منذ حوالي 5 عقود مضت شهد عالمنا المعاصر سلسلة طويلة من التحولات والأحداث الكبيرة والحيوية على مختلف المستويات أعادت هيكلة النظام العالمي وغيرت الكثير من المفاهيم والتوجهات وأعادت تشكيل العلاقات بين دول وشعوب العالم وصياغة الأولويات والاهتمامات غير أن ما يمكن ملاحظته هو أن الهم التنموي والنشاط الاقتصادي يتعزز موقعه في أجندة المجتمعات المعاصرة يوماً بعد آخر ويحكم الجزء الأكبر من مسارات العلاقات الدولية. وإذا كان العالم المتقدم قد قطع شوطاً كبيراً وتجاوز العالم الثالث بمسافات شاسعة في هذا المجال بصورة سمحت له الإمساك بدفة القيادة في حين ظل عالمنا الثالث والعربي منه تحديداً يراوح موقعه في مؤخرة الركب التنموي ويقع على هامش الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية بالرغم من أن دولاً ومجتمعات آخري قريبة منا استطاعت أن تلحق بالقافلة كماليزيا وأندونيسيا وكوريا وتركيا وغيرها بل أن هناك من دول العالم الشرقي التي لم تكت تختلف عنا كثيراً صارت اليوم تنافس على الصفوف الأولى كالصين واليابان. من هنا يمكن القول أن الواقع التنموي الاقتصادي المتردي للمجتمعات العربية وانعكاساته اليومية على حياة الناس ومعايشهم وتزايد معاناتهم الاقتصادية كانت هي الدافع الرئيسي والأكبر لما شهدته الكثير من البلدان العربية من أحداث وتحولات وما بز خلالها من ثورات وحراك شعبي وجماهيري واسع تطالب بالتغيير وتنشد غداً أفضل. إن تلك الأحداث والتطورات الجديدة التي شهدتها المجتمعات العربية خلال العام الماضي 2011م ما تلتها من تحولات تضعنا كحكومة وقطاع خاص ومجتمعات أمام تحديات ورهانات صعبة وتفرض علينا مسئوليات ومهام أكبر وأوسع من ذي قبل علينا أن نعيها وأن نتعاطى معها كما يجب وبما يحقق طموحات وتطلعات الشعوب نحو التغيير والبناء والنهوض التنموي وبالتالي ليس أمامنا من خيار لذلك سوى أن نعلى من شأن الهم التنموي ونعزز قدرتنا الاقتصادية والتنموية ونعيد صياغة أولوياتنا وهياكلنا واتجاهاتنا المستقبلية في هذا المسار في إطار مفهوم الشراكة التنموية وبما يواكب اتجاهات العالم المعاصر الذي يقوم على مبادئ الاقتصاد الحر والتجارة الدولية وكسر الحواجز التقليدية أمام السلع والخدمات والأسواق والرأسمال وغيرها. وإذا نظرنا إلى الواقع الاقتصادي والتنموي في اليمن نجد أننا ومنذ أكثر من عقدين من الزمان في تبني الاتجاهات الاقتصادية الجديدة وبدأت الدولة في إعادة صياغة وهيكلة نظمها وقوانينها وتشريعاتها في مسار مواكب للتوجهات العالمية والعمل على توسيع مساحة القطاع الخاص والاستثمار المحلي والخارجي في مستويات التنمية والنمو الاقتصادي للبلاد وبرز القطاع الخاص الوطني كلاعب رئيسي وفاعل في هذا المجال إلا أن الأمر لا يزال حتى الآن في حدوده الدنيا ويواجه العديد الكثير من التعقيدات والإشكاليات التي تحتم علينا مراجعة الكثير من السياسات والتوجهات التشريعات الاقتصادية والتنموية بصورة أفضل. كما علينا كشركاء للتنمية ومعنيين بالهم الاقتصادي والتنموي حكومة وقطاع خاص ومجتمع أن نستفيد من التحولات الجديدة وأن نعى متطلبات المرحلة القادمة وأن نكون مع الشعب في همومه وقضاياه وأن نكون إحدى الأدوات الفاعلة لنهضة المجتمع ولهذا ليس أمامنا من سبيل سوى أن نراجع أنفسنا وأن نعيد تقييم واقعنا ونعيد صياغة رؤيتنا وأن نعمل معاً وعلى كافة الأصعدة والميادين من أجل نهضة تنموية خلاقة وبناء اقتصادي متين وفق رؤية واضحة ومحددة وباستخدامنا للمزايا النسبية التي تتمتع بها اليمن مثل الموقع الجغرافي وتوفر العمالة وحسن استخدام الموارد بما يحقق أعلى قيمة مضافة لتلك الموارد ويعود بالنفع على الاقتصاد الكلي. * المقال عن كتاب دليل الصناعة والصادرات اليمنية.. *عضو مجلس إدارة هائل سعيد أنعم وشركاه العضو المنتدب لإقليم اليمن