ما أن تم الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة رغم أن عدد من وزرائها السابقين لم يغادروا المشهد، وبعض الشخصيات الجديدة مجربة في مواقع سابقة، إلاّ أن المشهد العام اليمني المؤيد للحكومة الشرعية والتحالف العربي، حاول أن يتفاءل ويتجاوز على كل الخروقات والألغام التي صاحبت ولا زالت تصاحب تنفيذ اتفاق الرياض بشقيه العسكري والأمني، واللذان لا يزالان بحسب مراقبون محليون، يمثلان اللغم الأكثر خطورة لنسف اتفاق الرياض والحكومة والشرعية ككل، كنهما لم ينفذا بعد بالشكل المنصوص عنه في الاتفاق، فلا مدير امن عاد إلى عدن، ولا تسليم سلاح ثقيل تم ولا إدماج لقوات الانتقالي تم، ولا عادة قوات الأمن والحماية الرئاسية إلى عدن وأبين، والأخطر من ذلك هو صاعق هذا اللغم الذي لايزال في يد أعداء الأمس وحلفاء اليوم، محافظة أرخبيل جزيرة سقطرى التي يسعى الحليف الإقليمي والمحلي للشرعية أن يسلبها من حضن الجمهورية اليمنية، ويعمل بكل جهد لسلخها من اليمن هوية وجغرافيا وسط صمت أعلى هرم في الشرعية.. اتفاق الرياض.. تدرك الحكومة المشكلة برئاسة الدكتور معين عبدالملك، أن المهمة الأولى لها هي تنفيذ اتفاق الرياض المتفق عليه، فالاتفاق عملياً لم ينفذ بعد بحسب ما يثبته الواقع وبنود الاتفاق ذاته التي تحاكم التحالف والشرعية معاً وتظهر أن الحديث عن انجاز تنفيذه ضرب كبير من المغالطة لواقع متأزم لا يمكن وصفه وتشبيهه إلاّ كتلك الألغام البحرية الحوثية التي تهدد الملاحة الدولية والتجارة العالمية وسط استخفاف الجميع.. لذا فإن عودة الحكومة والرئيس إلى عدن وانعقاد مجلس النواب وسحب السلاح الثقيل وإرساله للجبهات واخراج التشكيلات العسكرية التابعة للانتقالي من عدن ولحج وأبين وانهاء الانقلاب في سقطرى، وتوجيه تلك الترسانة والقوة التي تمتلكها الشرعية والانتقالي في المحافظات الجنوبية، صوب مليشيا الحوثي واستكمال تحرير بقية اليمن، وبقاء الحكومة بعدن وإخضاع كل التشكيلات الأمنية والعسكرية التابعة للانتقالي لوزارتي الدفاع والداخلية وقبلهما القائد الأعلى، هي المؤشرات الأولية التي سيتم البناء عليها والحكم من خلالها بنجاح اتفاق الرياض من عدمه، وسيقتنع الجميع بان التحالف حريص على تنفيذ اتفاق الرياض لا ترحيل الأزمات، والهروب بماء الوجه من خلال الإعلان عن تشكيل الحكومة ثم الهروب من مواجهة التحديات واستكمال التنفيذ للاتفاق..
الأزمات الاقتصادية: "استعادة الدولة وانهاء الانقلاب" هذه الجملة الكبيرة في المعنى والهدف معاً، ستفرض على الحكومة القادمة القيام بألف باء، استعادة دولة وانهاء الانقلاب، وتتمثل في خطوات عديدة، تبدأ بإنهاء التمرد في سقطرى، اخضاع جميع التشكيلات العسكرية والأمنية للحكومة من خلال دمجها في إطار مؤسستي الدفاع والداخلية، استعادة الموانئ والمطارات، تصدير النفط والغاز، إخراج القوات التابعة للتحالف من مطار الريان ومنشاة بلحاف وبقية المنشآت الحيوية واستعادة القرار السيادي في إدارة موارد الدولة من جهة، وإدارة المعركة من جهة ثانية مع شراكة التحالف في الثاني دون انتقاص من السيادة اليمنية، صرف مرتبات الجيش والأمن بانتظام، اخضاع المحافظين والسلطات المحلية لسلطة الحكومية مع مراعاة التراتبية المنظمة لعمل الجهاز الحكومي، وقبل هذا كله العمل على وقف انهيار العملة باتخاذ خطوات عملية تعيد للبنك المركزي والمؤسسات المالية الحكومية، دوره الحقيقي في الحفاظ على الاقتصاد الوطني والعملة الوطنية من الانهيار بعيداً عن الحلول الترقيعية والتخديرية المجربة منذ ست سنوات وتعرفها الشرعية والحكومة جيداً، فالوضع يستوجب على الجميع الالتفاف حول خطوات استراتيجية من شانها تعيد للاقتصاد الوطني والعملة الوطنية شيء من التوازن، بما ينعكس مباشرة على معيشة المواطن الذي يكتوي بلهيب هذا الانهيار في حين ظلت النخبة وقيادة الشرعية بعيدة عن هذا الانهيار ما جعلها لا تقدر على فعل شيء سوى التغريد بالشكر والعرفان وفي بعض الأحيان قفزت إلى مربع التحذير دون اتخاذ مواقف تجبر الحلفاء الوقوف بمسؤولية تجاه المسؤولية القانونية والأخلاقية والمصير المشترك من هذا الانهيار الذي يخدم الانقلاب، ويحشد التأييد الداخلي والخارجي لصالحه كونه يظهر في موقع الحريص على الاقتصاد والعملة الوطنية رغم انه من عمل ويعمل على الانهيار الحاصل، لكن المواطن البسيط يحكم على سعر صرف وسعر مواد غذائه اليومي التي تظهر فوارقه بشكل مخيف بين المناطق المفترض انها تنعم بالتحرير وإدارة الدولة وبين مناطق خاضعة لعصابة نهبت كل شيء من المواطن بما فيها روحه، فالمواطن البسيط لا يعرف معنى لغة الاقتصاد وتواجد قدرة شرائية وسيولة نقدية من عدمه، قدر معرفته بان الدقيق سعره في المناطق المحررة كذا وسعره لدى الانقلابيين كذا..
عدم التنفيذ.. يدرك الجميع أن عدم السير في هذه الاتجاهات بعد تشكيل الحكومة والقفز على لغمي الشق العسكري والأمني، من سقطرى وأبين إلى عدن مباشرة، سيكون له ارتدادات عكسية قوية على اليمن بالذات والمملكة العربية السعودية، وسيعطى رسائل مفادها، أن التحالف غير جاد في إنهاء الانقلاب، وحريص على تقسيم اليمن بعد اضعافه واضعاف قيادته الشرعية، وحريص على إنهاء دور الرئيس هادي وحكومته وشيء اسمه شرعية، ويعمل على خلق شرعية ميلشياويه جديدة تملشن ما تبقى من مؤسسات الدولة ، والذي بدوره سيصب في خانة الانقلاب بشكل ايجابي مباشرة وسيخدم إيران في تسهيل بقية مهمتها في الانقضاض على مملكة النفط في السعودية وبقية دولة الخليج، وحينها لن يكون ثمة حلفاء حقيقيين في هذه المنطقة الجغرافية للمملكة لمواجهة التوحش الإيراني الذي ينتظر وصول جو بايدن إلى مكتبه في البيت الأبيض، فاليمن سيكون شمالاً وجنوباً غارقاً في صراع داخلي سيحرقه ويحرق دول الجوار وستصل شرارة هذا الصراع إلى تلك السفن العملاقة في أعماق البحر.. مكسب أم خسارة؟ في الأخير شعر الجميع أنه مجبر على القول أنه لايزال الوقت مبكراً عن الحديث من الرابح ومن الخاسر من إعلان تشكيل الحكومة وما حدث من تجاوز في الشق العسكري والأمني لاتفاق الرياض. إلاّ أننا سنقول أن أي جهد يوحد الصفوف والبنادق في طريق معركة التحرير وإنهاء الانقلاب وايجاد جيش وقوات أمن تابعة للدولة لا سواها والابتعاد عن ملشنة ما تبقى من مؤسساتها، والحفاظ على اليمن أرضاً وإنساناً، هو مكسب لليمنيين وللإقليم والمجتمع الدولي، وما عده ستكون نتائجه كارثية على الغير أما اليمن فلم يعد لديه ما يخسره..