قدمتنا العاطفة لسنين طويلة في صورة هشة، دفعت بنا إلى مساحات مظلمة، وكانت تسرق شبابنا عبر بواباتها ومن خلال ثيابها اللامعة المغرية، ثم يقدمون على أطباق التحريض والقتال والفتنة والاستعداء لطاولات صراع متعلقة بدول أخرى، بالعاطفة وحدها كنا نجر بالأذن اليمنى من دون أن ندقق في الكلمات التخديرية العابرة لهذه الأذن، فنكون بعدها في حال انقياد تام كامل وصمم عن أية محاولات جادة لاستخدام العقل المعطل بأيدي مجهولة. - الجماعات التسع المحظورة بالأمس لم نكن ندقق فيها جيداً بحكم أن الحابل اختلط بالنابل في مشهدنا المحلي، وبات التلون سمة كبرى لقائمة كبيرة من الأسماء لكن الأزمات المتتالية التي حلت بالساحات العربية خلعت العباءات وكشفت بوضوح ما كانت تخفيه الرؤوس، وضخت الألسن والأصابع ما يكفي من الجمل والعبارات والإبر الحاقنة أو المحتقنة لتقسم الشارع المحلي إلى «مدافعين بالنيابة، ومفتين سياسيين» وظواهر صوتية تفكر في الخارج أكثر من الداخل، وفوق ذاك صنعت قدرة بالغة السرعة ومعاكسة في الاتجاه حيال تحليل أي حدث محلي أو عربي، منطلقة من أن شعلة التحليل تستند على تقديسنا للأسماء التي تؤجر حسها وانتماءها الوطني لمصلحة من يستخدمها كألعاب وأدوات وأجساد صالحة للعبث وغمسها في أي مستنقع. - كانت أسلحتنا بأيدي المعتوهين، فإن لم يحن لهم أن يقتلونا فحتما سيصيبوننا أو يقتلون أنفسهم، جاوز الصبر حده في السكوت عليهم وعلى من يعبث بالأمن الفكري والوطني بل أفصحت لنا المجاملات أن القادم لن يكون بحال أفضل مما مضى، وزرع التسويف حرية بلهاء شرخت في النسيج المحلي عن عمد، وكأن الشرخ هو عنوان ورشة العمل المنظمة بشكل سري ومن تحت الطاولات المصابة بشهوة كلامية تهبط لأي مستوى. - لو سألت المنتمين للجماعات أو الأحزاب المحظور على المواطن والمقيم الانتماء والترويج لها أو التعاطف معها وعقد الاجتماعات تحت مظلتها عن مرادهم بالضبط لوجدت أن أقل ما يفكرون فيه أن يتحول الوطن لحال احتقان عالية ومصدر للإرهابيين والأوصياء على الناس، وأنهم يحلمون أن يتحول الانتحار لفعل سهل لمجرد أن مأزوماً أو منظِّراً يخطط من استراحة راقية أو يمول من فندق مجاور، فيدفع بمنفذ مغرور مغرر به لخط التخريب والزعزعة، لو سألتهم لوجدت الوطن ليس في الاهتمامات الأولى والأمن لا يعنيهم خلال أشواط مبارياتهم التي لم تكن محددة بزمن، ستكتشف أن مبادئهم تتبدل مع أول مباغتة أمنية، وترى كيف أن قناعاتهم تموت فجأة عند إغراء الكراسي. - الذيول الخارجية مرتبطة بذيول داخلية وكي تفك الخيط الرابط بينها فلا بد من قص الذيول الداخلية لأن الذيول الخارجية ستعري لا محالة ذيولها الداخلية بعد أن يتقلص التمويل والدعم ويخف العدد الذاهب إلى مناطق الصداع والصراع، وتشل فتنة التحريض، المحظورون يختلفون في آليات العمل والأهداف الخاصة لكنهم يتفقون على أن الضرر يقع في صميم عملهم، وأن هدفهم العام هو طعن وطن وتفتيت أفراده، وهذا الخط الأحمر الذي لا يقبل الاختلاف لكنه يستوجب الحظر.