يتساءل ناشطون يمنيون باستغراب عن المعايير التي استند عليها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في قراره تعيين مبعوثه الخاص السابق إلى اليمن جمال بنعمر في منصب الوكيل المساعد لفض النزاعات المسلحة، بمنصب الوكيل المساعد، كمكافأة له على جهوده في اليمن، حسب بيان بان كي مون، في الوقت الذي أوصلت جهود بنعمر في اليمن إلى الحالة الراهنة من الاحتراب وتقويض الدولة اليمنية وتغول المليشيات الطائفية وشرعنة العنف وصولاً لغايات سياسية. الصحافي مأرب الورد، علق على القرار في تصريح ل"الإسلام اليوم"، قائلاً: "الحقيقة لا اعرف معايير الأممالمتحدة لترقية مبعوثها السابق سيء الصيت لليمن وهل قيمت تجربته بموضوعية وفقا لمهمة تكليفه وإن كان الأمر كذلك فأين السلام الذي ساهم فيه بنعمر وهو عمل مهندسا لتوسع مليشيات الحوثي على الأرض بغض الطرف تارةً عن تنصلها من التزاماتها الموقعة عليها وأهمها مخرجات الحوار الوطني، وتارة أخرى بتوفير غطاء قانوني لأعمالها العسكرية التوسعية بالمحافظات وتضليل المنظمة الدولية ومجلس الأمن بحقائق ما يجري في اليمن وحرصه في كل تقاريره على إيهام رعاة العملية الانتقالية بأن عجلة التغيير تسير للأمام". هل الحرب سلام؟! وأضاف الورد: "لست معنيا كثيرا بترقيته ولا يهمني أي منصب تولاه وما يشغلني فقط هو السلام المزعوم الذي بنت عليه الأممالمتحدة قرار ترقيته وهو ما يتناقض مع تطورات الواقع في اليمن". وتابع: "بنعمر بدأ مهمته محايدا وإن كان هذا طبيعة أي مبعوث يحرص على تقديم نفسه هكذا ثم سرعان ما يظهر حقيقة دوره والأجندة التي ينفذها تبعا للدول التي تدعمه وهي ذات التأثير الأقوى بالقرار عالميا". وأردف، قائلاً بأن "هذا الرجل لم يكن محايدا أو وسيطا نزيها كما يجب وإنما كان معبرا عن رؤية الدول الخفية التي يعمل لأجل أجندتها خلافا لمهمته وهي الإشراف ومساعدة شركاء العملية السياسية في اليمن على تحقيق أهداف التغيير ورفع تقارير دورية بالأطراف المعرقلة ليتخذ مجلس الأمن عقوبات بحقها". وأعاد الصحافي الورد التذكير بالمواقف الزئبقية التي اتبعها بنعمر خلال فترة عمله في اليمن على مدى نحو أربع سنوات، حيث "توسع الحوثيون من دماج وصولا إلى حوث ثم عمران وبنعمر صامت يتفرج يصور الحرب مع الحوثيين على أنها مع مجموعات مسلحة وليس بين الدولة وجماعة متمردة قانونيا ووطنيا حتى دخلت صنعاء بعد هندسة اتفاق السلم والشراكة بصعده وإجبار القوى السياسية عشية سقوط عاصمة الدولة على التوقيع عليه لشرعنة الانقلاب وهو ما مثل انقلابا على المبادرة الخليجية المرجعية الأولى والإطار الحاكم للمرحلة الانتقالية ثم انتهى الأمر بحصار الرئيس وإجباره على الاستقالة". وأكد الورد على أنه "خلال هذه الفترة كانت البلاد تشهد حروبا متقطعة من منطقة لأخرى ومن مدينة لثانية وهكذا كان حضور السلام استثناء، بينما بنعمر يواصل تضليل المجتمع الدولي حتى انه لم يصف ما جرى انقلابا واكتفى بوصف الاعلان الدستوري للحوثيين بالخطوة الاحادية في الوقت الذي قد تم فيه ابتلاع الدولة بكل مؤسساتها". وخلص الورد إلى القول بأن "بنعمر شريك رئيسي في تمكين مشروع الحوثيين وإجهاض التغيير الذي بدأ في 2011 ثم الحرب الحالية التي كانت نتاج انقلاب الحوثيين وحليفهم صالح على التسوية وتهديد الأمن القومي لدول الجوار وتسليم البلاد لإيران ما استدعى تدخل الأشقاء بقيادة السعودية بطلب من الرئيس الشرعي أيضا". واستطرد قائلاً: "المبعوثون الدوليون شركاء الدول المضادة للثورات في الانقلاب على ربيع العرب وحريات الشعوب ولم تقم لبلد عافية حل فيها مبعوث أممي غربي أو عربي". دور مشبوه من جانبه، عبر الناشط والمحلل السياسي عبد الناصر الخطري، ل"الإسلام اليوم"، عن اعتقاده بضرورة النظر إلى هذا التكريم والترقية التي حظي بها جمال بنعمر من قبل ال1مم المتحدة من زاويتين: ال1ولى: المهمة التي كانت مرجوة منه من قبل الشعب اليمني، والثانية: المهمة الحقيقية التي رُسِمت له. واستطرد الخطري: "1ما الزاوية ال1ولى، فالشعب اليمني كان يتطلع لقيام بنعمر بدور الوسيط الذي يقف علی مسافات متساوية من جميع 1طراف ال1زمة في البلد، و1ن يساهم في إنجاح الحوار لحل القضايا المختلف عليها، وفي مقدمتها قضيتا الجنوب وصعدة، والإسهام في الانتقال من شبه الدولة التي كانت موجودةً عند تكليفه إلى وضع الدولة إلى آخر تلك التطلعات التي كان يتطلع لها الشعب؛ لكن الشعب بفئاته المختلفة تفاج1 بنتائج عكسية تماماً، فالتمرد الذي كان موجوداً في صعدة صار بمباركة المبعوث الأممي سلطة 1مرٍ واقع، وشبه الدولة تحول بإشرافه إلى اللادولة، والجيش تفكك وتحول إلى مليشيا، وبدلا من حل قضية صعدة في الشمال صارت عندنا في كل محافظةٍ صعدة، و1ضيف لمآسي القضية الجنوبية مآسٍ 1ُخری...الخ فما من قضية تطلع الشعب إلى حلها إلا وازدادت توسعاً وتعقيداً". وأشار الخطري إلى الصدمة التي تلقاها الشعب جراء السياسات التي اتبعها بنعمر في اليمن، الأمر الذي دفع اليمنيين إلى "رفض الدور المشبوه الذي يقوم به بنعمر وطالب بطرده وانطلقت الحملات الإعلامية ضد استمراره، وخرجت المظاهرات المنددة ببقائه، ووقع كثيرون على عرائض تطالب بتغييره، وانطلقت حملات على شبكات التواصل الاجتماعي تدعو لوقف 1ي حوار برعايته، واتُخِذت مواقفَ واضحة من دولٍ راعية للمبادرة الخليجية ضده". ونوه الناشط الخطري إلى أن "إعفاء الأممالمتحدة له من مهامه كمبعوث لليمن جاء على إثر هذه المواقف، فيما أدرك كل المتابعين للشأن اليمني بأن الإعفاء جاء نتيجة لعدم نجاحه في مهامه، فكون ال1مم المتحدة اليوم تشيد بنجاحه وبإحلاله للسلام في اليمن وتكافؤه علی ذلك، فإن هذا يدعونا للنظر للحدث من الزاوية ال1خری، ونتسائل: ما الدور الحقيقي الذي كُلّف به بنعمر وما المهمة الحقيقية التي رُسِمت له ونجح فيها؟!"، معتبراً بأن "1ي إشادة بنجاح و1ي تكريمٍ على نجاح في 1داء مهامه فهو تكريمٌ في اعتقادي على نجاحه في 1داء هذه المهمة غير المعلنة". ويتفق مع هذا الطرح الناشط السياسي والكاتب الصحافي الدكتور عبدالملك اليوسفي، الذي أوضح ل"الإسلام اليوم"، قائلاً بأن "قرار الأمين العام للأمم المتحدة له أكثر من تفسير؛ التفسير الظاهري أنه يأتي مكافأة لرجل عمل على حلحلة قضايا ساخنة وفقا للمعايير الأممية، وهذا ما تحاول الأمانة العامة للامم المتحدة تسويقه، غير أن ذلك التفسير الظاهري يصطدم بسجل طويل من الإخفاقات والانحرافات عن روح القانون الدولي وأدبيات الأممالمتحدة، ليست مقتصرة فقط على غض الطرف عن الانتهاكات الجسيمة التي قامت بها المليشيات في اليمن، بل وصل لحد التواطؤ معها في محطات معينة". ويستدل الناشط اليوسفي بذلك على "ترجيح الكفة لتفسير آخر متداول قائم على نظرية المؤامرة، وهو تفسير لا ينتقص من صوابية هذه الرؤية، فنظرية المؤامرة واحدة من أساليب التحليل السياسي المتبعة وتتعزز صوابيتها بالوقائع وهي كثيرة في حالة جمال بنعمر". مؤكداً بأنه "من الواضح أن ذلك التعيين لبنعمر يأتي كمكافأة له على الدور المشبوه الذي قام به في اليمن، وقبله في العراق لصالح قوى نافذة في كواليس المجتمع الدولي وصانعة قرار في أروقة الأممالمتحدة". وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أعلن عن تعيين مبعوثه السابق إلى اليمن جمال بنعمر مستشارا خاصا لشؤون منع النزاعات على مستوى وكيل الأمين العام، وهو منصب أممي رفيع يعنى بشؤون السلام والأمن الدوليين، في خطوة اعتبرها مراقبون للشأن اليمني مكافأة أممية على فشل بنعمر في تحقيق السلام في اليمن، ومساهمته في إيصال البلد إلى حافة الهاوية. وبموجب هذا التعيين، سيتولى جمال بنعمر ضمن مهامه المستقبلية ملف بوروندي في محاولة لاحتواء العنف الذي بدأ ينتشر في هذا البلد. واللافت في الأمر أن البيان الصادر عن مكتب الأمين العام للأمم المتحدة بهذا الخصوص قد أشاد بالجهود التي قام بها جمال بنعمر مبعوثا خاصا في اليمن من أجل إحلال السلام، رغم أن جهود بنعمر أوصلت البلد إلى حالة من التشظي والاحتراب الداخلي وتقويض أركان الدولة والانقلاب على شرعية الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي. وقد أشرف جمال بنعمر على عملية انتقال السلطة في اليمن في العام 2011 من الرئيس السابق علي عبدالله صالح، إلى نائبه آنذاك عبدربه منصور هادي، إلا أن العملية السياسية والانتقالية نسفت بانقلاب الحوثيين على السلطة بتحالفهم مع الرئيس السابق علي صالح، وذلك باحتلال العاصمة صنعاء، بتأريخ 21 سبتمبر 2014، واستهداف الشركاء السياسيين ومصادرة الحقوق والحريات وعسكرة كل مظاهر الحياة المدنية والسياسية، كل ذلك بمباركة المبعوث الأممي بنعمر الذي شارك في هندسة ما عرف ب"اتفاق السلم والشراكة"، بقصد منح الانقلاب مشروعية سياسية، والاعتراف بالحوثيين كسلطة أمر واقع.