لم تُجمع لجنة التوفيق على أمر كما أجمعت على عرقلة بعض فرق العمل، بل أهمها، وهو فريق بناء الدولة، فقد رفع الفريق منذ أكثر من شهر ونصف، مجموعة من المواد التي تم التصويت عليها، ولم تحظَ بنسبة التوافق المطلوبة عند أول تصويت، وهي 90%، وكان من المفترض، وبحسب النظام الداخلي لمؤتمر الحوار، أن تحاول "لجنة التوفيق" التوفيق بين الآراء المختلفة لضمان التوافق بنسبة 90%، وعند فشلها يجب عليها إعادة المواد إلى فريق العمل للتصويت عليها مرة أخرى، وفي حالة حصولها على نسبة 75% هذه المرة، فإنها تصبح قرارات نافذة. يظهر أن بعض المواد التي أقرها فريق بناء الدولة لم تعجب بعض مراكز القوى التقليدية الدينية التي عارضت نفس المواد في دستور عام 90، وقامت بتعديلها بعد غزوة عدن الكبرى. تلك القوى تمارس نفس الدور اليوم، فبعد فشلها في ترهيب أعضاء فريق بناء الدولة سواء عبر التهديد أو الفتاوى أو نشر أسمائهم وعناوينهم على النت، لجأت الى الضغط عبر بعض أعضائها وحلفائهم في لجنة التوفيق، لعرقلة إعادة تلك المواد الى الفريق، متذرعين بأعذار أقل ما يقال عنها أنها واهية، فمرة يقولون نصاب اللجنة لم يكتمل، وأخرى لم يحصل توافق بين أعضائها، مع أنه لا يشترط توافقهم على إعادة المواد إلى فرق العمل، لأن ذلك إجباري، ويعتبر في القانون من مواد "النظام العام" التي يكون تنفيذها واجباً، ولا يجوز الاتفاق أو التوافق على مخالفتها. قد نتفهم إبقاء لجنة التوفيق على بعض المواد لديها حتى يُتفق على شكل الدولة مع الإخوة الجنوبيين، ومنها المادة المتعلقة بشكل نظام الحكم هل يكون برلمانياً أم رئاسياً، وغيرها من المواد المتعلقة بشكل الدولة، لكن ما لا نستطيع تفهمه هو تأخير وحجز المواد التي أُقرت ووافق عليها الجنوبيون، بل كانوا أشد أعضاء فريق بناء الدولة تعصباً لها، لأنها تعيد الاعتبار لبعض مواد دستور عام 90 التي تم تعديلها من قبل عصابة تحالف 94، ومن تلك المواد المادة المتعلقة بالشريعة الإسلامية هل تكون مصدر جميع التشريعات كما نص عليها دستور تحالف الغزو بعد 94، والذي تم بموجبها إلغاء أجمل ما في دستور 90 ، على اعتبار أنها تُخالف الشريعة -بحسب فهمهم، أم تعود مصدراً رئيسياً للتشريع كما نص عليها دستور 90 الذي وقع الجنوبيون على الوحدة بناءً على نصوصه، لا على نصوص الانقلابيين بعد احتلال الجنوب، مضافاً إليها المادة المتعلقة بكون الإسلام دين الدولة أم دين الشعب. كذلك المادة المتعلقة بالكوتا النسائية التي أقرت تحت مسمى "التمييز الإيجابي" للنساء، عبر منحهن حصة 30% من مقاعد المجالس التشريعية المنتخبة. تلك المادة التي تعارضها نفس مراكز القوى التقليدية الدينية التي غيرت وجه عدن النسائي، وألبسته الطرابيل بعد عام 94، فأصبح زائر عدن لا يُميز بينها وبين قندهار أفغانستان. قربت نهاية مؤتمر الحوار، ولجنة التوفيق متعنتة ومُحتجزة للمواد لديها، مع المطالبات المتكررة للفريق بإعادتها، فاللجنة تراهن على الوقت، فعند انتهائه ستقوم هي بصياغة تلك المواد بعد وضعها على طاولة المفاوضات السياسية ونخاسة المصالح، وعذرها أن الفريق فشل في التوصل الى توافق خلال المدة المسموحة. أصبحت متيقناً بعد تلك التصرفات من قبل لجنة التوفيق، وسكوت رئاسة مؤتمر الحوار عنها، أن مؤتمر الحوار شكلي، وأن القوى السياسية ستتفاوض على مُخرجاته بمعزل عن القوى المدنية والنساء والشباب. هل تعرف لجنة التوفيق أنها بذلك تُفسد الحوار، بل تنسفه من أساسه، وتفرغه من محتواه، وتجعل كل عضو فيه يحس أنه كان مُجرد ديكور لصفقات سياسية تتم في الغرف المُغلقة؟ أنا أحمل لجنة التوفيق ورئاسة مؤتمر الحوار تبعات تلك التجاوزات الجوهرية بحق الحوار، عبر مُخالفتهم لضوابط الحوار التي اتفق عليها في اللجنة الفنية، وأقرها المؤتمر في أول اجتماعاته. كما أني أطلب من أصحاب الأقلام الشريفة والغيورة على الوطن والحوار، تنبيه الرأي العام الى خطورة أن يصبح مؤتمر الحوار واجهة لصفقات مشبوهة بين الفرقاء السياسيين.