في الجنوب الغربي من العاصمة اليمنية، صنعاء تقع قرية “بيت بوس”، التي تعد واحدة من أهم الشواهد التاريخية على حضارة يمنية عريقة، حيث يعود بناؤها إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد. تعود تسمية قرية “بيت بوس” اليمنية إلى الجد الجاهلي “ذو بوس بن سحر بن شرحبيل”، ونًسب إلى القرية العديد من الشخصيات التاريخية أبرزها “أبو القاسم ابن سلامة الحوالي البوسي”، الذي نظم منظومة “البوسية” في الفقه من حوالي 6 آلاف بيت شعري، حسب ما أشار الباحث اليمني “إبراهيم المقحفي” في كتابه “معجم البلدان والقبائل اليمنية”. وتوجد في المنطقة الغربية من القرية نقوش يقال إنها باللغة الحميرية، وتقول المراجع إن القرية كانت خاصة باليهود لكنهم كانوا متجاورين مع المسلمين في نفس المنطقة. وتمتد القرية على مساحة جبلية يبلغ طولها قرابة نصف كيلو متر، وتتكون من حوالي مئتي بيت مبنية بالحجر الأحمر من عدة طوابق وتم تشييد بيوت القرية على قمة الجبل من أحجار الجبل نفسه، بطريقة منظمة متناغمة في شكل تاج يعلو هامة المرتفع الجبلي، وتوضح مدى عبقرية التصميم والمعمار اليمنيين القديمين. غير أن القرية صارت الآن مهجورة، حيث تركها أهلها، ولم يعد يسكن فيها أحد من سكانها الأصليين الذين غادروها إلى مركز العاصمة، هربا من عناء نقل الماء إلى رأس الجبل وانعدام الخدمات الأساسية، حيث تعرضت القرية للإهمال وبدأت بعض مبانيها تتداعى وجدرانها تتصدع. ويقول سكان في المنطقة إن القرية كانت تحفل بعدد من الصناعات التقليدية، على رأسها الفخار والآثار التاريخية التي تم نهبها خلال السنوات الماضية. كما تراجعت السياحة الأجنبية للقرية، بسبب الأحداث الأمنية المضطربة، التي يمر بها اليمن، حيث انخفض عدد الزوار من السائحين للقرية، إذ كان يزورها شهريا أكثر من 40 ألف سائح من مختلف بلدان العالم، إلا أنها الآن تحولت إلى مقصد للسياح المحليين الذين يفضلون قضاء أوقات ما بعد الظهيرة تحت ظلال هذه القرية التاريخية الشامخة.
ولم تبق في القرية سوى حوالي 24 أسرة تسكن بعض بيوت هذه القرية هم مهاجرون جدد من محافظات أخرى، أجبرتهم الظروف على السكن في القرية، نظرا إلى عدم قدرتهم على دفع إيجار المساكن في مدينة صنعاء. وكانت للقرية بوابة في الجهة الجنوبية، وكعادة المدن القديمة يتم تحصينها، وإغلاق بواباتها أمام الغرباء، وخصوصا في الفترات المسائية، لكن البوابة الخشبية اختفت قبل سنوات كما يروي أحد سكان القرية، ولا يستطيع أحد دخول القرية سوى من البوابة أو تسلقا عبر منطقة في الجزء الشمالي منها، وهو ما جعل أهلها القدامى يبنون حصنا للحراسة في ذلك الجزء لحماية القرية. عدد من الشواهد التاريخية لازالت تحويها القرية، منها جامع الإمام الهادي الذي حكم اليمن نهاية القرن الثالث الهجري، بالإضافة إلى مخازن الحبوب التي لا يعرف متى بالضبط تم بناؤها، حيث تم تقسيم أحد المخازن إلى غرف صغيرة توضع فيها الحبوب من “المال العام”، وعندما يشتد القحط على أهل القرية يذهبون إلى المخازن ويأخذون حاجتهم ثم يعيدونها عندما يزرعون. ويقول السكان الموجودون في القرية حاليا إن اليهود كانوا يسكنون في منازل خاصة بهم في الحي الجنوبي من القرية، وبيوتهم عبارة عن منازل متراصة، بعضها محفور داخل الجبل، كمايقولون إن هناك بقايا “معبد” كان اليهود يؤدون فيه شعائرهم الدينية. وأصبحت القرية في الفترة الأخيرة مزارا لسكان العاصمة برغم عدم توفر أبسط الخدمات فيها، كما يتم فيها تصوير الكثير من الأعمال التلفزيونية، لكنها رغم ذلك معرضة للخراب جراء الإهمال الذي تعانيه