ريتشارد وولكر ترجمة: أمين عبدالله يشكل موقع اليمن الجغرافي المتميز والحساس مصدر جذب القوى الإقليمية والدولية الكبرى، لم يظهر هذا الجذب فقط مع حركة الاستعمار في القرن التاسع عشر ولكن منذ قرون طويلة قاومت اليمن حملات الغزاة من الأحباش والبرتغال قبل الخضوع للهيمنة البريطانية في الجنوب والعثمانيون في الشمال. ثمة دراسات وتحليلات غربية -أمريكية بالتحديد- ظهرت مؤخرا تؤكد على أن هذا البلد المنهك اقتصاديا وأمنيا وسياسيا لا يحتضن فقط أتون صراعاته الداخلية بل هنالك صراعات من نوع آخر تدور على الأرض وتنهمك في دائرتها قوى وأطراف إقليمية ودولية. ما يميز هذه الصراعات أو -بتوصيف أدق- الحرب أنها سرية وتقبع خارج سرب التغطية الإعلامية العالمية. لتسليط الأضواء على ذلك قمنا في الأهالي نت بترجمة هذه المادة الصحفية التحليلية التي نشرت مؤخرا على موقع America free press للكاتب ريتشارد وولكر. علاقات حقيقية أم افتراض ذهني؟ يبدو أن تناقض المشاعر قد بات واضحا في سلسلة كاملة من المواقف النمطية والأساطير المألوفة التي تتحدث بصراحة عن حقيقة العلاقات الدولية التي تجمع بلداً وآخر. هذا التناقض وهذا التوصيف جعل له من اليمن نموذجا. مهما وصلت الأوضاع في البلد أقصى حالات التدهور الاقتصادي والأمني والإنساني، ذلك لا يعني شيئاً للولايات المتحدةالأمريكية، وحتى لو تحدثت التقارير الدولية أن اليمن في غضون خمس سنوات قادمة يقف على ظروف خانقة، لعدم وجود مصادر بديلة تحل محل النفط وتسد رمق الخزينة العامة للدولة ذلك أيضا لا يعني شيئاً للأمريكيين ولا داعي لتكرار الحديث عن التصدي للكوارث الإنسانية وضرورة تسديد احتياجات ومتطلبات مناطق الفقر في العالم. إن العلاقة القائمة بين الولاياتالمتحدة أكبر رأسمال واقتصاد عالمي وبين اليمن أفقر دول العالم، علاقة قائمة على استراتيجية الموقع، وبروز قوة نافذة سواء إقليمية أو دولية تبسط قبضتها على هذا الموقع يعني تعرض دولة القطب الواحد لمنافس خطير يضربها في خاصرة المنطقة الأشد حساسية على صعيد المصالح الدولية، كما أنها منذ مراحل سابقة تذعن للتبعية الأمريكية، حيث تمتلك من الثروة النفطية مخزونا هائلا ينقص قليلا عن نصف المخزون العالمي. حرب سرية وبينما تضخ وسائل الإعلام المختلفة كما هائلا من المعلومات التي تركز على الصراعات حول العالم، إلا أن هنالك صراعات وحرب سرية خارج سرب التغطية الإعلامية العالمية، هذه الحرب تدور رحاها في اليمن أما الأطراف المنهمكة في دائرة هذا الصراع فتقدمها الولاياتالمتحدةالأمريكيةوإيران والسعودية وإسرائيل. منذ سنوات قليلة قامت القوات الخاصة الأمريكية بالاشتراك مع وكالة الاستخبارات المركزية وبموافقة ومساندة من الرئيس السابق صالح بتدشين مئات الضربات الجوية ضد الجماعات والمليشيات الإسلامية المتشددة. من الواضح أن تموقع المنطقة التي يقع عليها اليمن -إضافة إلى تموقع منطقة الخليج- قد جلب عليها الكثير من الضغوطات السياسية والأمنية والعسكرية وعرض اليمن للإنهاك المتواصل من زاوية البحث عن التوازن الأمني والحفاظ على المصالح الدولية المشتركة، ويزيد الوضع سوءا بروز عناصر زادت من تعقد الوضع الجيواستراتيجي لليمن والمنطقة أهمها النفوذ الإيراني في منطقة الخليج الذي فرض آثاره السلبية على مصالح الولاياتالمتحدة والمصالح الدولية الأخرى. إيران حالة نموذجية في تصدير المخاوف، فجهودها كي تصير قوة نووية هي نتيجة لمواقفها السلبية من «الشيطان الأمريكي» كما تزعم وبعض دول المنطقة وهكذا تظل ممارسات وجهود إيران تولد تخوفات من نوع جديد فيما يتعلق باحتمالات اتساع دائرة المد الشيعي الثوري خصوصا عندما أثبتت مؤخرا أنها ذات ثقل واضح للقوة يمكنها من ممارسة نفوذها في العراق ولبنان وسوريا واليمن ودول الخليج. دائرة نفوذ جديدة في عام 2009م قامت السعودية بمواجهات عسكرية ضد الشيعة شمال اليمن، متهمة لهم بتلقي الدعم المالي من إيران وتهدف أنشطتهم الأخيرة ومنها الصراع مع قوات الحكومة المركزية في اليمن، إلى التحالف والارتباط المباشر مع الشيعة في مناطق المملكة القريبة من الحدود اليمنية والقيام بضرب واستهداف الحقول النفطية. كما قامت السعودية بإرسال قوات عسكرية اخترقت الأراضي اليمنية وقتلت عدداً من رجال القبائل. تعميق الاكتشاف من أجل معرفة لماذا اليمن هذا البلد الذي يقطنه 24 مليون مهمة جدا من الناحية الاستراتيجية علينا أولا أن ننظر إلى موقعها الجغرافي. تتقابل اليمن عرضيا في حدودها البحرية مع دولة جيبوتي وإريتريا في الجزء الأكثر انكماشا وضيقا من المساحة البحرية والمسطحات المائية، وتتحكم بمجرى ومنفذ الطريق الملاحي للتجارة الدولية -قناة مضيق باب المندب- التي تتسع فقط بعرض 20 ميل بحري. لو حدث مثلا وتم إغلاق هذا المضيق أو طرأ عليه نفوذ إقليمي يتحكم في حركته الملاحية مثلما هو الحاصل في مضيق هرمز الواقع في نفس المنطقة أيضا، هذا يعني أن تشهد أسعار النفط العالمية صعودا غير متوقع. كما أن هذا الإغلاق أو الاعتراض سيؤدي إلى تعطيل الحركة الملاحية لناقلات النفط والسفن التجارية القادمة من «ميديترنين» عبر قناة السويس ومنها إلى البحر الأحمر، بعد ذلك ستكون في طريقها إلى قناة باب المندب قبل وصولها إلى خليج عدن والمحيط الهندي. أكثر من 80% من النفط السعودي يتم شحنه بحريا عبر البحر الأحمر وتستفيد منه إسرائيل كما تقوم بشحن صادراتها إلى العالم عبر البحر الأحمر أيضا. يعرف مضيق باب المندب بموقعه الجغرافي المكشوف الذي يسمح لأي طرف سواء كانت قوى دولية أو عصابات متطرفة بإقلاق الأمن والملاحة النفطية والتجارية التي يستفيد منها العالم. وما حدث عام 2002م من اعتداء وهجوم إرهابي انتحاري على ناقلة النفط الفرنسية خير مثال على ذلك. وقد تسبب ارتطام القارب الصغير على الناقلة -ويستقله منفذ العملية- إلى تسريب كميات كبيرة من النفط. وقد دعا ذلك السلطات إلى إغلاق المضيق لفترة قصيرة لغرض تصفية المياه والنتيجة أن هذا الإغلاق القصير قد كلف الملاحة الدولية ثمنا باهظا. منطقة نفوذ خاصة لقد كشفت مجمل التغيرات الحاصلة في المنطقة، وجود تصورات استراتيجية أمريكية تضع اليمن والمنطقة أيضا -من حيث نوعية الاتفاقيات والتحالفات- في خانة البلدان التي ربطتها والولاياتالمتحدةالأمريكية علاقات نفوذ خاصة، هذا يعني أن ثمة وعيا لدى النخبة السياسية الأمريكية باستراتيجية تطبيق مبدأ التعامل مع واقع المنطقة وطبيعة قضاياها الجيواستراتيجية مما يعني سياسيا منع أي قوة خارجية للسيطرة على المنطقة. وعلى هذا السياق ظهر أن علاقات إسرائيل مع السعودية وبعض دول المنطقة أفضى إلى إقناع الرئيس أوباما والبيت الأبيض والشخصيات السياسية في واشنطن من أن اليمن تمثل جائزة هامة. خلال الحرب الأخيرة بين القوات السعودية والشيعة شمال اليمن قامت إسرائيل بتزويد المملكة بالمساعدات اللوجيستية من خلال تحديد النقاط التي يختبئ فيها رجال القبائل من الحوثيين، كما قامت إسرائيل أيضا بالمساعدة اللوجيستية للولايات المتحدة وتزويدها بالإحداثيات لنقاط الأهداف المطلوبة والتي يتم استهدافها بواسطة الطيران الآلي -طائرة بدون طيار. تصدير القلق إن بروز الصراعات في اليمن دائما ما يقلق السعودية ويهدد بتأثيراتها المباشرة على المملكة ودول الخليج المجاورة، يضاف على ذلك أنها عامل تهديد لاستقرارها الأمني خصوصا إذا امتدت الحرب على أراضيها حين تفرض ضيق المساحات الجغرافية التي تفصل البلدين ذلك. ويبقى أن الانقسامات الحاصلة في اليمن خصوصا الطائفية منها يسبب الذعر الكبير للسعودية، حيث أن انقسام السكان في الشمال بين شيعي وسني قد يؤدي أخيرا إلى حصول الشيعة على الاستقلال وإقامة دولة شيعية في الجزء الذي يلتصق بالحدود السعودية وسيكون ذلك تهديدا كبيرا لآبار النفط القريبة. إن الانهماك الحاصل في دائرة الحرب السرية لبعض القوى والأطراف الدولية والإقليمية في اليمن مفاده التصدي لأي متغير أو حاصل غير مألوف على الصعيد السياسي. وليس بغريب أن تقوم واشنطن والرياض في الفترات السابقة من تقديم الدعم والمساندة لمنظومة الفساد في اليمن الذي أتقن لعبة التنكيل بخصومة السياسيين والرافضين لنظامه، كما قام بقتل العديد منهم. مساعدات بوصايا دارسو التاريخ يعرفون كثيرا تصرفات وسياسات واشنطن تجاه اليمن عقب الحرب الباردة حين قامت بقطع المساعدات المقدمة لهذا البلد، غير أن هذه المساعدات عادت مجددا مع آخر رئيسين للولايات المتحدة أوباما وسابقة بوش، كان ذلك نزولا عند رغبة السعودية وحلفاء آخرين في المنطقة على ضرورة مساعدة اليمن وجعل هذا البلد أسبقية عسكرية. لذلك قد لا نستغرب من تدفق المساعدات الأمريكية بعد ذلك على الحكومة اليمنية.