طويت صفحة الصراع بين رأسي الشعبي العام، لم يعد الحزب برأسين، لم يعد هناك "رئيس ورئيسه" أو "رئيس وزعيم"، تحرر الرئيس هادي من عبء الحزب، صار رئيسا مستقلا ولكل اليمنيين، نجحت عملية الفصل بين سلطة الحزب وسلطة الدولة، انتهت ازدواجية "سيفين في غمد واحد". عادت في المقابل الزعامة الأبدية لعلي صالح، بلا منازع، حصان المؤتمر عاد ليحمل راكبا واحدا، استعاد صالح الرئاسة الكاملة للحزب الممتدة منذ تأسيسه عام 82م، صار رئيسا للحزب غير الحاكم لا رئيسا لرئيس اليمن، سيكون عليه أن يمارس عمله السياسي مثل بقية الأحزاب. أخيرا، انفرد صالح بالحزب المتوغل في مفاصل السلطة، حسم وتياره "الصقور" الأمر لصالح إخراج الحزب من القصر، ربما صار الوقت مناسبا أن يعود صالح لتعليم خصومه "كيف المعارضة" التي بشر بها يوما. قالت اللجنة الدائمة، الهيئة التنظيمية الأعلى، كلمتها، قررت في اجتماع استثنائي عقدته السبت الماضي بصنعاء برئاسة صالح إبعاد هادي من منصب الأمين العام للحزب وتكليف الأمين العام المساعد عارف الزوكا بدلا عنه، وأبعدته (هادي) من منصب النائب الأول لرئيس الحزب وكلفت الأمين العام المساعد الدكتور أحمد بن دغر، بدلا عنه. أقالت هادي واستبدلته بقياديين جنوبيين من ذات المنطقة الجغرافية. بن دغر من حضرموت والزوكا من شبوه. إزاحة العقل المُدبر لم تكتف اللجنة بذلك، قررت إقالة النائب الثاني لرئيس الحزب الدكتور عبدالكريم الإرياني، من منصبه وتكليف الأمين العام المساعد صادق أمين أبو راس بدلا عنه. أبو راس ينتمي لذات المحافظة التي ينتمي الإرياني، إب. الإرياني كان يتزعم تيار "الحمائم" في المؤتمر الشعبي، وصف بأنه العقل المدبر للحزب ولكثير من الطبخات السياسية. مثل خلال المرحلة الانتقالية شعرة التوازن بين تياري الحزب. الدكتور الإرياني كان قد أطلق تحذيرات "الويل" للحزب مع اقتراب انتهاء المرحلة الانتقالية. ودعا حزبه إلى إصلاح "حاله" وإنهاء "الثنائية" التي قال إنها تزعجه وليست في مصلحة الحزب ويجب أن تنتهي وتحسم. كان الرجل يمثل "حل وسط" بين قطبي الصراع لكنه بات اليوم خارج الملعب. وسبق وفوض صالح الإرياني برئاسة اجتماعات اللجنة العامة التي ظلت تتنقل بين دعوات هادي وصالح، لكن صالح ألغى التفويض مبكراً وعاد لرئاسة اجتماعات اللجنة. وسبق أيضاً أن اتفق هادي وصالح على تكليف الإرياني بأعمال الأمين العام (هادي) إلا أن ذلك لم يحدث. وإضافة إلى إبعاد صالح للإرياني من رئاسة فريق الحزب في مؤتمر الحوار، سبق وتعرض الإرياني لإهانات واتهامات من صالح دفعته إلى مغادرة البلاد قبل نجاح وساطات بإقناعه بالعودة. من بين القرارات التي اتخذتها دائمة الحزب تكليف: ياسر العواضي، الدكتور أبو بكر القربي، فائقة السيد، أمناء عموم مساعدين للحزب. اجتماع اللجنة جاء بدعوة وجهتها اللجنة العامة (المكتب السياسي) نهاية الأسبوع الماضي. إثر تصاعد الصراع بين هادي وصالح واتهام الأخير للأول بطلب مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات عليه، وهو ما حدث، حيث أقر مجلس الأمن فرض عقوبات على صالح وقياديين حوثيين. سبق وفشل صالح العام قبل الماضي في لملمة دائمة الحزب، لكنه نجح هذه المرة مستندا إلى نفوذه العميق داخل أجنحة الحزب. في آخر اجتماع لها أقرت اللجنة الدائمة للحزب (7 ديسمبر 2011م) ترشيح هادي لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية المبكرة التي جرت في 21 فبراير 2012م، وخرج الاجتماع باتفاق على ترشيح الدكتور علي محمد مجور -عضو اللجنة العامة- لمنصب الأمين العام للحزب واستكمال إجراءات انتخابه في دورة موسعة كان يفترض أن تضم اللجنة الدائمة واللجان الدائمة الفرعية في فبراير 2012 إلا أن ذلك لم يحدث. ورث هادي منصب الأمين العام عن سلفه الدكتور عبدالقادر باجمال، وانتخبته اللجنة الدائمة (12نوفمبر 2008) نائبا لرئيس الحزب. كان صالح يبدي موافقةً على التنحي عن رئاسة المؤتمر وإفساح المجال لهادي لكنه كان يشترط تنصيب نجله أحمد أميناً عاماً للحزب. كان هادي يُمسك بصلاحيات كبيرة، تمنحه أنظمة ولوائح الحزب سلطة غير قليلة في قرارات الحزب، كان يمسك بموازنة الحزب ويتحكم بأرصدته، لا يمكن لأي مصروفات أن تمضي دون توقيع هادي على شيكات وأذون الصرف. لكنه لم ينجح في حسم الصراع على منصب رئيس الحزب وتنحية صالح من طريقه. كان يطمع إلى تنفيذ نص أنظمة الحزب التي تقول إن "رئيس الجمهورية هو رئيس المؤتمر"، ليستكمل آخر حلقات قبضته بالقرار، لكن أياً من الرجلين لم يتمكن من حسم الصراع المربوط بعقد المؤتمر العام للحزب الذي له الحق في اختيار رئيسه. كان يمكنه بصفته الأمين العام للحزب دعوة اللجنة العامة للاجتماع أثناء غياب صالح للعلاج بالرياض، وكان يمكنه أيضاً دعوة اللجنة الدائمة لاجتماع تدعو فيه لعقد المؤتمر العام وحسم الصراع. لكن كما يبدو أن هادي اعتقد أنه لن يتمكن من استجماع دائمة الحزب ولو قدر أن يفعل لكان فعل. ليظل الصراع محتدما بين "الرئيس" و"الزعيم" بعيداً عن الأضواء لكن ملامحه كانت تظهر في تسريبات يمررها هادي في دائرة الظل عبر مجالسه ولقاءاته. الصراع المحتدم بين تياري "الرئيس ورئيسه" أوجد تياراً ثالثاً يمكن تسميته بتيار "المنتفعين" الذي ترتبط مصالحهم مع صالح وارتبطوا بمصالح جديدة مع هادي، واستمروا يأكلون "المن'" من مائدة صالح و"السلوى" من موائد هادي. هذا التيار مثل الصوت المرجح لكنه عمل على إبقاء الصراع قائما للاستفادة من عروض الاستقطاب. يخول النظام الداخلي للحزب اللجنة الدائمة حق اختيار مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية. هادي يتحرر من أثقال الحزب تحرر هادي من نزاع حزبه، وتأثيره وتأثره به، لم يعد مقيدا بالقرارات التنظيمية وبسياسات ولوائح الحزب. في المقابل سيكسب صالح أية محاصصات قادمة وينفرد بمكاسب الحزب، كانت هناك ازدواجية في اتخاذ وتمثيل الحزب، كان هادي يتعاطى في قراراته من منطلق منصبه كرئيس جمهورية، ما يعني أن بعض أو كل قراراته قد تتعارض أو لا تتوافق مع قرارات الحزب التي يتحكم بها صالح بعد أن أفضت العملية الانتقالية إلى إزاحته من الحكم وأتت بهادي بدلا عنه. كان المؤتمر وحلفاه يشارك في التسوية بالمناصفة مع المشترك وشركاه، لكنه اليوم صار أحد الأطراف والقوى التي يمكنها التوقيع على أية اتفاقات أو محاصصات قادمة. خيارات مفتوحة تبقى الاحتمالات مفتوحة أمام مصير القيادات المؤتمرية الموالية لهادي التي لا تزال في عهد الحزب، سيكون عليها الاختيار بين الرئيس أو الحزب. لا يعرف ما إذا كان هادي سينجح بحكم منصبه وقيادته للعملية السياسية وما يمثله من الشرعية ويمتلكه من إمكانات مال ونفوذ من شراء ولاء تلك القيادات وسحب البساط من تحت صالح وتذويب جليد الحزب الذي تتعزز المخاوف من انحداره عن مسار التسوية وانحيازه إلى صفوف معرقليها. يُمسك هادي بالورقة المالية وباستطاعته التحكم فيها وبالتالي التحكم بالحزب أو التأثير عليه. يقول صالح أن أموال الحزب جمدت في البنك المركزي، إنها تحت رحمة هادي على اعتبار أن القبضة بالحزب هي مالية بالأساس تمر إلى العقول عبر البطون. لا يمكن للحصان أن يصول ويجول وبطنه غير مملوءة. سيكون أمام هادي تحديات صعبة في كبح جماح حزبه القديم، ومقاومة وقمع ومداراة السهام الغادرة التي ستوجه إلى ظهره وصدره، والاستفادة من السند السياسي والشعبي والتأييد والدعم الإقليمي والدولي في الحفاظ على ما تبقى من الدولة الشكلية واستعادة هيبتها والعودة إلى المسار السياسي. الفرصة باتت سانحة أمام هادي للاتجاه نحو القوى السياسية الحية وقوى الثورة والتغيير التي مثلت ولا تزال السند والغطاء السياسي له وسبق ووصفها ب"قوى الخير" وتأسيس تحالفات جادة وجيدة يمكن المراهنة عليها في حماية المكتسبات الوطنية ومساندة الانتقال لليمن الجديد. يستميت صالح للبقاء على رأس الحزب، ويعتبرها مسألة حياة أو موت والسبيل الوحيد لبقائه في المشهد السياسي، وهو اليوم يستعيد بمرور الوقت نفوذه ويستجمع أوراقه ويغري أنصاره للعودة إلى ملعبه مستفيدا من الفراغات القائمة وخبرته العريضة ودرايته بشفرات القرار والإدارة ونفوذه القبلي والعسكري. لكن الحزب تعرض لضربات موجعة منذ عام 2011م وخسر أبرز عقوله وقياداته، وقد تستمر تلك الضربات. تحجيم هادي لأموال الحزب والتصرف ببعضها، والقرار الدولي بتجميد أموال صالح وفرض عقوبات عليه قد يقيد فرص نجاحه في إحياء خلايا وعروق الحزب. سيظل صالح مقيدا بخيارات الحزب وسيكون عليه مراعاة مصالحه من منطلق مشاركاته وتحالفاته السياسية وضمانات ديمومته، وهي الخيارات التي تختلف/ لا تختلف بالضرورة عن خيارات شخص صالح. اللجنة الدائمة فوضت اللجنة العامة بالنظر في إقامة أي تحالفات مع القوى السياسية في الساحة الوطنية وفقاً للمعطيات وما تقتضيه المصلحة العامة ومصلحة المؤتمر الشعبي العام. لقد باتت اللجنتين بيد صالح، وهو صاحب قرارها أولا وآخرا.