن بندا يتحدث عن "عدم سقوط الدعوى العمومية في جريمة التعذيب بمرور الزمن".
وبذلك تصبح تونس أول بلد عربي وخامس بلد افريقي أحدث آلية وقائية وطنية للوقاية من التعذيب بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
توعية الأعوان يدعو المنذر الشارني إلى ضرورة العمل على توعية أعوان السجون ورجال الأمن في إطار احترام حقوق الإنسان، وذلك من خلال احترام الحرمة الجسدية بتكثيف التدريب والتكوين، وإلى جانب الوقاية يجب العمل من أجل التسريع بالبحث والتقصّي كلما تمّ الإعلام عن عملية تعذيب وانتهاك، ببحث جدي وسريع ومعمّق.
ورصدت منظمة حرية و إنصاف بعد ثورة 14 يناير عديد التجاوزات وصلت حدّ الموت مثلما حصل مع إضرابات الجوع لعدد من السلفيين، وحالات تعذيب أخرى.
حالات تعذيب وبيّن كاتب عام المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب أنّ حالتين أو ثلاثا يتمّ إعلام المنظمة بها أسبوعيا.
وشدّد الشارني على ضرورة النظر بجدية في حالات التعذيب التي يتم الإعلام عنها، مشيرا الى أن المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب وجهت مراسلة إلى وزارة الداخلية تطالبها فيها بتوجيه منشور إلى أعوان الأمن في جميع المراكز يحثهم على احترام الحرمة الجسدية ومعاملة الموقوفين باحترام وإنسانية طبق القانون، ولكن دون استجابة من الوزارة.
وأكد وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية سمير ديلو أن الآليات الوقائية المندرجة ضمن البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب لا تكفي للقضاء على ظاهرة التعذيب في السجون بينما اعتبرها رئيس حركة وفاء عبدالرؤوف العيادي "استكمالا لديكور قانوني أو مؤسساتي".