نؤمن جميعاً أن فترة حكم الرئيس اليمني السابق لليمن المتمثلة بثلاثة عقود ونيف، كان بالإمكان من خلالها أن يصنع لليمنيين مجداً خالداً يضع من خلاله نصباً تذكارياً لنفسه في قلوب وأفئدة كل اليمنيين، خاصة وأن الظروف كانت تتيح له فرصة لتقويم الوضع في البلاد وإرساء القواعد لبناء دولة قوية تتحدى كل الصعاب والمعوقات، يمكن أن نضيف هذا إلى قائمة الأسباب التي سهلت من عملية ربط الجزأين في البلاد «الشمال والجنوب» في ما أسمي بالوحدة اليمنية في بداية العقد الأخير من القرن الماضي. الجنوبيون والشماليون رأوا آنذاك بارقة أمل في رأب الصدع وتوحيد الصفوف ولم شمل اليمنيين في إطار دولة ديمقراطية واحدة يجتمع تحت مظلتها كل أبناء الشعب اليمني، ومع دخول البلاد في مرحلة جديدة ودولة متحدة تحت مسمى الجمهورية اليمنية أتيحت الفرصة أكثر من ذي قبل أمام الرئيس اليمني السابق لإشعار اليمنيين أن الوحدة أفضل لهم من البقاء في دولة مستقلة، هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى توحيد الرأي العام في كلا الطرفين لدعمه ونظامه الساقط في 2011م. تناقض الوضع تماماً مع هذا المذكور آنفاً إذ سعى الرئيس السابق بسياسة عوجاء لإقصاء الكثير من القيادات الجنوبية في البلاد واستغلال الوحدة لمآرب أخرى لم تكن في حسبان الجنوبيين ولا الشماليين وهو الأمر الذي أدى إلى اندلاع ما سمي بحرب صيف1994م ولم يحالف الجنوبيين الحظ لاستعادة الدولة المستقلة بفعل الخيانات العسكرية في المعسكرات الإستراتيجية الجنوبية وتفوق سياسات صالح على مطامح أبناء الجنوب، وقبل هذا مشيئة الله أرادت لليمنيين أن يظلوا في وطن واحد غير ممزق.
الوحدة لا يمكن أن نرمي عليها أية تهم، فهي حلم اليمنيين برمتهم، لكن السياسات الفاشلة التي استمر الرئيس السابق في انتهاجها أدت إلى إثارة الرأي العام الساخط خاصة في الجنوب ترافقها المعانات المتعددة الأطر في المناطق الشمالية. استمر القمع والاضطهاد وأصبحت دولة القبيلة هي القانون النافذ في البلاد بدافع التشبث بكرسي السلطة لدى الرئيس السابق، ولن نعتبر هذا شذوذ انفردت به اليمن بل هو مرض قبيح تعاني منه الكثير من القيادات العربية، وربما تكون القبيلة الحاكمة صفة انفرادية في اليمن.
لم يطمح الرئيس السابق مطلقاً لبناء الدولة وتحقيق العدالة والأمن والاستقرار في البلاد أو بناء قاعدة عريضة للبنى التحتية وتوسيع الفرص التنموية داخل اليمن رغم التقاء الثروات مع المواقع الإستراتيجية -كما هو خليج عدن-، بل كان طموحه الأساسي إثراء الذات والاستمرار في حكم الشعب اليمني مهما استخدم من طرق وأساليب تدعم استمراره في الحكم. أحد الجنوبيين القدماء وهو رجل يتعدى الثمانين من عمره تقريباً ألتقيته في عدن وبدأنا نتحدث ونفضفض لبعضنا البعض، هو كان يريد البوح بشيء ما بنفسه ليشعر بالارتياح، وأنا كنت أبحث عن معلومات لتدعيم الخلفية لدي من هذه الناحية، أخبرني أن الجنوب كانت تعيش في رخاء مقارنة مع ما تعيشه اليوم في ظل الوحدة رغم هيمنة النظام الاشتركي على كل مفاصل الدولة آنذاك، سألته هل تؤيد من يسعون للانفصال؟ قالها بتنهيدة طويلة: لا أحد يعارض الوحدة مطلقاً، الوحدة هي القوة، لكننا نعارض سياسة الإقصاء والاضطهاد وسلب حقوق الجنوبيين وممتلكاتهم من قبل بعض النافذين في الشمال، وأردف أيضاً «هذه واحدة من ألاعيب الرئيس السابق».
كان الشائخ معه حق في ما ذكر، فهذا الانطباع تجده لدى الكثير من أبناء الجنوب، فلا خلاف لهم مع أقرانهم الشماليين، بينما الخلاف يبقى على الأيادي الطويلة في كثير من رموز الفساد لدى النظام السابق.
كانت خطابات الرئيس السابق الجذابة التي يلقيها على الرأي العام ويستخدم فيها المصطلحات القوية لكسب الشارع» الوحدة، الشعب، الديمقراطية، التنمية، الأمن والاستقرار»، كانت دائماً ما ترد في خطاباته على الشعب في خلاف تام مع الواقع اليمني المنهار من كل تلك النواحي التي كان يسردها الرئيس السابق، وهذه الديكتاتورية في حد ذاتها.
لم يهدأ غضب الجنوبيين وسخطهم على سلطة الفرد وهيمنة الأسرة،حتى أنه في العام 2007م أعلن في الجنوب ما سمي بالحراك الجنوبي وكان يطالب بالإصلاح وترسيخ مبدأ الشراكة بين الشمال والجنوب حتى أنه في بعض المظاهرات كانت ترفع أعلام الانفصال، ومعه كانت سياسات صالح القمعية تأخذ منحاها دون توقف، ومع دخول البلاد في إطار ثورات الربيع العربي خرجت كل الأفاعي من جحورها وخرج كل الشعب من بين أوجاعه سعياً منه للبحث عن الحقوق والدولة اليمنية الموحدة، وترافق مع هذا اتساع دائرة المطالبة بالانفصال على مستوى الجنوب، في حين كان نظام صالح يوشك على السقوط والانهيار.
تعددت الأطراف الشعبية والمكونات السياسية التي خرجت إلى الشوارع ضد سياسات صالح ونظامه القمعي. لهاث الرئيس السابق على كرسي السلطة وحبه الجاه والمنصب أغضبه كثيراً،وسعى لتأنيب الأطراف ضد بعضها البعض وهو يجد نفسه بعيداً عن كرسي السلطة، حتى أن الكثير من المعلومات تشير إلى أنه يدعم أطراف في الحراك الجنوبي لتشويش الصورة أمام الرئيس هادي، ويؤكد الواقع أنه متحالف مع جماعة الحوثي، وهو من دعمها لإسقاط صنعاء والكثير من المحافظات الشمالية، إضافة إلى ذلك فقد أدخلته الولاياتالمتحدةالأمريكية في القائمة السوداء واتهمته بتمويل ودعم الجماعات الإرهابية في اليمن، وهذه علامة أخرى على المآرب الأخرى في نفس صالح!