روسيا بوتين الراديكالية تتوسع بخطوات منتظمة في تحركها الجيو سياسي: والمرحلة الأولى هي الجوار الجغرافي في شرق أوروبا وآسيا الوسطى. . أو ما تطلق عليه موسكو «الخارج القريب» حيث أثبتت من خلال قصفها العسكري لجورجيا الصيف الماضي «نحنهنا»، والمرحلة الثانية هي الشرق الأوسط: رفع وترقية العلاقة الإستراتيجية المتينة المباشرة مع سوريا وإيران، مما أتاح لموسكو مدخلاً للعب في الساحة السياسية اللبنانية في تناغم مع «حزب الله» القوة السياسية الأولى في لبنان. الآن كما يبدو آن أوان الشروع في المرحلة الثالثة التي وتتمثل في إفريقيا. كما فعلت الصين. فإن نقطة الانطلاق في هذه المرحلة هي إنشاء علاقة إستراتيجية مع السودان كمدخل جيد نحو القارة الإفريقية جنوب الصحراء. هذا هو مغزى الزيارة التي قام بها إلى السودان مبعوث روسي خاص هو ميخائيل مرغيلوف الذي يعتبر من أرفع المستشارين لرئيس الحكومة فلاديمير بوتين، لكن لماذا السودان تحديداً، سواء من وجهة نظر موسكو أو جهة نظر بكين؟ هناك ثلاثة أسباب رئيسية: أولاً :القيمة العليا نادرة النظير للسودان كجسر جغرافي وثقافي يربط بين الشرق والقارة الإفريقية. ثانياً: إن النظام الحاكم في السودان الآن موجود منذ 20 عاماً. . ومرشح للبقاء 20 عاماً أخرى. ثالثاً: إن هذا النظام الحاكم ينتهج نهجاً استقلالياً في ساحة العلاقات الإقليمية والدولية متحرراً من الهيمنة الإمبراطورية الأميركية. إلى هذه الأسباب يجوز أن نضيف سبباً رابعاً وسبباً خامساً، السبب الرابع اقتصادي ويتمثل في أن السودان يصنف على قائمة أكثر دول العالم الثالث ثراء من حيث الثروات الطبيعية المتنوعة القابلة للاستغلال، والسبب الخامس تاريخي. . ويتمثل في أن هناك تراثاً من التعامل الاستراتيجي بين روسيا والسودان في عهد الاتحاد السوفييتي السابق يمكن أن تبني عليه روسيا بوتين. خلال عقد الستينات شهد السودان في عهد الرئيس عبود قيام مشروعات إنتاجية بتمويل روسي وفق اتفاقات أبرمت خلال زيارة للرئيس السوفييتي ليونيد بريجينيف، ولاحقاً تطورت العلاقة إلى مستوى استراتيجي كامل خلال المرحلة الأولى من عهد الرئيس نميري، حيث صار الاتحاد السوفييتي المصدر الأكبر لتسليح الجيش السوداني. . رغم أن هذه العلاقة تدهورت بعد أن اتخذ نظام نميري توجهاً غربياً. الآن وفي عهد بوتين نشهد بداية جديدة لإعادة إحياء هذه العلاقة الإستراتيجية ويغلب عليها هذه المرة الطابع الاقتصادي التنموي كنواة لانفتاح روسي على القارة الإفريقية، ليس هذا فحسب. . فنحن نشهد أيضاً إرهاصات تحالف استراتيجي ثلاثي الأضلاع على أساس تضامن صيني روسي مع السودان.