رسم هجوم تنظيم القاعدة العنيف يوم الخميس في الخامس من شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري على مجمّع وزارة الدفاع في قلب العاصمة اليمنيةصنعاء، علامات إستفهام يمنية كبيرة من جهة وإقليمية ودولية، حتى أن الأوساط الديبلوماسية قالت: «لقد أصبحت أزمة اليمن «فالج ولا تعالج» مرحلياً ولا ندري إلى أي مدى سيصل مؤتمر الحوار الوطني اليمني المتعثر، وهل بإمكانه حل مشكلة الحكم أم أن الوضع سيبقى على ما هو أو سيتردى أكثر؟». بالطبع هذا السؤال وجيه جداً، ولكن الإجابة عليه لا يمكن أن تكون بإطلاق التكهنات. صحيح أن اليمن دولة عربية متسامحة، وتسامحت شعبياً وسياسياً مع أركان الحكم الذي ثار عليها الشعب، لكنها لم تطلب محاكمة أو إقصاء لهيئة النظام السابق إلا للذين تلوثت أيديهم فعلاً بدم الثائرين المطالبين بالتغيير وإنهاء الفساد المستشري في البلاد، لكن رحل الرموز وبقي الفساد والتناحر والاقتتال في كل مكان بين الأفرقاء كما هو الحال في صعدة ودماج بين الحوثيين وسكان دماج والقبائل التي وقفت مع الحكومة في حروب الحوثيين الستة. إنها حوصلة من حوصلات ثورات الربيع العربي المقززة بامتياز! لكن اللافت في التفجير الانتحاري يوم الخميس الماضي، إنه هاجم أكبر مجمّع سيادي وهو مجمع وزارة الدفاع وذهب ضحية هذا الهجوم 56 شهيداً وإصابة 176 شخصاً جراح بعضهم خطيرة جداً. وبحسب الأنباء المتواترة إعلامياً وعلى وسائل الاتصال السريع من «فايسبوك» و«تويتر»، يقال بأن هناك خيانة من بعض حراس مجمع وزارة الدفاع، وحتى لا نسميها خيانة هناك أناس متورطين بالافساح للسيارة المفخخة وبعض العناصر المهاجمة من دخول المجمع، ونسبوا هؤلاء المتورطين إلى انهم من المنتميين أو الذين يدينون بالولاء لحكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، لهز هيبة الحكم الانتقالي برئاسة الرئيس اليمني الانتقالي عبد ربه منصور هادي وجعل منه صورة هزيلة في عيون الشعب. وكشف التقرير الأوّلي للجنة التحقيق التي شكّلها الرئيس عبد ربه منصور هادي عن «أن معظم المهاجمين لمقر مجمع الدفاع (العرضي) في العاصمة اليمنيةصنعاء يحملون الجنسية السعودية، وانهم ينتمون لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، في وقت «إستغربت فيه بعض الأوساط العسكرية اليمنية تورّط بعض السعوديين في الهجوم، وأكدت أن العملية إرهابية وجرت بالتواطؤ مع العناصر الموالية للنظام السابق في اليمن، وأن معظم المواد التي استخدمت في التفجير مطابقة لما جرى ضبطه في سفن الأسلحة الإيرانية التي حاولت الوصول إلى السواحل اليمنية خلال الأشهر القليلة الماضية والتي جرى ضبطها في السواحل اليمنية». سؤال يفرض نفسه في هذه الحالة، هل حصل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من الحوثيين على مثل هذه المواد المصدّرة من إيران، أم أن أحد تجار السلاح وهم كثر في اليمن استورد هذه المواد بإسمه وسوّقها للقاعدة؟ من جهة أخرى كشف سكرتير الرئيس عبد ربه منصور هادي يحيى العراسي، عن أن الهجوم كان يستهدف الرئيس شخصياً، وأن أحد أحفاده جرت تصفيته في الهجوم إلى جانب الكثير من الطبيبات اليمنيات والأطباء اليمنيين والأجانب العاملين في مستشفى العرضي التابع لوزارة الدفاع. وقد تم تطهير المجمع من تلك العناصر فجر الجمعة الماضي في وقت ذكرت مصادر طليعة أن «معظم المهاجمين كانوا يرتدون الملابس العسكرية، لكن جزماتهم كانت مختلفة إلى حد كبير». ودحض يحيى العراسي، السكرتير الإعلامي للرئيس هادي، ادّعاءات تنظيم القاعدة بوجود مركز عمليات خاصة أميركي داخل المستشفى، وأكد انه مستشفى وليست به أي تحصينات عسكرية على الاطلاق وإنما حراسته حراسة عادية. ووصف العراسي العملية ب «الارهابية المقززة التي لا تمت للإنسانية والأخلاق بأي صلة» مؤكداً ان تنظيم القاعدة مخترق من قبل أجهزة الأمن، وأيضاً هي تخترق أجهزة الأمن أيضاً، «سواء في أماكن رسمية أو غير رسمية، لأنه إذا كان مثل هذا العمل الوحشي والجبان ينفذ بهذا الأسلوب الخبيث، فأقل ما يقال عنه أن هناك أبعاداً أخرى. منها مصلحة القاعدة في قتل الأطفال والنساء في مكان مقدّس ومحرّم وهو مستشفى يمنع إستخدام «زمامير السيارات» وليس السيارات المفخخة». ويوم الجمعة الماضي ذكر تنظيم القاعدة في بيانه الذي أعلن فيه مسؤوليته عن العملية «بأن المستشفى كان يحوي مقرّاً لتحرّك الطائرات بدون طيار الأميركية التي تستهدف أعضاء التنظيم بضرباته المستمرة في أكثر من منطقة يمنية، مما أدى إلى سقوط عشرات من نشطاء ومقاتلي التنظيم، في إطار الحرب المفتوحة بين الطرفين المتمثلة في الاغتيالات التي يشنّها التنظيم على عناصر أجهزة الأمن والمخابرات»، وهذا يعني أن الحرب بين تنظيم القاعدة والمؤسسة العسكرية اليمنية ستظل مفتوحة بكل المعايير ودون توقف، في بلد يعاني شعبه ضائقة غذائية واقتصادية وأمنية وإجتماعية ومناطقية. وإذا كانت القاعدة قد إخترقت مجمع وزارة الدفاع السيادي بإمتياز، فإن الحرب الحوثية والسلفيين في منطقة دماج بمحافظة صعدة المستمرة منذ عدة أسابيع هي على حالها، حيث تدور المواجهات بين الحوثيين والسلفيين الذين يتحصنون بالآلاف داخل وفي محيط مركز تعليمي سلفي في منطقة دماج الواقعة في أحد ضواحي مدينة صعدة، معقل الحوثيين الشيعة. وفيما يؤكد السلفيون انهم يتعرّضون لحصار ولقصف عنيف من الحوثيين، يؤكد هؤلاء وجود الآلاف من المقاتلين المتطرفين الأجانب الذين يصفونهم بالتكفيريين في دماج، وتوقف هذه الحرب ضرورة حتى تدخل القوات العسكرية اليمنية للفصل بين المتقاتلين وإلا ستنتشر هذه الحرب الخبيثة في المناطق المجاورة وتصبح قضية مستعصية. اليمنيون وأعني الشعب اليمني مسكين في قياداته السياسية، مع إنه من حيث الذكاء من أذكى شعوب الأرض حتى على مستوى العامل البسيط الجائع، وهذا الشعب يتمنى لمؤتمر الحوار الوطني اليمني المتعثر أن ينتهي سريعاً مع اقتراب نهاية المرحلة الانتقالية التي نعتقد إنها ستمدد على الأقل لسنة أو على أقل تقدير لستة أشهر، حيث تواصل الأطراف السياسية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني في اليمن نقاشاتها لحسم الملفات العالقة بعد مرور أكثر من شهرين على انتهاء مدته المحددة في 18 أيلول/ سبتمبر الماضي، وسط قلق دولي عبّر عنه بيان مجلس الأمن الأخير وتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وسفراء الدول الراعية للعملية الانتقالية في اليمن، في ظل مصاعب أمنية واقتصادية واجتماعية تعيشها البلاد وخلافات سياسية زاد من تعقيدها الانشقاقات الحاصلة داخل ممثلي «الحراك الجنوبي» في مؤتمر الحوار وإعلان رئيس فريق «القضية الجنوبية» والقيادي في «الحراك الجنوبي» ورئيس «مؤتمر شعب الجنوب» محمد علي أحمد في أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي الانسحاب النهائي من الحوار، متهماً الرئيس هادي والأمانة العامة لمؤتمر الحوار بشق صف ممثلي «الحراك الجنوبي»، كما أكد تمسّكه بنقل الحوار إلى خارج اليمن مع ضمان أن يسفر عن منح الجنوبيين حق «تقرير المصير وإستعادة الدولة» التي كانت قائمة في الجنوب قبل توحّدها مع الشمال في العام 1990، رغم رفض جناح في «الحراك الجنوبي» يتزعمه كل من نائب رئيس مؤتمر الحوار ياسين مكاوي ونائب رئيس البرلمان اليمني محمد علي الشدادي هذا الإنسحاب واتهما أحمد بالسعي ل «مكاسب شخصية» مع تأكيد تمسّك غالبية ممثلي «الحراك الجنوبي» بالاستمرار في الحوار إلى النهاية. بالطبع مؤتمر الحوار الوطني مستمر وأمامه قضيتان إما أن يكون اليمن مكوّن من إقليميين أو من خمسة أقاليم، وبالطبع المؤمل الاتفاق على خمسة أقاليم، لأنه إذا تم الاتفاق على إقليمين. شمالي وجنوبي، فإن هذا سيمهّد لانفصال الجنوب عن الشمال. والصورة واضحة تماماً للعالمين بالشأن اليمني. وكما هو معلوم أن مؤتمر الحوار الوطني المتعثر في التوصل إلى نتائج ترضي الجميع، إنطلقت أعماله في شهر آذار/ مارس الماضي بمشاركة 565 عضواً يمثلون مختلف الأطراف السياسية وانتهت فعلياً مدته كما أسلفنا في 18 أيلول/ سبتمبر الماضي، فيما تنتهي المرحلة الإنتقالية برمّتها في شباط/ فبراير المقبل وفق الجدول الزمني الذي أقرّه اتفاق «المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية». ولكن ما هو كائن داخل مؤتمر الحوار الوطني قد يحتاج إلى فترة زمنية طويلة قد تتعدّى المرحلة الانتقالية بأشهر عديدة!