لن نستغرب زيادة التطرف في جانب اليمين الاسلامي وزيادة الاصطفاف الايدلوجي مستقبلا ,والكفر بالحل الديموقراطي الذي كان يؤصل له كأحسن أداة لتجفيف بؤر الاحتقان والتطرف في المجتمعات ,وهم يرون تكرر الانقلاب على اي ديموقراطية تسمح بوصول القوى المعتدله فيه الى السلطة ,فمرورا بالانقلاب على الديموقراطية التي فاز فيها الاسلاميون في الجزائر مطلع التسعينات ,وحصار حكومة حماس بعد فوزها بطريقة ديموقراطية شفافة , هاهو المشهد يتكرر اليوم في مصر فبعد أن تم حل مجلس الشعب ذو الاغلبية الاسلامية ابان حكم المجلس العسكري بعد الثورة ,اليوم يحاولون قتل ماتبقى من ديموقراطية باسقاط رئيس منتخب جاء بطريقة ديموقراطية وبانتخابات نزيهه. الثورة قامت في كل الاقطار بعد انسداد أفق تغيير الانظمة القمعية الفاسدة بالطرق الديموقراطية,ووجود حزب متغول على كل مقدرات الدولة ومتحكم بكل مفاصلها في ظل معارضة هشة لتزين المشهد إن وجدت,فمن ثمّ تتبلور مخرجات الثورة بتسوية الملعب السياسي بين كل الفرقاء في البلد ,بحيث يحصل الجميع على نفس فرص الفوز و الخسارة ,وتصبح إرادة الناخب هي رمانة الميزان لرجحان طرف على أخر ,بمعنى أخر تنتقل شرعية "المتظاهر", "الشارع" بعد الثورة الى شرعية "الناخب" و"الصندوق" ,وشرعية المنصة الثورية الى شرعية البرلمان والدستور ,ويصبح اي صراع بعد الثورة هو صراع سياسي تستخدم فيه الادوات الديموقراطية لا الثورية, وإرساء مبدأ الاستقواء باالشارع -وهو أداة ثورية- في كل مرة لا تعجبنا فيه مخرجات الأدوات الديموقراطية "الصندوق"كما يجري الآن في مصر أمر في غاية الخطورة ليس لأنه قد يسقط "الاسلامين" ويحل محله قوى اليسار والقوى الليبرالية كما يخشى او يتمنى البعض ,لكن مكمن الخطر أنه ينسف مبدأ التداول السلمي للسلطة واحترام ارادة الناخبين , ويجعل الشرعية هي شرعية الشارع والجمهور لا شرعية الصندوق و الدستور الذي جاء بعد الثورة ,ولأن مزاج الجماهير متقلب وفجائي واللاعبون فيه كثير ,فهذا سيجعل الاحتكام الى الادوات الديموقراطية نوع من العبث والحمق السياسي كون نتائجها لن تحظى بأي قدسية وأحترام من جميع التيارات,نفس الاحتكام اليها في حالة ديموقراطية الانظمة الديكتاتورية قبل الثورة والتي كانت تصادر ارادة الشعب باسم ديموقراطية 99.99% واليوم تصادر باسم الشارع..!! الجميع شارك وقبل باللعبة الديموقراطية والتي جاءت بعد تضحيات جسيمة من الشعب المصري ,ويجب على الجميع احترام نتائجها وفي حال أي خلاف بين فرقاء المشهد السياسي يجب ان ينبثق الحل من رحم الديموقراطية لا من خارجها حتى تظل اللعبة السياسية تُحكم بالأدوات الديموقراطية لا الثورية فمن تزوج بطريقة شرعية لايحق له الطلاق بطريقة عرفية,وتخوفنا مما يجري في مصر ليس خوفا من سقوط الاخوان فحركة الاخوان متجذرة في عمق الشعب المصري ولم تقتل فكرتها المشانق وقرارات حل الجماعة في السبعينيات ولكن من سقوط مفهوم الديموقراطية وأن تصبح هذه الطريقة سنة وسيف على كل قادم للسلطة , وللتأمل أكثر -ما الذي يمنع اسقاط الرئيس المنتخب القادم بنفس الطريقة؟ -ما الفائدة من الاحتكام لشرعية الصندوق وادوات الديموقراطية في ظل وجود شرعية اخرى ؟ -ماهي الوسيلة الشرعية المعبرة عن الامة لحل الخلافات بين فرقاء المشهد السياسي؟