عندما يتحول الوطن برمته إلى ساحة للقتال ، وألعوبة دامية في يد النافذين... يصبح شبيهاً بميدان صراع الثيران ، بمفرداته (الإسبانية) الثلاث: الرايات الحمراء ، المصارعون (المتادور) ، وقطعان الثيران.. فالجمهور المتفرج – بوصفه مفردة رابعة بشرية- يتلاشى تدريجياً عن الحضور في المدرجات ، ليندمج في المشهد الدامي ، وينضم في نهاية الأمر ، إلى طابور المفردة الثالثة..! على حلبة الصراع يقف (ثور بشري) أحمر العينين ، متحفزاً ، ينفث زفير الغضب ، يستفزه حد الجنون لون راية في الطرف المقابل ، يلوح بها (مصارع) متأنق من رجالات النخبة والنفوذ ، المتسلطة والمتصارعة ، والذي يحمل – في يده الأخرى- رمحاً وربما سيفاً قاتلاً... يندفع المتعصب الهائج ، لا ليهجم على مكمن الخطر القاتل ، وإنما ليفتك بالراية المستفزة ، وفقط عندما يستشعر برودة الرمح تخترق جسده الثائر الساخن ، يدرك كم كان ثوراً..! في البلد الواحد ...عندما يفقد الناس صوابهم ، بعد أن يحل محله ، الغضب الحاقد ، والعصبية الجاهلة ، والكراهية المتفاقمة ، يسوقهم أمراء الحروب وتجارها ، باسم الدين والسياسة والعرق والجغرافيا ، إلى ساحات الصراع ، كقطعان من الثيران ، المندفعة نحو حتفها ، وقد نمت على رؤوسها قرون التبعية اللاواعية ، فلم تعد بحاجة إلى منطق وعقل وحجة ، لتبرير أفعالها ، وتفسير انفعالها ، تجاه رعاتها وخصومها، يكفي فقط استفزازها ، بشعارات عدائية عصماء ، مليئة أو جوفاء ، لترى في مخالفيها ، وكل ما يتعلق بهم ، وأياً كانت ألوانهم ، راية مستفزة حمراء، بحجم الحياة ، صواباً كان فعلهم أو خطئاً ، قصفاً مدفعياً أو مولداً نبوياً ، معسكراً معادياً أو مستشفاً مدنيا..! غالباً تموت قطعان الثيران ، عبثاً ، وتسقط أشلاءً على أرض الحلبات ، ونادراً ما يموت أمراء الصراع ، فهم ليسوا أثواراً على أية حال ، وحدها الرايات المستفزة ، تبقى دائماً ، لتستفز الثور التالي ، فور خروجه من الحظيرة .! كفانا حروباً يا هؤلاء .. ولنتذكر جميعاً أننا لسنا خير محض كما أن خصومنا ليسوا محض شر ، ما يفرض علينا – في خضم صراعاتنا- التوقف برهة ، للبحث مجدداً وكل مرة عن مكامن الخطيئة في جميل ذاتنا ، وأوجه الفضيلة في قبح أعدائنا..! هل فكرتم يوماً بالتفتيش في مزبلة التأريخ ، والنظر إلى محتوياتها..؟ أكاد أجزم أننا سنجد هناك ، ثور وخرقة حمراء مستفزة..! [email protected]