فقد كان خطأ فادحا تبني أحزاب المعارضة لفكرة إعادة صياغة الدولة وكتابة دستور جديد أثناء معارضة علي عبدالله صالح. المشكلة أن هذا القول أصبح أحدى المسلمات الآن، وعلى أساسه تقوم المرحلة الانتقالية الراهنة. مع أن لا شيئ كان يدعو لإعادة صياغة الدولة التي لا يتجاوز عمرها ال23 سنة الآن، فالمشكلة لم تكن في صيغة الدولة أو شكل نظامها السياسي أو الدستوري، الذي كان من الناحية النظرية يقر الديمقراطية ومبادئ المواطنة والحرية والعدالة والمساواة. فالمشكلة كانت في جوهرها أن نظاما سياسيا كان لا يزال يمثل امتدادا لفكرة "التغلب بالعنف" ويتواجد في نظام يفترض أنه ديمقراطي، وكان كافيا تغييره بحكم الدستور الذي يحدد ولايتين رئاسيتين فقط، بالنضال السياسي في 2001 حين عدل الدستور، أو في 2013 كما كان يفترض، أو بالفعل الثوري كما حدث العام 2011. لإحداث التحول الديمقراطي المنشود. إلا أن لا شيئ كان يتطلب استدعاء الشرعية السياسية والوجودية للدولة للنقاش، كما يحدث الآن، فبقدر ما يسوق هذا كإجراء إصلاحي، هو في الحقيقة فعل خطر ومقوض لفكرة الدولة واستقراراها، حيث يحدث أن تستدعى الدعاوي التاريخية التي تتواجد على حساب تدعيم وجود الدولة الراهن وشرعيته. ربما تلاحظون معي أنه منذ الإقرار بهذا المبدأ، ومع تسيده للمشهد السياسي الآن، بالحديث عن فكرة الأقاليم مثلا، أنه أضيف إلى الدعاوي الجنوبية التاريخية لفك الارتباط، دعاوي أقدم في تاريخيتها، كالدعاوي التهامية، والتعزية، والحضرمية، والمأربية، أو السلاطينية، يعلق صديقي: بدل أن يسهم هذا في عقلنة الجنوب، جنن بكل اليمن. فالكل الآن يستدعي دعاويه وهوياته التاريخية، وكل هذا يهدد وجود الدولة الراهن وشرعيته. ربما يتساءل بعضكم من أين أتت فكرة إعادة صياغة الدولة ابتدأ، البداية كانت مع الحزب الاشتراكي اليمني، الذي كان يبرر لمقولته بحجة أن دولة الوحدة بالشراكة بين المؤتمر والاشتراكي انتهت بفعل حرب صيف 94، ما يستدعي إعادة صياغة دولة جديدة بعيدا عن شرعية حرب 94. الحراك ودعاويه لفك الارتباط تبني على هذا القول أيضا. وقد يكون متفهما أن يتبنى حزب كالاشتراكي كان شريكا في دولة ما بدولة كانت مستقلة مثل هذا القول، ما ليس مفهوما هو تبني بقية أحزاب المعارضة في اللقاء المشترك للفكرة في برنامج الإصلاح السياسي 2005، ووثيقة الانقاذ 2009، لتصبح إحدى المسلمات الآن في المرحلة الانتقالية، مع أن لا شيئ كان يجبرها على فعل ذلك. ولا حتى دعاوي فك الارتباط، فليس حلا لشيء، ما يقر مبدأه الوجودي الذي يقوم عليه. فالمطلوب كان إصلاحا سياسيا، والانتقال من حالة التغلب بالعنف التي كان يمثلها صالح إلى حالة التغلب بالديمقراطية، ويبدو لي أن الإصلاح السياسي كان كافيا على قاعدة التغيير، حيث يسمح التغيير لمياه الديمقراطية بالتحرك لتجريبها وتكريسها كنظام سياسي للبلد. لكن متى كان وضع وجود بلد ما وشرعيته على المحك، مدخلا للإصلاح السياسي فيه، أو حتى لتدعيم وحدته الوطنية كما يسوق لذلك الآن. فالأمر لا يشبه لعبة أطفال، حين لا تعجبهم ينهونها، ليبدأوا من جديد كل مرة.