وضع الإخوان في اليمن يختلف عن وضعهم في تونس ومصر وليبيا وسوريا ولهم منطق وفلسفة توريث أخرى غير ما يطرح إذا تتبعنا مشهد الثورة السلمية في مصر مثلا فنهاية فترة حكم وولاية مبارك كانت إلى سبتمبر الماضي وليس القادم، واعتقد أن إقامة انتخابات كاملة النزاهة في موعدها بإشراف دولي ولا تأبيد فيها ولا توريث تلبي المطالب الأساسية السياسية، وبما يمكن من التعاطي مع أي قضايا أخرى، إما من خلالها أو من خلال معطاها ونتائجها بعد الانتخابات. ماذا كان يمكن أن يطلب من مبارك أكثر من ذلك؟!!.. وماذا يستطيع إنجازه خلال شهرين أو بضعة شهور؟!!. الموقف الأميركي الأوربي ظل يتمحور حول عبارات مثل: ما قدمه مبارك لا يكفي أو لا يلبي سقف المطالب، دون توضيح ما هو الذي يكفي أو سقف المطالب!!. إذا الذي يكفي أو سقف المطالب هو الرحيل الذي تحقق فهو تحقق من خلال دور وضغط وبديل القوات المسلحة أصلاً رغم عدم خروج جماهير موالية للنظام. فإذا البديل الانتقالي هو الذي ضغط وحقق الانتصار لما تسمى “الثورة” كرحيل، فلماذا الاعتصامات والمظاهرات والضغوط بعد ذلك لرحيل البديل الانتقالي ومن البديل الذي يسلم له البديل الانتقالي السلطة؟!!.. مع وقع التطورات واختلاف الحالات فمثل هذا الطرح لم يعد من الممكن أن يحسب لا دفاعا عن النظام في مصر ولا عن النظام في اليمن، ولكنه يمثل الواقعية والدفاع عن الواقع في البحث عن حلول لا تفرط في حق واستحقاق التغيير، ولا تتطرف في تفعيل التغيير ضد واقعها وضد استقرار أوطان وحياة شعوب. لو تمت الانتخابات المصرية في سبتمبر الماضي عبر انتخابات نزيهة فجلسة محاكمة مبارك التي تمت في ظل عهد وزير دفاعه كبديل انتقالي من الممكن أن تجرى في ظل البديل الديمقراطي، وبالتالي كأنما تحول رحيل مبارك هدفاً لا يرتبط بواقع مصر، والرحيل حتمية حتى لو لم يعد لهذا الحاكم سوى أسبوعين أو يومين ليرحل بانتهاء فترته ونهاية لحكمه، ويرتبط بهذا التفكير وأهدافه أنه لا بد من محاكمة مبارك سريعاً في ظل البديل الانتقالي، والانتظار حتى مجيء البديل الديمقراطي يجعل المحاكمة غير مطلوبة لتجاوز الزمن لأهدافها، فالمحاكمة ليست من أجل المحاكمة أو العدالة وإنما لأهداف في إطار التفعيل لسيناريو ما تسمى “ثورات سلمية”. بافتراض أي أحد كمواطن عربي من أي بلد خارج سوريا يسلم بأخطاء النظام في سوريا ويميل أو يتعاطف مع ما تسمى “الثورة”، فليس الموقف من إعطاء النظام أو الميولات والتعاطف يمثل موقف إنصاف لواقع سوريا وواقعية تجاه واقع سوريا، إلا وهذا الموقف ينبع من انفعالاتية أو عاطفية لا تخضع لقدرات وقياسات “العقلنة”، وهي إما لا تحس أو لا تحرص على واقع سوريا. لا أعتقد أن الجامعة العربية منذ إنشائها اتخذت قرارات كبيرة ونافذة وعلى مستوى وزراء الخارجية كما خلال محطة ما تسمى “الثورات السلمية”، فهل معالجة الحالة الليبية بتدخل “الناتو” والسورية بجهود اصطفاف وعزل وعقوبات أقليمية هو خيار وإرادة الجامعة العربية، أم تفعيل لرؤية الأرضية الدولية “الغربية” المساندة للثورات؟!!.. إنني لا أدافع هنا عن النظام السوري وقد أرى أن أخطاءه أكثر مما تطرح الجامعة العربية، ولكن احترامي لعقلي وفهمي يستدعي المقارنة بين حالة ليبيا وسوريا من قبل الجامعة العربية، فيما واقع وشعب ومستقبل سوريا هو الأهم من النظام أو المعارضة. ولا أرى الوقوف والاصطفاف مع نظام بأخطائه، ولا السير في تطرف وهوج المعارضة وما تسمى “ثورة” هو لصالح الواقع في سوريا. سيناريو الثورات السلمية لم يعتمد “العقلنة” والواقعية في تفعيل ضغوط على أنظمة أو لكبح جموح وتطرف معارضات، وما تسمى “ثورات سلمية” لتكون سلمية بمرجعية العقلانية أو الواقعية أو عقلانية وواقعية بمرجعية السلمية. كأنما أميركا قبل عقد وتحديداً بعد أحداث سبتمبر 2001م كانت في ثورة بالأنظمة ضد الأصولية كحرب ضد الإرهاب، وكأنما أميركا بعد عقد وتحديدا في 2011م باتت في ثورات ضد الأنظمة بالأطراف الأصولية التي ثارت ضدها قبل عقد. وبغض النظر عن أخطاء أنظمة مسلم بها واختلاف هذه الأخطاء، فهذا التحول والنقلة الأميركية الغربية لا تستوعب العقلانية ولا تتيح للواقعية أن تحضر، ولذلك فالإعلام الغربي الدولي بالعربي بات يمارس أدوار قمع الواقعية والواقع. لو تم القبول بإكمال مبارك ولايته حتى سبتمبر ليأتي البديل عبر انتخابات كاملة النزاهة بلا تأبيد ولا توريث، فمثل ذلك سينعكس سلبا على الزخم الثوري في المنطقة، وما تسمى “الثورات السلمية” خاصة بما تمثله مصر في وعي وواقع المنطقة من ثقل، وحيث كانت ثقل الثورات القومية. الأولوية إذا للمحطة هي قبل أولوية مصر أو واقعها، فماذا يحتمل أن تكون أولوية المحطة في واقع سوريا أو غيرها من البلدان؟!.. ليس في هذا الطرح خطاب عداء أو صراع مع إسرائيل أو إيران ولكنني مع أن تظل الأولوية في مصر لواقع مصر وفي سوريا لواقع سوريا، وألاَّ يتحول الواقع إلى جهاد غير واعٍ كما الجهاد في أفغانستان بزيادة معاناة الصراعات والحروب والاقتتال والتمزق والتشرذم ونحوه، خاصة ونحن لم نعد في أوضاع وتوازن صراع الحرب الباردة. لم يظهر الإخوان المسلمون في ليبيا إلا من خلال الانشقاق العسكري والاصطفاف من محوريته، فيما لم يجرؤ الإخوان في مصر أو في سوريا للظهور في واجهة ما تسمى “ثورات”، أو في أشكال مباشرة للعنف كطرف أو أطراف سياسية، فيما هذا الطرف في اليمن الإخوان لم يعد يخفي أو يخاف مجاهرة التماهي مع “القاعدة”، ولا في ممارسة كل أنواع العنف والحروب بما في ذلك محاولة السيطرة على المطارات. بحكم استثنائية الصراعات في اليمن ومحطاته البشعة المتكررة فإنه بات في واقع اليمن حساسية استثنائية في القلق والخوف من الصراعات، وذلك استثناء لا يلتفت إليه في تصميم وسيناريو ثورات سلمية في المنطقة. وضع الإخوان شعبياً في اليمن يختلف عن حالات تونس ومصر وربما ليبيا وسوريا، وللنظام اليد الطولى في إضعاف شعبية هذا الطرف بأي قدر من الوعي أو بدونه، ومثل هذا لم يكن ليلتفت إليه في سيناريو الثورات السلمية، فهذا السيناريو يفترض واقع اليمن أو غيرها هو واقع تونس في هذه المحورية، كما أعطى مؤشر الانتخابات في تونس. لقد انقلب الجيش الجزائري على نجاح الإنقاذ “الإخوان” ديمقراطياً، فيما “الإنقاذ” في السودان مارست الانقلاب للوصول إلى الحكم، ولكن لم تصل مثل هذه الأطراف إلى ما وصل إليه ذات الطرف في اليمن ديمقراطيا وعبر الانتخابات وفي شراكة وشراكات. ولهذا فهم لم يعودوا “البعبع” ولا المفاجأة في انتخابات ما بعد هذه المحطة، وشعبيتهم لا تؤهلهم للوصول إلى الحكم، وهم يعون ذلك ويعرفون حق المعرفة. الإخوان في اليمن من خلال الشراكات والعلاقات مع النظام لهم منطق وفلسفة توريث أخرى غير ما يطرح، فهم الذين واجهوا زحف التوحيد شيوعياً بالقوة في المناطق الوسطى وانتصروا، وهم من مد الغرب الذي هيمن بعد ذلك على المنطقة بما كان يجعلهم الأحق بالحكم، وهم الطلائع والكوماندوز في حرب 1994م، ومع ذلك فهم كطرف سياسي مارس الوفاء تجاه الرئيس صالح الأكثر من ثلاثة عقود من حكمه، أما وقد بات في وضع أو حتمية رحيل فهم كانوا الأحق بالحكم منه والأحق كبديل. فترة التهويل الامريكي للارهاب بعد سبتمبر 2011م جعلت هؤلاء يمارسون الانحناء للعاصفة، وتكتيك الحاجية للرئيس للدفاع عن رموز لهم مستهدفة أميركياً، والمتغير لم يكن فقط ما سرب ل”ويكليكس” عن لقاءات حميد الأحمر بسفير أو مسؤولين أميركيين عام 2008م، فالاطراف الأخرى في “المشترك” تعرف ان الدعم والثقة أميركياً وغربياً اعطيت في هذه الفترة للمنظمات الأهلية التابعة للاخوان الاصلاح، وذلك ما مثل وسيط قراءة وتوصيل لما يعتمل ويراد أميركياً بأشكال مباشرة أو غير مباشرة. بعد عقد من التهويل الأميركي للإرهاب وتحديداً في 2011م حل التهوين محل التهويل، فكان ذلك بمثابة اطلاق المارد من “قمقمه” بالنسبة للاخوان كوارث ووريث شرعي للحكم كحق وهو الأحق. ربما المستقبل يكشف أسراراً أكثر في هذه المحورية وحوارات استثنائية للاخوان مع الرئيس قرأت أو فهمت بعملية الاعتداء على جامع دار الرئاسة بأنها بمثابة براءة الذمة. إذا عدنا إلى الوراء لعام وفي العيد الوطني 2010م حين دعا حميد الأحمر علي سالم البيض لحضور احتفالات العيد فبماذا رد البيض؟!!.. لقد جاء رده “العب غيرها”، وذلك لا يعني غير ان حميد الأحمر يلعب مع الرئيس، ومثل هذه الدعوة هي لعبة أو في إطار لعبة. كل طرف في الصراع لم يعد يحلل الآخر وصراعات آخرين بالحد الأدنى من الدقة، وبالتالي فأية حالة أو حادثة لا تقرأ فقط كما تقدم ولا من وجهها المباشر فقط، فعندما يتوعد حميد الأحمر خلال لقاء مسؤول أميركي 2008م بنشر الفوضى في اليمن عام 2011م، فمحطة الثورات السلمية 2011م هيأت لذلك النجاح، ولو تأجلت عاماً أو اثنين لأجل تنفيذ حميد التهديد والوعيد فأين حضور هذه المعلومة والربط بها؟!!.. وما علاقة ذلك بتأجيل “المشترك” للانتخابات والتمديد لعامين؟!!.. يمكن القول بأن اليمن بالتوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة وفق قرار مجلس الأمن الدولي تجاوزت ما يسمى عنق الزجاجة للازمة، ولكن في ظل تحديات ومتاعب ومصاعب كبيرة متوقعة، ولهذا فإن على كل الأطراف والأثقال الواعية ان تتجاوز مواقف وخطاب الصراع النمطي في تطرفها أو تجمدها كمعارضة ونظام، وتنفذ إلى ما يعتمل وما يتوقع بالقدرات الاستثنائية والأفق الاستثنائي. المعادلات والتوازنات النمطية تغيرت جذريا فوق إرادة أي طرف واقعياً ان يبقيها أو يتعامل بها بما في ذلك النظام أو الحزب الحاكم. ولذلك على كل طرف ان يغامر ويمارس الإقدام ولكن في حوار لا محدود وحوارات بلا حدود، فربما يستطاع إحداث تغيير ايجابي في الحياة السياسية وخارطة الحياة السياسية من خلال الواقع وأطرافه، بما يجعل الاستقرار الواقعي معطى لتطور سياسي وليس معطى لتفاعلات وتفعيل صراعات بما يكرسه من قلق مزمن يمثل مستوى من المرض أو الكساح السياسي، ما دام سيناريو ثورات ارتكز على مسمى “سلمية”، وذلك ما يعطي للشارع أو لكل واقع دوراً بقدر تفاعله ووعيه بالمؤشرات أو المؤثرات، فذلك لا يعني حتمية نفاد أو تنفيذ حتمي للسيناريو، ولكن بقدر ما يساعد كل نظام الواقع أو السيناريو بخياراته ومواقفه وبأدائه وأفعاله، والقذافي أوضح مثل في تسهيل تدخل “الناتو”. ولهذا فالأطراف المعارضة في اليمن الأهم ان تتعلم من وفي هذه المحطة، فقد تأتي في المستقبل محطة أو عاصفة وطرف أو ثقل منها هو الحاكم، ومواقفه في وعيها أو تطرفه تكون مؤثرة على واقع وحاضر أو على مستقبل ومصير!