افتتاحية ملفتة حملت اسم المحرر السياسي على موقع "المؤتمر نت" الناطق باسم تيار علي صالح في المؤتمر الشعبي العام، تضمنت تهديدا صريحا باستخدام القوة المسلحة، وإن حصر هدفه المقصود بهذه القوة بالتجمع اليمني للإصلاح. لم تخرج هذه التهديدات عن إطار استتراتيجية الخطاب العام الرامي إلى تحديد الإصلاح كخصم دون بقية الأطراف، وذلك –كما هو واضح- بهدف تحييد بقية القوى ومكونات الشعب اليمني أفرادا وكيانات. وإذ يُفهم هذا الفرز وتحديد الإصلاح كخصم في الصراع السياسي إلا أن سحبه على واقع الحرب مستحيل، فالرصاص والنيران لا تنتقي أهدافها، ولا تفرق بين الناس وفق الانتماء السياسي، ما يعني أنها تهديدات صريحة بحرب أهلية رغم أن إعلام صالح لا يتوقف عن تمجيد ما يزعم من مغادرته السلطة طواعية حفاظا على الدم اليمني. وفي نشوة اللجوء إلى الحل العسكري في مصر بدعم خليجي، رأى علي صالح أن يستفيد من هذا السيل المتدفق من الخليج إلى مصر سياسياً ومالياً، وإلى آخر أوجه هذا الدعم للانقلاب العسكري هناك، وأراد أن يكسر من هذا السيل ساقية إلى اليمن، ويقدم نفسه كوكيل وتاجر حرب قادر على إنجاز المهمة في اليمن، منتظرا من الخليج موقفا موافقا لطلبه في استخدام القوة في اليمن. يقول الموقع الذي ما يزال ناطقا رسميا باسم المؤتمر الشعبي العام مخاطبا من يسميهم (الإخوان) في اليمن: "سيزيحكم الشعب اليمني سلمياً فإن أبيتم فإنه مكتوب في تاريخ الحضارات البشرية أن اليمنيين أولوا قوة وأولوا بأس شديد. كل الخيارات مفتوحة..". والعبارة واضحة بما فيها من تهديد ضد الإصلاح بالسلم، أو بالقوة. والكلام موجه بدرجة أساسية للرئيس هادي وكل القوى المشاركة في الحكومة، وإن كان في ظاهره موجهاً عن الإصلاح ووزاراته الثلاث. وإلى ذلك، فإن هذا التهديد موجه للمبادرة الخليجية وجهود المجتمع الدولي، لأن هذا التغيير في السلطة نتاج للمبادرة ولهذه الجهود الدولية التي جاءت استجابة لثورة الشعب اليمني، ابتداء من صعود الرئيس هادي وانتهاء بقسمة الحكومة مناصفة بين المؤتمر الشعبي من جهة، وبين بقية القوى من جهة أخرى. ويلاحظ أن صالح لم يهدد بالجيش، وذلك حتى لا يلفت الانتباه إلى القوة العسكرية النظامية التي ما تزال بيده من خلال القيادات الموالية له. واقتصر على الحديث عن قوة السلاح غير الرسمية، مهددا باليمنيين أولي القوة والبأس الشديد. وتشي هذه العبارة ما يخطط له بالفعل من إثارة للفوضى والاقتتال عبر من قام بتسليحهم من القبائل الموالية له، وعبر الآلاف الذين قام بتجنيدهم قبل خروج ابنه أحمد من قيادة الحرس، إذ تحدثت المعلومات عن أعداد كبيرة قام حينها باعتمادهم عن طريق المشائخ الموالين له، وطلب منهم عدم إرسال هؤلاء المجندين إلى المعسكرات واستبقاءهم لوقت الطلب. وهذا فضلا عن تحالفه مع الحوثي في هذه النقطة، وفضلا عن ما سبق من نهب وإفراغ لمخازن السلاح، والاستزادة من السلاح بالاستيراد. الخليج يستغفل صالح.. وصالح يحتاط بالعلاقة مع إيران عندما يستهدف صالح الرأي العام الخارجي، فإنه يركز حملته ضد من يسميهم "الإخوان المسلمين"، وذلك كما كان عليه الحال خلال الأشهر الأولى من الثورة في 2011م، وعندما يستهدف الأطراف الداخلية فإنه يستخدم اسم "الإصلاح"، تماما كما حدث تدريجيا من بعد توقيع المبادرة الخليجية. وبعودة اسم "الإخوان" إلى إعلامه في الفترة الراهنة بدا واضحا اقتصاره على كلمة "الإخوان"، فيما كان يستخدم في السابق "الإخوان المسلمين"، وهذا ما اتبعه المحرر السياسي في هذه المقالة المنشورة في "المؤتمر نت"، وتكرر هذا مرارا، وهي استراتيجية واضحة بات يتحدث بها الكثير من رموز الحرب على الإخوان في مصر على شاشات القنوات، إذ يقتصر هؤلاء على لفظ "الإخوان"، وكثير منهم يقولون بعد كلمة "الإخوان" إنهم لن يطلقوا عليهم "المسلمين". وتبدو هذه النقطة إحدى محددات الخطاب الإعلامي الصادرة عن المطبخ المركزي للانقلاب على ثورات الربيع العربي في الخليج، ومن الغريب أن تأتي هذه النقطة كواحدة من محددات الخطاب الإعلامي فيما لا معنى لها في الحقيقة ولا مردود يكافئ الجهد المبذول لاعتمادها وتعميمها وشرحها ومتابعتها.. إلخ. وعلى أن المطبخ قد وضع هذه المحددات للحديث عن إخوان مصر إلا أن إعلام صالح أراد أن يسحبها على الإصلاح في اليمن. ولدعم الانقلاب العسكري في مصر، فإن المخطط الإعلامي لم يقتصر على الإعلام المصري، أو القنوات والوكالات الكبرى، بل وجميع ما يتبع علي صالح في اليمن من الوسائل، سواء التابعة له بشكل رسمي، أو بشكل غير رسمي، أو عبر الأشخاص من الأصدقاء وتجار الكلمة من العاملين هنا وهناك. ومن يقارن بين مجالات اهتمام هذه الوسائل منذ أشهر، ومفردات الخطاب الإعلامي الذي تتبعه، يجدها جميعا منخرطة في مخطط واحد وتسير وفق ذات المحددات مركزة على ذات الرسالة. وكان التصعيد ضد حكومة رجب طيب أردوغان في تركيا أعلى من التصعيد ضد مرسي في مصر، وتزامن ذلك مع المظاهرات التي كانت تنفذ في ساحة "تقسيم" التركية، وكان يحيى صالح وعدد من رموز نظام عائلة صالح يشاركون فيها، وفجأة تحولوا للاعتصام في القاهرة، وتحول معهم الموج الإعلامي الذي راح يصب جل تركيزه من ذلك الحين على مصر، وما يزال شبه متفرغ للمشهد المصري حتى اليوم. وربما أن تركيا كانت هي الهدف الأول للمخطط، أي قبل مصر، إلا أن بوادر النجاح لم تبدُ لهم قريبة، فقرروا التحول إلى مصر، وربما أن تلك الحملة التي كانت مركزة على تركيا لم تكن تهدف في تلك الفترة لأكثر من صرف الأنظار عن مصر وما يطبخ لها. وعودة إلى فترة اشتداد تلك الحملة ضد تركيا، فقد ارتفعت –ذلك الحين- وتيرة تدفق كميات السلاح التركي إلى اليمن، أو السلاح الواصل إلى اليمن عبر بواخر تركية. وهو ما يكشف بجلاء المحاولات الحثيثة لتوريط تركيا في شيء ما، وهو ما يبرر الاهتمام بهذا الأمر من قبل تركيا التي أرسلت الأسبوع الماضي -ومن ضمن ردود فعلها- وفدا أمنيا إلى اليمن لتتبع القضية. وهكذا، فالمخطط يربط تركيا بكل من اليمن ومصر. ويبدو أن السيناريو الخاص ب"اليمن –تركيا" هو الفصل الثاني من السيناريو العام للانقلاب على فصل الربيع العربي. ويا ترى هل سيكون من المستساغ الحديث عن علاقة إيران بتلك الأسلحة، أو أن تلك الشحنات كانت خليجية، أم أن هناك تقاطعا بين أجندة إيران ودول الخليج بشأن هذه الأسلحة عبر الإمارات العربية المتحدة ذات العلاقة المزدوجة بين الطرفين!؟ لم يعد مثل هذا مستبعدا، وقد أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات بحق أربعة من قيادات حزب الله اللبناني من بينهم "خليل حرب" الذي قالت إنه وكيل حزب الله في اليمن، وإنه يتلقى مبالغ كبيرة من دولتين عربيتين. وعلى أنها لم تفصح عن اسم الدولتين إلا أنهما –كما أعتقد- سوريا والإمارات. أيا يكن: من غير المعقول أن يكون في نية دول الخليج إشعال فتيل العنف في اليمن، والغالب أن تلك الأسلحة المتدفقة على اليمن ليست إلا نتاجا لعلاقة كل من صالح والحوثي مع دولة إيران، ذلك أن الخليجيين قد بذلوا جهدهم لإمضاء المبادرة الخليجية التي تقدموا بها لتجنيب اليمن وبلدانهم شبح الحرب والفوضى، وكأن ما تفعله بعض دول الخليج اليوم من التعاون مع صالح ليس إلا مجرد إيحاء لصالح بأنه رجلها للمستقبل، وأنها ستحتاجه لهذه المهمة يوما ما، وهي لا تريد بذلك أكثر من استغفاله واستخدامه في الوقت الحالي كورقة سياسية للضغط على الرئيس هادي والأطراف السياسية الأخرى ثم ترميه عن قريب. ويبدو أن معرفة صالح بهذا الأمر تجعله يحتاط لنفسه بتفعيل الخط الذي يربطه مع إيران، ليلعب مع الخليجيين ذات اللعبة. صالح لا يعترف ب"مؤتمرية" هادي يرسل "المحرر السياسي" في هذه الافتتاحية تحيته "للجيش المصري الذي لبى نداء الشعب وأنهى المهزلة نهاية عادلة". ويقول: "أيها الإخوان.. إن ذات النهاية آتية عليكم في كل مكان، فلقد كان صعودكم انحراف في مسار الزمن وفي مسار الطبيعة وخطيئة في صفحة التاريخ.. هذه حقيقة وتقرير لواقع.. لقد سطر الشعب المصري وقواته المسلحة أنصع صفحات العدالة الإنسانية، بأن أعاد الحق إلى نصابه.. ومثلما لفظكم الشعب المصري، وتلفظكم شعوب المغرب العربي، فإن أوان إزاحتكم عن كاهلنا في اليمن قد حان.. وعما قريب سيخرج الشعب اليمني كي يجرفكم جرفاً إلى أماكنكم الطبيعية، ولكل أجل كتاب". هكذا يضع الإصلاح بهذه العبارات وكما لو أنه هو الحاكم الذي يجب أن يلقى ما لقيه مرسي في مصر، متجاهلا أن رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي هو النائب الأول لرئيس المؤتمر الشعبي والأمين العام للحزب، وأن نصف الحكومة هي حصة المؤتمر الشعبي بموجب المبادرة الخليجية مقابل نصف موزع على بقية القوى. ويعكس علي صالح بهذا الطرح نظرته للرئيس هادي، إذ يعتبره خصما له يجب الإطاحة به بقوة السلاح. ولا يفتأ صالح يوحي بأن الرئيس هادي متواطئ مع القوى الأخرى، ووسائل إعلامه تؤكد ذلك على الدوام، وهذا عنوان صحفي عريض يملأ الصفحة الأولى لإحدى الصحف الموالية له يختزل هذه السياسة إزاء الرئيس هادي، إذ نشرت الصحيفة عنوانا يقول: الإصلاح يختطف الرئيس. وصورة الغلاف بجوار العنوان كانت للرئيس هادي وبجواره عبدالوهاب الآنسي -أمين عام الإصلاح. وعلى ذات النسق، ورد الأسبوع الماضي بتقرير صحفي في "براقش نت" المقرب من عائلة صالح الأسبوع الماضي عن وثيقة الإرياني: ".. وكانت مصادر سياسية قد أكدت أن الرئيس هادي يسعى بشتى السبل للحصول على تمديد لفترة ثانية تمد لخمس سنوات بالاتفاق مع حزب الإصلاح والقوى العسكرية الموالية له، وكذا مع الولاياتالمتحدةالأمريكية التي أعطيت الحق في التحرك بالمياه والأجواء والأراضي اليمنية بكل حرية". وهكذا، وعلى أن الإصلاح هو المقصود بظاهر الكلام في كلمة المحرر السياسي ب"المؤتمر نت" إلا أن الرسالة –عمليا- تتحدث عن ضرورة اقتلاع ما حدث من تغيير في السلطة، والهدف المباشر هو الرئيس هادي، أما الإصلاح الذي لا يدير سوى ثلاث وزارات فقد كان صالح يعرض عليه وعلى شركائه أضعاف هذه الحقائب الوزارية مقابل تخليهم عن خيار الانخراط في الثورة السلمية. "الحصان" لا يحمل راكبين في سياق مضمون الفقرة السابقة، نشهد –هذه الأيام- ارتفاعا في وتيرة الصراع بين الرئيس هادي وعلي صالح، ويبدو أنها ستظل تشتد وترتفع إلى مستويات جديدة كلما اقتربنا من موعد انتخابات 2014م، ويمثل الموقع الأول في المؤتمر الشعبي العام محور هذا الصراع وإن بدا أن هناك أسبابا أخرى للصراع في كل مرة. وحديث ياسر اليماني قبل أيام عن قيادات مؤتمرية رفيعة كانت على علم مسبق بحادث النهدين، يتطابق مع ما سبق على لسان ياسر العواضي من تناول للرئيس هادي واتهام صريح ومباشر له بالمشاركة في تفجير مسجد النهدين. وعلى أنه معروف ومعتاد من تيار صالح استخدام هذه الورقة ضد القوى السياسية الأخرى كورقة تفاوضية، أو للمساومة بجمعة الكرامة، فإن استخدامهم لهذا الأمر باتجاه الرئيس هادي قد يحمل معاني أخرى لا يستبعد أن يكون منها صناعة مبررات يمهد بها "المجني عليه" الطريق للإقدام على الثأر لنفسه بنفسه، وقطع ما تبقى من شرايين قليلة للرئيس -حسب تعبير عبده الجندي –الناطق الرسمي باسم تيار صالح في المؤتمر الشعبي العام. والخلاصة أن الوقت لا يسعف الرئيس هادي لتشكيل حزب بديل، كما يتوقع لهذا الإجراء أن تكون له تداعيات لا تحتملها المرحلة الحالية، كما لا يمكن لصالح أن ينزل عن "الحصان" الذي يأمل العودة على ظهره إلى السلطة ولو من بعيد ومن وراء حجاب، وبين موقف الاثنين يقول أهل الفروسية إن خصوصية الحصان أنه لا يحمل راكبين اثنين مهما كان قويا. وهذه هي العقدة أمام مناشير الاثنين المصنوعة من الزنك، وإن كان الرئيس هادي لا يريد أن يستخدم المنشار الحديدي لأسباب غير واضحة، أو ربما لا يحسن استخدامه. ويتعمد صالح الظهور هذه الأيام منفوش الريش بفعل ما يصل لليمن من الرياح الخليجية المرسلة إلى مصر، فيما الخليج قد حسم أمره إزاء اليمن إلا من انتظار لنتائج مؤتمر الحوار ليطمئن قلبه، وتنتهي حينها نفشة ذلك الريش، بل ويُنتف الريش كله!!