اتخذت حكومة الإمارات مواقف توصف بالمتشنجة من الثورة المصرية وخارجة عن الأعراف الدبلوماسية، وكان أول تعبير معلن عنها في إبريل (نيسان) 2011م حين رفضت أبو ظبي في اللحظات الأخيرة استقبال رئيس الحكومة المصرية عصام شرف الذي كان يقوم بجولة خليجية شملت السعودية والكويت وقطر وكان مرتبا لها أن تختم في الإمارات، ومطالبة السلطة المصرية بعدم محاكمة حسني مبارك، ومع الإعلان عن فوز مرشح حزب الحرية والعدالة د محمد مرسي في انتخابات الرئاسة المصرية شن ضاحي الخلفان -قائد شرطة دبي- حملة من الشتائم على الرئيس المصري وجماعة الإخوان، واستقبلت أبو ظبي أحمد شفيق الذي قيل أنه هرَّب أموالا وكان قد تردد تمويل حملة شفيق الانتخابية من قبل السلطة في الإمارات، وكذا تمويل الفلول في محاولة لإشعال ثورة مضادة، وأخيرا تعلن أبو ظبي عن اعتقال رعايا من الجالية المصرية والتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان، وكانت قد اعتقلت مواطنين إماراتيين وأضافت باعتقال نساء للتهمة ذاتها ووصفتها بخلايا (إرهابية).. لماذا؟ يحاول بعض الكتاب في صحافة الإمارات تبرير تلك المواقف بما يلي: المخاوف من تقارب مصري إيراني، سعي جماعة الإخوان لتصدير الثورة إلى الدول الخليجية، رفض مصر لإلحاح حكومة أبو ظبي عدم محاكمة حسني مبارك واستعدادها لدفع تعويضات وهذا المبرر غير معلن. الدوافع الحقيقية يمكن النظر إلى سلوك الإمارات تجاه الثورة المصرية والربيع العربي بأنه لا يمثلها وحدها وإنما يمثل القوى المعادية والقلقة من التغيير في المنطقة العربية والتي تتعامل بدبلوماسية على المستوى المعلن، وتتعامل بوسائل سرية لاحتواء الثورات عبر الطرق الاستخبارية وتجنيد وزرع العملاء وتجنيد منظمات مجتمعية ومراكز أبحاث وأحزاب وقوى النظام السابق. الأنظمة الخليجية تشعر بالقلق بشأن شرعيتها، وتدرك أنها لا تتمتع بشرعية شعبية وسياسية كما هو شأن كل الأنظمة الملكية الوراثية التي لا تتبع النظام البرلماني التعددي وتمارس وصاية على الشعب ومصادرة لحقوقه السياسية وهدر الكرامة، وتعتمد في استمرارها على مجموعة من العناصر: 1- استهلاك الثروة وتوفير قدر من الرخاء للمواطنين ودعم السلع والخدمات للوقاية من التفكير في السياسة والسلطة. 2- الاعتماد على فشل الأنظمة الجمهورية في البلاد العربية والتي قامت بعمليات مسخ واسعة للنظام الجمهوري وتحويله إلى جمهو ملكي وراثي، ومسخ عملية الديمقراطية والتعددية والانتخابات، انظروا ما صنع النظام الجمهوري بمصر واليمن وسوريا وانظروا ما صنعت الديمقراطية والأحزاب في اليمن ومصر! 3- التبعية للقوى الخارجية: إن معظم الأنظمة في المنطقة خلفت الاحتلال الأنجلو فرنسي ووريث الاحتلال الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني، إنها صناعة قوى خفية وتنفذ سياسات معادية للأمة والناظر في العلاقات العربية العربية لا يجد فيها أية مصالح للأُمة بل ضد المصالح المشتركة. إن العاملين الثاني والثالث يفسران سلوك حكومة الإمارات. إن بلاد الربيع العربي أو الثورة العربية شهدت في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ثورات شعبية تحررية من الاستبداد المحلي والفساد والتحرر من التبعية، وتختلف عن الثورة العربية في القرن الماضي التي كانت موجهة ومسيطر عليها من قبل بريطانيا وفرنسا والتي أنتجت سايكس بيكو وخلفتها الأنظمة المتخلفة ملكية وجمهورية، ومن ثم فإن الثورة الراهنة تخرج البلدان من سطوة القوى الخفية التي صنعت الأنظمة السابقة وتضيف إلى التحرر من الاستبداد والفساد الاستقلال الحقيقي والتحرر من التبعية والهيمنة الخارجية، ومن ثم النهوض بالبلدان وقيام علاقات تعاون وتضامن بينها قد تؤدي إلى الإتحاد وذلك أهم مصادر الخطر المهددة للأمن (الصهيوني) والهيمنة الأمريكية الغربية. الإمارات مركز إقليمي للمخابرات الأمريكية والصهيونية والإيرانية، والكاتب الأمريكي عومي تشومسكي يفسر سلوك السلطة في الإمارات تجاه مصر والثورات العربية بارتباطها بالاستخبارات الأمريكية و(الإسرائيلية) والإيرانية وكانت صحيفة القدس العربي قد نشرت عام 1996 أن جهاز الموساد -المخابرات الخارجية- (الإسرائيلية) أرسل من دبي مجموعة من الجواسيس إلى أفغانستان لاختراق القاعدة وطالبان، وكانت عملية اغتيال القيادي الفلسطيني في حركة حماس محمود المبحوح في دبي 2010 من قبل الموساد تشير إلى حقيقة الدور الذي تشغله دبي في صراع المخابرات الدولية. وذكر تشومسكي من أسباب الخصومة للثورة المصرية سببا خاصا هو وجود مشروع للرئيس مرسي بإقامة موانئ للتجارة الحرة على قناة السويس والبحر الأبيض وأن ذلك سيؤدي إلى تعطيل دبي المعتمدة على اقتصاد خدماتي وليس إنتاجي، وهذا التفسير صحيح جزئيا لخشية سلطة الإمارات من النهوض المصري الذي سيجعل دور مصر مناسبا لحجمها ومكانتها، ونجاح الثورة ربما يحفز الشعوب في المنطقة لإشعال ثورات، أما التأثير على دبي فأحسبه محدودا نظرا لتباعد المنطقتين ومجالات كل منها جغرافيا. في مقال للكاتب عماد الدين أديب أود تساؤلات أو تعبير عن وجهة النظر المصرية والإماراتية، السؤال الذي تطرحه دولة الإمارات يقوم على العناصر التالية: 1) إن جماعة الإخوان تعترف في أدبياتها وتراثها بفكرة الخلافة الإسلامية وتؤمن بضرورة أن تتطور الدعوة السياسية من داخل مصر وتصل إلى الخارج. 2) إن فضيلة مرشد الجماعة أعلن مؤخرا عن اقتراب تحقيق مشروع الخلافة في المنطقة بعد نتائج ثورات دول الربيع العربي مما يلقي ظلالا وشكوكا لدى دول الخليج حول هذا التصريح. 3) إن زيارة الرئيس المصري إلى طهران ثم لقاؤه بالرئيس الإيراني مجددا في نيويورك هو عنصر «خطر» من منظور دول الخليج التي تستشعر أن الخطر الإيراني تجاه دولها أمنيا ومذهبيا يزداد يوما بعد يوم. 4) إن الإمارات ودول الخليج تنظر إلى مصر دائما على أنها الحليف العربي الإسلامي السني القادر وحده دون سواه على الدعم الاستراتيجي لدول الخليج عند اندلاع الأزمات. لذلك تخشى من حالة «التقارب» بين طهرانوالقاهرة وهي حتى الآن لا تفهم مداها وأبعادها. من ناحية أخرى ترى القاهرة الملف من منظور مختلف تماما قائم على العناصر التالية: 1) إن الإمارات دولة صديقة ولا خلاف لها مع مصر، أو إن المخاوف الإماراتية من قيام الإخوان بتصدير الثورة أمر من الممكن الرد عليه بأنه لم يثبت على مدار 84 عاما، هي عمر الجماعة، قيام الإخوان في مصر بالتآمر على أي نظام. 2) تأكيد الرئيس المصري الدكتور مرسي بأن بلاده لا تتدخل في شؤون الغير وترفض تدخل الغير في شؤونها. وقد تم ذلك في خطاب القسم وعدة خطب أخرى في نيويورك بالجمعية العامة. 3) إن القاهرة كانت تفضل أن يكون التعبير عن «القلق» أو «المخاوف» داخل غرف مغلقة تحتوي الأشقاء بدلا من خروج هذا الجدل إلى العلن. 4) إن مصر أكدت أن أمن دول الخليج خط أحمر وأنها لن تقبل بالمزايدة أو بالتهاون في هذا الموضوع، وفي يقيني أن مسألة رؤية جماعة الإخوان لمسألة «الخلافة» كجماعة دعوية، قد تختلف تماما مع رؤية مصر كدولة تحترم المواثيق الدولية وتدرك تماما الفارق بين «الأمة» و«الوطن». هذا الاشتباك لا بد من فضه. ومن الملحوظ هو الحديث عن الإمارات القلقة من تحول في العلاقات المصرية الإيرانية مع أن الإمارات ترتبط بعلاقات تابعة لطهران عمليا وهي علاقات عقائدية (شيعية باطنية) وذلك ما يفسر العداء السافر للنظام المصري. الثورة اليمنية كان نظام صالح مريحا لنظام الإمارات، فقد أنتج نظاما عائليا وانتخابات مزورة وفسادا وصل باليمن إلى فقر وتخلف في الخدمات وصنع ألغاما، وجعلها في حالة استجداء للمعونات، وألحق بالبلاد وبمواطنيها سوء سمعة، وتلك من أهم العناصر المروجة للنظام في الإمارات، وزاد عن غيره من الأنظمة تقديم خدمة خاصة بإعطاء ميناء عدن لشركة موانئ دبي بغرض تعطيلها مقابل دريهمات لشخصه. ومثلت الإمارات منذ البداية مركزا لاستثمارات أسرة صالح المنهوبة من المال العام، وقد كان صالح اشترط قيام وزير خارجية الإمارات بالتوقيع للمبادرة الخليجية نيابة عن مجلس التعاون الخليجي، وبعد إسقاط الاتفاقية مع موانئ دبي فإن السلطة في الإمارات لن تتردد في تقديم التمويل للثورة المضادة في اليمن والعمل على إعاقة الثورة اليمنية عن تحقيق ما يتطلع إليه الشعب اليمني، وهي تمثل مقرا لمعارضة الخارج من دعاة الانفصال. أما الثورة السورية، يقول بعض السوريين أنهم لاحظوا عبر السنين علاقات خاصة وحميمة بين آل نهيان وأسرة الأسد، ومع اندلاع الثورة السورية اتخذت سلطات الإمارات إجراءات تدل على انعدام المروءة، لقد قامت بترحيل رعايا سوريين لأنهم تضامنوا مع أهاليهم في سوريا، إجراءات لم تحدث في أي بلد في العالم، تسليم بشر لنظام جزار بشري وهي تعادي الجيش الحر لأسباب يمكن تصنيفها بأنها الخشية من التواصل بين تركيا وسوريا ومصر، كما يذهب الكاتب تشومسكي، وقد تشكل محورا قويا ستتضرر منه إيران و(إسرائيل). والخلاصة: إن القوى التي صنعت الأنظمة في المنطقة تشعر بمخاطر واسعة من الثورات العربية وتخشى خروج المنطقة عن السيطرة وقد نجحت الثورتان التونسية والمصرية في الإفلات مع توفر عنصر المفاجأة لكن ذلك لا يعني اليأس فهي تسعى بكل السبل لإمداد ثورة مضادة وسعت القوى الخارجية لاحتواء الثورة اليمنية والثورة السورية الأولى عبر المبادرة الخليجية والأخرى عبر التواطؤ على ترك بشار يدمر سوريا ويكثر من القتل وسيلان الدم عله بذلك يمزق المجتمع وتنشغل سوريا بذاتها لسنين قبل أن تشكل خطرا على أمن الكيان الصهيوني، وتمثل الإمارات رأس الحربة في مواجهة الربيع العربي ومعها السعودية.