يكتسب الحديث عن الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الاحمر أهمية خاصة، نظرا للمكانة التي احتلها الشيخ، والدور التاريخي الذي اضطلع به منذ وقت مبكر، والعطاء الوطني الذي قدمه طوال مسيرة حياته. فلم يكن الشيخ عبدالله مجرد شيخ قبلي لأهم قبيلة في اليمن فقط، فهو كذلك رجل سياسي عاش وعاصر أبرز الأحداث السياسية التي شهدتها اليمن منذ خمسينيات القرن الماضي، وهو أيضاً زعيم حزبي ماهر، ورجل دولة ناجح. النشأة والتأثير ينتمي الشيخ عبدالله إلى أسرة بيت الأحمر المنحدرة من قبيلة حاشد، وفي حصن حبور بمنطقة ظليمة بمحافظة عمران ولد وعاش طفولته الأولى، وتلقى دراسته الأولية في كتاب صغير بجوار مسجد (حصن حبور) على يد أحد الفقهاء الذي علمه القراءة والكتابة والقرآن الكريم ومبادئ الدين والعبادات، لكنه كما يحكي عن نفسه في مذكراته تأثر كثيرا بالنقيب محمد علي بدوي فارع الذي أرسله لأبيه من عدن الشهيد الزبيري والأستاذ أحمد نعمان ووصل إلى عمران مشيا على الأقدام ومتخفياً وزرع في حياته الحس السياسي والوطني منذ وقت مبكر. وخاضت أسرته صراعا طويلا مع الأئمة الزيديين الذين حكموا اليمن، بدءاً من الجد التاسع له الشيخ علي بن قاسم الأحمر الذي اختلف مع الإمام المنصور حسين ابن الامام القاسم، ولما عجز المنصور عن إخضاع الأحمر تظاهر بطلب الصلح وبعد حضوره إلى منطقة بير الشائف خارج صنعاء والمتفق اللقاء فيها غدر به المنصور وقتله. ورغم ذلك ظلت علاقة بيت الأحمر مع الأئمة قائمة على الولاء لهم، وكان لجده ناصر بن مبخوت دوراً كبيراً في ترجيح كفة الإمام يحيى وتوليه إمامة اليمن خلفا لأبيه، وبعد توقيع صلح دعان 1911م بدأ فصل جديد في طبيعة العلاقة بين الطرفين، فقد رأى الأحمر أن الإمام يحيى ناقض نفسه فبعدما كان يتحدث عن الأتراك ويصفهم بالكفار والفجار معتبرا أن من يقتل تركيا دخل الجنة، تصالح معهم وانقلب في رأيه وبات يعتبرهم مسلمين، وكان لموقفه هذا تأثير في كثير من القبائل التي أدارت ظهرها له ولجأت للإدريسي نكاية بالإمام يحيى الذي كان حينها يخوض حربا مع الإدريسي. ومن الملاحظ في تأريخ بيت الأحمر أن هذه الأسرة تعرضت لمحاولات الإخضاع أكثر من مرة من قبل الأئمة الذين كانوا يدركون حجم تأثيرها ونفوذها بين القبائل التي تقطن المنطقة الشمالية والشرقية من اليمن، وكانت تخرج في النهاية منتصرة، وظلت محافظة على وجودها وتماسكها وتأثيرها، فبعد موت ناصر بن مبخوت جد الشيخ الأحمر بدأ الامام يحيى في تقليص نفوذ أولاده وكان يقابلهم بالعداء والتغريم والإيذاء محاولاً استنزافهم وإضعافهم لدرجة أن القضاة الذين يحكمون لصالح بيت الأحمر في القضايا التي يرفعها الإمام يتم نقلهم إلى مناطق أخرى، وسلط عليهم ابنه احمد الذي كان أميرا على لواء حجة، واختلف عمه ناصر مع أحمد ودارت معارك بينهما وكانت تنتهي بالوساطة، وبعد قبول معظم القبائل التصالح مع الإمام أحمد أعلن الشيخ ناصر بن ناصر عم الشيخ عبدالله تذمره من الأمر وحرم رؤية وجه الإمام أحمد ولجأ للملك عبدالعزيز بن سعود وظل في المملكة العربية السعودية حتى وفاته. وتواصلت حلقات الإضعاف التي سلكها الإمام أحمد فبعد ثورة 48م قبض الإمام على الشيخ حميد الأحمر شقيق الشيخ عبدالله وأخذه كرهينة حتى يضغط على والده كي يناصره، وتوفي اثنان من عائلة الأحمر وهم محتجزون داخل السجون كرهائن لدى الإمام وهم عسكر بن ناصر وحمود بن ناصر بن ناصر، ولم تنفع حتى علاقة المصاهرة التي تربط الإمام يحيى بأسرة الأحمر فاثنتين من عمات الشيخ عبدالله تزوجن من أولاد الإمام وهما المطهر والبدر، كما أن أخت جده تزوجت سيف الإسلام محمد بن محسن بن أحمد المتوكل وإحدى بناتها كانت زوجة الإمام يحيى. وبعد ثورة 1955م بدأ نجم الشيخ حميد الأحمر بالظهور مستفيدا من فترة مرافقته للإمام في تعز وتتلمذه على أيدي القاضي الإرياني والنعمان والشماحي، وأثناء سفر الإمام أحمد إلى روما عام 1958م تزعم حميد حركة سياسية كانت تهدف للإطاحة بالبدر كولي عهد مستغلة سفر أبيه الذي كان الثوار يعتقدون أنه لن يعود إلا ميتاً، وبدا حميد الرجل الأكثر قدرة على جاذبية القبائل وكسب ولائها، حتى أن جموع الوافدين من القبائل التي وصلت صنعاء للقائه مع البدر كانت تردد زاملا تقول فيه: سلام يا حاشد ويادرة بكيل من بعد هذا تسمعون اخبارها إمامنا الناصر ومن بعده حميد سبحان من رد العوايد لاهلها لكن الإمام الذي عاد إلى الحديدة من روما أطلق وعيده الشديد بقتل وسحق كل من ساند وأيد حميد وحركته من المشائخ وأقسم أنه لن يدع أحمر ولا أخضر إلا وأحرقه وقال قصيدته المشهورة: ماذا يريدونها لا در درهمُ إن الإمامة لا يطوى لها علمُ وقد نجح باستخدام أساليب ملتوية في إلقاء القبض على الشيخ حسين الأحمر بعد أن أعطاه الأمان ثم ألقى القبض على الشيخ حميد في الجوف بعد أن سلم نفسه في وجه بيت الضمين وقد تم إرساله إلى الحديدة على طائرة خاصة، ثم أودعهما منفردين في سجن قلعة القاهرةبحجة، وقام بإعدام الشيخ حميد أولا في ساحة القلعة مع عبداللطيف قائد بن راجح، وبعد أسبوعين تم إعدام والده الشيخ حسين بن ناصر الأحمر في نفس المكان. الانطلاق يتضح من السيرة السابقة لأسرة آل الأحمر أن هناك أسباب عديدة ساهمت في صقل شخصيته وإنضاجها، فنظرا لتزعم والده لقبيلة حاشد التي يصفها البردوني في كتابه "اليمن الجمهوري" أنها "ذات العراقة في إثبات الإمامة أو محوها" استفاد الشيخ عبدالله كثيرا من الوفود التي كانت تقدم على أبيه الذي حرص على تعليمه مع بقية إخوانه، وكان للدور التأريخي الذي عاشته أسرته من قبل أثراً كبيراً في اكتسابه لمواصفات القيادة والزعامة، التي أهلته لأن يلعب دورا مؤثراً فيما بعد على مختلف الأصعدة حتى غدا على رأس قائمة النخبة الحاكمة في اليمن طوال خمسة عقود. وبالرجوع إلى مذكراته التي حكاها عن نفسه فقد عاش الشيخ الأحمر طفولة بسيطة في كنف أسرته التي كانت الزراعة والمواشي هي عمادها الأساسي في حياتها المعيشية، وكان يشارك في حصاد المحصول السنوي للذرة والبن إلى جانب أبيه، وهذا يعني أنه رغم المكانة القبلية للأسرة فقد كانت تمارس أعمالها اليومية كأي أسرة أخرى في محيطها. هذه الأجواء التي عاشها ساهمت في تشكيل شخصيته التي تدرجت من البساطة وصولا إلى الزعامة، وكان لزيارته المتكررة للإمام أحمد في السخنة بالحديدة أو تعز وهو يراجع على أبيه وأخيه حميد دورا آخر في بناء شخصيته، حيث أتاحت له الفرصة للتعرف على شخصيات اجتماعية وسياسية عمقت إيمانه بالقضية الوطنية، فعلى الرغم من أنه كان محتجزا في قصر الإمام بالسخنة لكنه كان على تواصل هو ومجموعة من الأحرار لتنفيذ خطة تهدف إلى اغتيال الإمام بالقنابل وكان منفذها شخصا يدعى سعيد حسن فارع الملقب ب (إبليس) ، لكن سعيد فشل وأجهضت المهمة وقبض عليه الإمام وأعدمه. كل تلك الأحداث والمواقف التي عاشها الشيخ وتعرض لها عكست نفسها على شخصيته، وساهمت في تعميق إيمانه بأهمية العمل الوطني والنضال الثوري المستمر في سبيل ترسيخ مبادئ الكرامة والعدالة والانتصار للشعب، ولذلك التحق بالشهيد الزبيري الذي وجده أقرب إلى وجدانه وتكوينه وأكثر الثوار شجاعة وثورية. ورغم تعدد المشارب الفكرية والحزبية في فترة الستينات وتنوعها بين اليسارية والقومية فلم ينجذب الشيخ الأحمر إلى أي منها ويبدو واضحاً تأثره بفكر الزبيري والمبادئ التي كان يدعو إليها، ولهذا ناصره كثيرا إبان فترة حكم السلال وتزايد النفوذ المصري داخل اليمن ووقفا معا في وجه محاولات العودة إلى عهد الإمامة والاستبداد. دور نضالي بعد الثورة يتبين الدور النضالي للشيخ الراحل عبدالله الأحمر خلال مرحلة ما بعد ثورة 26 سبتمبر حين شارك ببسالة في الدفاع عنها ضد مؤامرات بعض العناصر المحسوبة على الثورة وجموع الملكيين التي سعت للقضاء على الثورة ووأدها، وهيأته مواقفه النضالية لأن يصبح أكثر القيادات الثورية فاعلية، فقد أسهم الشيخ إسهاماً كبيراً في الإعداد والتنفيذ لحركة 5 نوفمبر التصحيحية 1967م التي أنقذت ثورة سبتمبر من الانهيار وفتحت الطريق أمام الانتصار والسلام، وكان له دور بارز في مواجهة الأخطار الخارجية والداخلية التي تعرضت لها الثورة والجمهورية ولا سيما في مواجهة حصار السبعين يوماً الذي تعرضت له صنعاء عاصمة الثورة والجمهورية، وبذل جهوداً كبيرة في التواصل مع القبائل المغرر بها بالدعايات الملكية وإقناعها بالثورة والجمهورية، وكسب ولائها لهما، وفي عام 1969م انتخب الشيخ/ عبدالله بن حسين الأحمر رئيساً للمجلس الوطني للجمهورية العربية اليمنية الذي تولى صياغة الدستور الدائم للبلاد، وتأسيس قاعدة الشورى التي يقوم عليها النظام الجمهوري باعتبار الشورى أهم أهداف الثورة اليمنية التي جاهد من أجلها العلماء والمشائخ والمثقفون عبر أجيال طويلة. وتواصلت مسيرته النضالية بانتخابه في عام 1970م رئيساً لمجلس الشورى في الجمهورية العربية اليمنية والذي جسد تجربة شوروية ديمقراطية متقدمة في ذلك الحين مقارنة بظروف التخلف والفقر التي كانت تعاني منها البلاد، وظل المجلس يقوم بواجبه حتى تم تعليق العمل بالدستور الدائم وإغلاق المجلس عام 1975م. نبل المبادئ وسمو الغايات شاء الله للشيخ الأحمر أن تمتزج جذوره القبلية الأصيلة، وخلفيته الإسلامية المتزنة، وعقليته الصافية النقية، لتثمر جميعها رجلا حكيماً عُرف باتزانه ورجاحة عقله، وسمو أخلاقه، وانتمائه الوطني الصادق، فعاش محافظا على الثوابت الوطنية، حريصا على وحدة الصف، وفياً لقضايا أمته العربية والإسلامية دونما مغالاة أو تطرف. ويحسب للشيخ عبدالله أنه استطاع تطويع القبيلة لصالح الدولة وإدماجها في النسيج العام للنظام السياسي، بعد أن كانت أداة بيد الأئمة يضربون بها بعضهم، ويستقوون بها على من خالفهم في الرأي أو السياسة، وسعى الأحمر لإثبات أن القبيلة هي مكون أساسي من مكونات المجتمع وباستطاعتها أن تكون عامل بناء وتنمية خلافا لما يروجه البعض عنها كمصدر تخلف ورعب واستعصاء. وطوال الفترة التي مارس فيها عمله السياسي لم ينتمي الشيخ عبدالله كما فعل غيره إلى أي من الأفكار التي تسللت إلى اليمن خاصة في فترة الستينات والسبعينات التي شهدت حالة تجاذب واستقطاب سياسي، كما لم يتقلب بين الأنظمة المتعاقبة بل ظل وفيا ثابتا على مواقفه الوطنية سواء أكان ذلك في عهد السلال أو الإرياني أو الحمدي أو الغشمي وأخيرا في فترة حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح. ومن خلال المراحل التي مرت بها السلطة في اليمن بعد ثورة سبتمبر كان بإمكان الشيخ عبدالله أن يتبوأ المنصب الذي يريد، لكنه ظل وفيا لمبادئه ولم يسع لاستغلال مكانته الرسمية في سبيل الاستحواذ على المال العام أو مناصب الدولة العليا، بل ظل حاضرا مؤثرا دون أن تتطلخ يداه بقضايا الفساد والنهب للمال العام. وبعد تحقيق الوحدة كان بإمكان الشيخ البقاء في حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان من ضمن مؤسسيه، غير أنه فضل مغادرته واتجه نحو تأسيس حزب الإصلاح، وهو يدرك مدى الفرق بين الحزبين، فالأول تتوفر فيه كل الإغراءات التي يطمح إليها أي شيخ من المال والجاه والسلطة والنفوذ، بينما الثاني يفتقد لكل تلك الإغراءات، ولذلك يروي الشيخ في مذكراته أن الكثير من مشائخ اليمن كانوا معه أثناء تأسيس التجمع اليمني للإصلاح ووقعوا على وثيقة إنشائه، لكن بمجرد أن أدركوا الفرق بينه وبين المؤتمر تسرب أغلبهم واتجهوا نحو المؤتمر والاشتراكي اللذان كانا يحكمان اليمن حينها، يقول الشيخ:" قلت أكثر من مرة للقبائل والوجاهات من القبائل الإصلاح لديه مبادئ وقيم وأخلاق وأهداف شريفة، وليس لديه أي مصالح فمن اقتنع به أهلا وسهلا، ومن كان يصبو لتحقيق مصالح مادية فسيجدها عند المؤتمر والحزب الاشتراكي، أما نحن فتنظيمنا مغرم وليس مغنم". رصيد خالد ومواقف رائدة كانت الأربعة عقود التي عاشها الشيخ الأحمر حافلة بالنجاح والتفاعل مع مختلف القضايا التي عاصرها سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي أو العالمي. ورغم المكانة التي كان يتمتع بها فقد كانت القضايا العامة من صميم القضايا التي انشغل بها خصوصا تلك التي تتصل باللحمة الوطنية والصالح العام، كقضية المعاهد العلمية التي ألغاها النظام السابق، فقد كان يرى أنها عززت الولاء الوطني وقلصت الانتماء المذهبي، وبنت جيلاً واعياً خالياً من العقد والطائفية، ولذلك قاطع جلسة البرلمان التي أقرت إلغاءها واعتذر عن الحضور رغم أنه كان رئيسا للبرلمان، وكان ذلك تعبيرا صادقا منه عن عدم رضاه بإلغائها معتبرا ذلك جاء لدوافع سياسية بحتة، ولم تكن الأطروحات التي تُروج حينها سواء (إكليشة) وغطاء لتلك الدوافع السياسية. ولذلك تناسبت طباعه المتزنة مع طبيعة المراحل التي عاشها، وكان مثالا للروح الوطنية التي اتسمت بقهر عوامل الفرقة والاختلاف، وتنمية نقاط التوحد والإخاء، وأصبح الشيخ الأحمر رجل إطفاء لمختلف الحرائق التي هددت الجسد اليمني، كقضية الحدود بين اليمن والمملكة السعودية من خلال مساهمته في تهيئة الأجواء وتلطيفها بين قيادة البلدين بعد الفتور الذي أصابها عقب حرب 94م وقام بزيارة المملكة أكثر من مرة لترتيب زيارة الرئيس السابق إليها والتي تمت في يونيو 1995م بعد تأجيلها عدة مرات، وتواصلت بعدها عملية التباحث حول الحدود، فأحسن استغلال علاقته بالأسرة السعودية الحاكمة لصالح بناء علاقات إيجابية صادقة بين الدولتين، وكان يرى أن علاقة اليمن بالمملكة هي أهم من حفنة تراب، وبذل جهودا واسعة لإنجاح اتفاقية الحدود دون تنازل أو رضوخ خصوصا تلك التي ناقشت المناطق الحدودية في جبل الثأر ورأس المعوج، وظل في المملكة أربعين يوما، وكانت نتيجة ذلك توقيع اتفاقية التفاهم الحدودية الأخيرة في يونيو سنة 2000م، ورغم جهوده تلك فلم تساوره مشاعر التذمر حين طلب منه الرئيس السابق عدم حضور جلسة التوقيع النهائية رغم أنه كان صاحب الدور الأكبر. ومن المواقف التي تُحسب للشيخ الأحمر نجاحه في الحفاظ على سلامة السلطة التشريعية ووحدتها رغم حالة الفوضى والتشتت المريعة التي عانت منها اليمن قرابة عشرة أشهر أثناء الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد (أغسطس 1993-يوليو 1994م)، بل إنه أسهم إسهاماً كبيراً في الجهود السياسية لتطويق أزمة الانفصال والدفاع عن الوحدة اليمنية في الداخل والخارج حتى انتهت الحرب في يوليو 1994م. ولا يتوقف رصيد الشيخ الأحمر عند القضايا الوطنية، بل إنه تفاعل مع الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية وكان له موقف واضح في استنكار احتلال العراق للكويت، وترأس اللجنة الشعبية لمناصرة الشعب الكويتي بعد الغزو العراقي لها، كما أدان الغزو الأمريكي للعراق، وهجمات ال 11 من سبتمبر 2001م التي استهدفت الولاياتالمتحدة، غير أن القضية الفلسطينية كانت هي القضية الأولى التي احتلت وجدانه واستحوذت على مشاعره، وكانت حاضرة في خطاباته ولقاءاته الصحفية، وكان دائما يقول "فلسطين هي قضيتي.. ومن لا يهتم بالقضية الفلسطينية فليس بعربي أو مسلم"، وترجمة لإيمانه بقضية فلسطين فقد ظل الشيخ داعما لها بالموقف والفعل سواء من موقعه كرئيس لمجلس النواب، أو باعتباره شخصية يمنية لها ثقلها السياسي والاجتماعي داخل اليمن، وترأس عدة مؤسسات محلية وعربية مناصرة لقضية فلسطين وكان نائباً لرئيس مجلس أمناء مؤسسة القدس، ورئيساً لفرع مؤسسة القدس في اليمن، واختير رئيساً للجنة الشعبية للدفاع عن الأقصى وفلسطين، ورئيساً للجنة البرلمانية للقدس وفلسطين، واستقبل في منزله الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وكذلك الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس الذي استقبله أيضا في منزله أثناء زيارته لليمن في يونيو سنة 1999م. العلاقة مع الإصلاح بالنسبة لعلاقة الشيخ مع الإصلاح فقد اتسمت العلاقة باحتواء كل منهما للآخر، وكان الشيخ رمزا من رموز الإصلاح باعتباره من أوائل المؤسسين للتجمع اليمني للإصلاح عقب الوحدة المباركة، وكان ذلك قناعة منه بالفكر الذي تأثر به وحمله وهو ذات الفكر والمنهج الذي قام عليه الإصلاح وأسسه الشهيد محمد محمود الزبيري الذي كان الأستاذ الأول للشيخ الأحمر. فالإصلاح استفاد من مكانة الشيخ القبلية في بناء علاقات تنظيمية وتحالفات جيدة مع مشائخ وشخصيات اجتماعية في مختلف المحافظات، وتمكن من خلال الشيخ من تجاوز وإذابة بعض الخلافات مع الأطراف الأخرى التي كانت تظهر هنا أو هناك. أما الشيخ فقد أضاف له الانتماء الحزبي ثقلا آخر تميز به عن غيره من المشائخ الذين ارتبطت علاقتهم بالأحزاب على أساس المصالح المادية والحصول على الامتيازات والمكاسب، ورغم هذا لم تمنعه صراحته المعهودة من انتقاد سياسة الإصلاح في بعض المواقف كانتقاده له في طريقة معارضته للرئيس السابق بعد خروج الإصلاح من الحكم عقب انتخابات برلمان 1997م. العلاقة مع الرئيس السابق اتخذت علاقته مع الرئيس السابق طابعا رسميا بين رئيس الدولة ورئيس البرلمان، ولم تكن قائمة على التعصب القبلي الذي تحكمه علاقة الاستحواذ والاستئثار بمناصب الدولة وتقاسم الثروة، بل إن الرئيس السابق استفاد من الشيخ الأحمر أكثر من استفادة الشيخ منه، مستغلا مكانة الشيخ ونفوذه وعلاقاته مع دول الجوار والنخبة المؤثرة في الداخل، وكان الشيخ عامل توازن ومرجعية مهمة في كثير من القضايا، وفوق هذا لم يكن يسلم من الاستهداف الإعلامي والنقد الغير مؤدب من آلة صالح الإعلامية سابقا خاصة عندما وصف فترة حكم صالح في أحد خطاباته بأنها تسير إلى نفق مظلم. ذكرى الرحيل تثير الافتقاد سبع سنوات مرت منذ وفاة الشيخ عبدالله الأحمر في الثامن والعشرين من ديسمبر 2007م، ومنذ ذلك التأريخ حتى الآن تغير وجه اليمن، وطرأت أحداث كثيرة، بعضها انتهى، وبعضها لا يزال مشتعلاً، وفي خضم تلك الأحداث تبدو ذكرى الرحيل باعثاً حقيقيا لمسيرة رجل افتقدته اليمن وهي تعيش ظروفاً استثنائية تحتاج فيها إلى حكيم يلملم ويغلب المصلحة الوطنية. رحل الشيخ الأحمر برصيد مشرف من العطاء والإنجاز في مختلف دروب الحياة، بينما غيره لازالت تطارده لعنات الشعب وتنتظره قاعات المحاكم وزوايا السجون. *عن أسبوعية صحيفة الناس