تصدر خلال أيام رواية «موعظة عن سقوط روما» في ترجمتها العربية عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، وهي كانت فازت بجائزة غونكور الفرنسية التي تعد من أرقى الجوائز العالمية التي تمنح للرواية، عام 2012، ونقلت إلى لغات عدة. وخص الروائي الفرنسي الذي يعيش ويعمل مدرساً في أبو ظبي الترجمة العربية التي انجزها الكاتب العراقي شاكر نوري، بمقدمة، يتحدث فيها عن معنى ترجمة رواية له للمرة الأولى إلى العربية التي احتك بها خلال أسفاره الكثيرة إلى مدن عربية عدة. من دون قرار مني، ارتبطت حياتي على الدوام وبعمق بالعالم العربي. ربما هذا ما يسمى القدر. هي المصادفة إضافة إلى القوانين القاهرة التي سادت في بداية القرن الماضي المرتبطة بالفقر وهي التي حتّمت على أبناء بلدي من الكورسيكيين السفر إلى أصقاع العالم والتبعثُر في أراضي المستعمرة الإمبراطورية. هي الظروف نفسها التي جعلت أبي يولد في الرباط وأمي في دمشق. حالة مستهجنة لكنها عادية في نهاية الأمر ولم أكن أعيرها اهتماماً خلال طفولتي. عندما بدأت أرغب في السفر، بعد أن كرست سنوات طويلة لكورسيكا فقط، فكرت بالسفر إلى الأرجنتين أو إلى التشيلي، لكن لم تجر الأمور كما قررت، إذ لم تطأ قدماي أميركا الجنوبية قط.
في أيلول (سبتمبر) من عام 2003، كانت البعثة الفرنسية تبحث عن أستاذ لمادة الفلسفة لتوظيفه في الجزائر، فقدمت طلباً لترشيحي لهذه الوظيفة لكي أذهب للعيش في بلد لم أكن أعرفه ولم أتصوره في مخيلتي.في بداية الصيف الماضي، أُرسلت إلى جيبوتي من أجل تصحيح أوراق امتحانات البكالوريا. آنذاك اقترح عليّ أحد زملائي قضاء بضعة أيام في صنعاء. لم أكن قادراً حتى على تحديد اليمن على الخريطة لكنني قلت نعم لهذا الاقتراح، ذهبنا إلى صنعاء، وأمام هذا الجمال الأخّاذ، أدركت كم هي باهتة وضئيلة أحلامنا أمام ما يشكله الواقع.
وفي ما يخص السنوات الأربع التي أمضيتها في الجزائر، لا أستطيع القول أكثر من أنها غيرّت حياتي جذرياً كما غيرت طريقة كتابتي وتركت في قلبي آثار حب أبدي.خلال فترة وجودي في الجزائر انتهزت الفرصة لزيارة المغرب وتونس وسورية والأردن ولبنان واكتشفت حينذاك وبفضل أصدقائي، الشعر الصوفي الذي كتبه أمثال ابن عربي والنفري والحلاّج، الذي كان ذا أهمية كبيرة بالنسبة إليّ.وفي كل الروايات التي كتبتها منذ عام 2003، كانت الجزائر حاضرة إلى جانب كورسيكا وما زالت حاضرة في روايتي الحالية «موعظة عن سقوط روما».
إنها لفرحة كبيرة أن أعلم أن هذه الرواية ستكون أول رواية تُتَرجم لي إلى اللغة العربية. كنت متيقناً أن الرواية لا يمكن أن توجد إلا عندما تجتاز حدود اللغة الأصلية التي كُتبت بها، على رغم أنها (أي الرواية) لا وجود لها أساساً من دون اللغة التي خُلقت بها. فالترجمة تسمح بأن تتضاعف المعاني والدلالات وتتحوّل، فنحن لا ننتقل من لغة إلى أخرى ومن ثقافة إلى أخرى ببراءة.لا أدري كيف سيستقبل القراء العرب هذه الرواية وكيف سيقاربون نصّها. فالعالم العربي أوسع وأكثر تنوعاً مما أستطيع تخيله.
تتحدث رواية «موعظة عن سقوط روما» عن العوالم التي يشيدها البشر، عن نموها وتطورها ونهاياتها، عن موازاة الوجود، عن التواصل. كما تتحدث عن معنى العالم المغلق، وأعرف أن القراء في المغرب العربي يفهمون ذلك أكثر مني. هي المصادفة - أو القدر الذي تحدثت عنه قبل قليل - أرادت أن تخرج الترجمة العربية إلى الوجود وأنا في أبوظبي التي أعيش فيها. بل إن القدر شاء أن تصدر الرواية الأصلية في فرنسا في اللحظة التي وصلت بها إلى الإمارات. لا أدعي معرفة هذا البلد ولو سطحياً لأني حديث الإقامة فيه لكن إذا كان لابد من إيجاد مكان معين حيث يمكن فهم - أكثر من أي مكان آخر - ولادة عالم جديد، عالم يسطع فجأة لتعويض عالم قديم فهذا المكان هو هنا الإمارات. إذا كان ما أقوله صحيحاً، فيبدو لي أن ما كتبته في روايتي «موعظة عن سقوط روما» ربما لن يكون بالغريب على القراء هنا. ذلك ما سنرى.
من: جيروم فيراري
وفي انتظار ذلك، لم يبق لي سوى أن أجعل روايتي تعبّر عن نفسها، بفضل الروائي والمترجم شاكر نوري، في اللغة العربية الرائعة التي لا أجيدها.