الإهداء: إلى الأخ المناضل صالح محمد سالم صلحي.. والد الشهيد محمد، رحمه الله, والذي أغلق بيديه إحدى النوافذ التي فتحت علينا لكي تهب منها رياح الشمال. تستميت القوى السياسية والإعلامية والأمنية والعسكرية وجميع أجهزة ومقومات دولة الاحتلال في ممارسة كل ما يمكن أو يخطر على بال "شياطينها" من أجل القضاء التام على "قضية الجنوب", فتستخدم في معركتها المصيرية هذه كل صنوف التضليل والدجل الإعلامي الممنهج, الذي يتوازى في نفس الوقت مع ممارسة العنف والقتل كل يوم وفي كل مكان وبأكثر من طريقة ووسيلة.. حتى باتت الحقيقة اليومية الأكيدة أن الضحية البشرية اليومية لابد حتما أن تكون لشخصية جنوبية!.. بغض النظر إن كانت هذه الشخصية تنتمي إلى الحراك الجنوبي وتم قتلها في مجرى عملية نضالية مشرفة, أو كانت شخصية عسكرية أو أمنية استهدفت بعملية "نمطية" تتمثل في قاتلين يركبان "دراجة نارية" ويملكان من مصدر واحد قرارا للتنفيذ في هذا الضحية "الجنوبية" أو تلك. الدم الجنوبي.. يستنزف كل يوم بكميات لا يفوقها إلا كميات "نفط الجنوب" الذي ينهب ويحول إلى خزائن الطغاة الذين يزدادون به قوة وصلفا واستكبارا على ملاكه الأصليين. لقد بات قتل النفس البريئة في الجنوب لدى "جندي مخزن" لا تساوي في نظره قيمة الرصاصة التي يطلقها من سلاحه بدم بارد على ضحيته, خاصة وقد تعودت أنفسهم المريضة على مثل تلك العمليات الإجرامية اليومية التي يعلمون علم اليقين أنهم في آخر الأمر لن يجدوا من يقول لهم حتى كلمة: لماذا قتل هذا البريء!. وأمام هذا المشهد البشع المقزز يأتي لنا القدر بعدد من الحالات الغريبة التي تعتلي فيها "الوقاحة" ذروتها ويتخلى الخجل والحياء عن آدمية الإنسان فيها, وتكون عبارة الإعلامي المصري الشهير باسم يوسف: "الحمد لله الذي نزع منا إنسانيتنا.. وكرامتنا" خير وصف لأبطال تلك الحالات المتخلية عن إنسانيتها وكرامتها بأبعد ما وصف السيد باسم بكثير.. فلا عجب في ظل هذه الحرب القذرة التي تخوضها ضدنا جيوش الاحتلال أن تظهر علينا "من بينهم" شخصيات إعلامية "أنيقة" تتحدث بلغة "المحب - المؤدب" وتتمظهر بسلوك الشخص "الحضاري - الإنساني" وتتبنى خطاب "المسئولية" الذي يغلب عليه الخوف من المستقبل القاتم على مصير الجنوبيين فيما لو تحقق لهم الاستقلال أو الانفصال كما يسمونه!!. يكرس هؤلاء البؤساء كل مهاراتهم التي اكتسبوها في الدجل والتضليل الإعلامي حول "خوفهم" الإنساني الشديد على مستقبل الجنوبيين الذي بحسب ظنهم سوف ينزلق إلى مربعات العنف والصراع الداخلي فيما بينهم ليكون المواطن الجنوبي هو الضحية الأولى لهذا العنف المحتمل! يتحدثون وكأنما هذه "الوحدة القاتلة" تصدر باقات الورود يوميا إلينا, وتهدي لنا مع نسائم الصباح في عدن أو المكلا أو أي مدينة أو منطقة في الجنوب مجموعات مختارة من أغاني الحب والسلام والحرية والطمأنينة! يتحدث هذا الإعلامي أو ذاك وهو يعلم تماما أنه في تلك اللحظات المشحونة بالأكاذيب والأباطيل تمارس قوات جيشه تفجير رؤوس الجنوبيين ب"رصاصات الدوشكا" في المكلاوعتق وغيرها.. ومع ذلك يتساءل "ببراءة خبيثة": "ومن يضمن لنا أنكم لن تتقاتلوا فيما بينكم غدا؟؟".. إن إنسانيته التي فقدت هي وحدها التي سمحت له بطرح مثل هذا السؤال الأبله, لأنه يعلم يقينا أنهم يقتلوننا الآن.. وكل يوم! إلا إذا كان القتل الذي يفضي إلى الموت في حالتهم يحمل معاني وآلام أخرى خاصة بهم.. ربما!. ترى هل كان يمكن لمثل هذا الإعلامي البائس عرض صورة الشهيد المشجري على شاشته, والتي يهتز لرؤيتها ضمير أي مجرم في العالم إلا مجرميهم وقبلهم إعلامييهم بطبيعة الحال؟.. ثم كيف استطاع هذا الإعلامي وغيره أن يمرر إلى عقولنا - وببساطة شديدة - مثل هذا الخوف حول مصير الجنوبيين من المستقبل وسط كل ذلك الدمار والخراب الذي تحدثه قواتهم في أجسادنا وثرواتنا وأرضنا كل يوم؟ وفي مشهد آخر من مشاهد الحرب القذرة على الجنوب نلمح - بكل أسف - اختراقا ذكيا يتحقق لهم في مدينة "عتق" الجنوبية عاصمة محافظة شبوة, متمثلا في الدفع بجماعة "المهمشين" بحسب تعريفات مؤتمرهم الوطني, للخروج إلى شوارع عتق "تضامنا مع ممثلهم" في الحوار الوطني الذي تعرض لصفعة قوية أثناء شجار داخل القاعة قبل أيام!!. وهنا يكمن "دهاؤهم الخبيث" و"مكرهم الأصيل" الذي يهدف في حقيقته إلى رسم صورة ذهنية لدى "المراقب الأجنبي" والراعي الرسمي "لمبادرة تكريس الاحتلال" بأن: انظروا لهؤلاء المهمشين في محافظة "شبوة الجنوبية".. إنهم ينتفضون لصالح ممثلهم في الحوار الذي هو أصلا من محافظة الحديدة!! بمعنى آخر أن قضايا الحوار صائبة وسليمة لأن قضية المهمشين هي قضية وطنية تنتمي إلى الدولة اليمنية الواحدة, وعلى أساس أنهم يحملون ذات الهم الذي يحمله أمثالهم في الحديدة وتهامة على سبيل المثال, وأنها لا تعنيهم "قضية الجنوب" بقدر ما تعنيهم قضيتهم الخاصة.. "قضية المهمشين".. إنه اختراق سياسي جديد. ولهذا أنصح مختلف القوى السياسية في شبوة وفي غيرها من المحافظات الجنوبية التي توجد فيها هذه الفئة الاجتماعية - إن هم أرادوا لأنفسهم - أن يصنفوا هكذا أن يتم الحوار معهم على أنهم مواطنون جنوبيون أولا وأخيرا.. وأن الذي تلقى الصفعة القوية التي تستحق الغضب الجماعي هو "الجنوب الوطن" والشعب الجنوبي فيه والذي هم جزء لا يتجزأ منه. لأننا بذلك سوف نقطع الطريق على من يستغل معاناة هؤلاء المساكين لصالح أغراض سياسية خبيثة!. وتبقى أخطر "الرياح الشمالية" وهي تلك التي تحاول من خلالها قوى الاحتلال ضرب قلعة "التسامح والتصالح" الجنوبية وتهديمها من أساسها على رؤوس ساكنيها!.. وهنا علينا أن ندرك بحكمة ومسئولية أن هناك جهودا جبارة خبيثة تتعاظم في هذا الاتجاه وأنها - للأسف الشديد - تركز في محاولتها تلك على "إثارة الحمقى" باعتبارهم، بحسب روحها وجوهرها، العنصر الفتاك الذي يمكن من خلاله تحطيم تلك القلعة التي تعتبر أساس البناء الجنوبي الوطني . خاصة ونحن نشاهد ونقرأ كل يوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي تراشقات إعلامية من هذه النوعية التي تتمناها وتنتظرها قوى الاحتلال بفارغ الصبر لكي تزيدها اشتعالا واحتقانا!. إن التطرف السياسي الذي نعاني منه اليوم في الجنوب لا يحمل طابعا مناطقيا أبدا ولكنه "ثقافة سياسية" يمكن أن تسكن في شبوة كما تسكن في الضالع على سبيل المثال. ويمكن أن تتبناها عقلية ثائر من حضرموت لا تتفق معها أو قد تتفق معها عقلية ثائر في عدن مثلا.. إن صرف "التطرف السياسي" إلى خانة المناطقية يعتبر معول الهدم الرئيسي لقيم التسامح والتصالح, وعلى من يمارس مثل هذا السلوك أن يدرك خطر ذلك وأن ينأى بنفسه عن القبض على مثل هذه المعاول الهدامة التي لا يشرف أي قبضة جنوبية أن تحتضنها أو تضرب بها.