المقالح: الولاية هلاك متعمد لسلطتكم    21 سبتمبر.. كرامة وطن    جدد موقف اليمن الثابت لنصرة فلسطين .. قائد الثورة: مسارنا الثوري مستمر في مواجهة الأعداء    في عيدها الوطني الحادي عشر .. 21 سبتمبر.. ثورة انتصار الإرادة واستعادة السيادة    الرئيس الزُبيدي يصل نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة    تجارب سيادية لا تُنسى: ثروة الجنوب السمكية    في تقرير لها حول استهداف مقر صحيفتي " 26 سبتمبر " و" اليمن ".. لجنة حماية الصحفيين الدولية: "إسرائيل" تحولت إلى قاتل إقليمي للصحفيين    حين تُغتال الكلمة.. وداعاً عبدالعزيز الشيخ    في مهرجان شبابي كشفي شهدته العاصمة صنعاء احتفاءٍ بالعيد ال 11 لثورة 21 سبتمبر..    عبقرية "سورج" مع برشلونة جعلته اقوي جهاز فني في أوروبا..!    الدوري الايطالي: نابولي يواصل انطلاقته المثالية بانتصار مثير على بيزا    نجم باريس سان جيرمان عثمان ديمبيلي يفوز بجائزة الكرة الذهبية لعام 2025    غموض يكتنف اختفاء شاعر في صنعاء    غموض يكتنف اختفاء شاعر في صنعاء    إلى أرواح أبنائي الشهيدين    رئيس مجلس القيادة يصل نيويورك للمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة    حين يُتّهم الجائع بأنه عميل: خبز حافي وتهم بالعمالة..!    الدكتور ياسر الحوري- أمين سر المجلس السياسي الأعلى ل" 26 سبتمبر ":خلقت ثورة ال21 من سبتمبر وعياً وقوة لدى الشعب اليمني    الرئيس الزُبيدي يهنئ القيادة السعودية باليوم الوطني ال95    ثورة ال 21 من سبتمبر .. تحول مفصلي في واقع القطاع الزراعي    لمن لايعرف بأن الإنتقالي الجنوبي هو الرقم الصعب    ريال مدريد لن يرسل وفدا إلى حفل الكرة الذهبية    منارة عدن المنسية.. إعادة ترميم الفندق واجب وطني    صحة بنجلادش : وفاة 12 شخصًا وإصابة 740 آخرين بحمى الضنك    التحويلات المالية للمغتربين ودورها في الاقتصاد    11 عاما على «نكبة» اليمن.. هل بدأت رحلة انهيار الحوثيين؟    مصر تفوز بتنظيم كأس العالم للدارتس 2027 في شرم الشيخ    تعز..تكدس النفايات ينذر بكارثة ومكتب الصحة يسجل 86 إصابة بالكوليرا خلال 48 ساعة    وزارة الاقتصاد: توطين الصناعات حجر الزاوية لبناء الاقتصاد    القاتل الصامت يودي بحياة خمسة أطفال من أسرة واحدة في محافظة إب    قبيلة الخراشي بصعدة تقدم قافلة رمان للمنطقة العسكرية الخامسة    انتقالي مديرية الضالع يكرم طلاب الثانوية المتفوقين للعام الدراسي 2024/2025    لقاء تشاوري بين النيابة العامة وهيئة الأراضي لمناقشة قضايا أملاك الدولة بالوادي والصحراء    سوريا تستسلم.. ونحن وراءها؟    اثنان من الحكام اليمنيين ضمن الطاقم التحكيمي لبطولة كأس الخليج للناشئين    نائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة ومدير صيرة يتفقدان أعمال تأهيل سينما أروى بصيرة    صحة البيئة بالمنصورة تشن حملة واسعة لسحب وإتلاف "شمة الحوت" من الأسواق    وفاة خمس نساء من أسرة واحدة غرقا في أبين    خبير طقس: اضطراب مداري يتجه تاثيره خلال الساعات القادمة نحو خليج عدن    عدن.. البنك المركزي يكشف عن استخدامات المنحة السعودية ومستقبل أسعار الصرف خلال الفترة القادمة    هبوط جماعي للأسهم الأوروبية!    "إنهم يقومون بكل الأعمال القذرة نيابة عنا"    اجتماع للجان الفنية لدمج وتحديث الهياكل التنظيمية لوحدات الخدمة برئاسة الحوالي    براءة العلويين من البيع والتنازل عن الجولان لإسرائيل    الراحلون دون وداع۔۔۔    برشلونة يواصل ملاحقة ريال مدريد    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    عبد الملك في رحاب الملك    التعايش الإنساني.. خيار البقاء    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    موت يا حمار    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحجري وغباء با سندوه !
نشر في البيضاء برس يوم 28 - 04 - 2014


إب الحجري .. نوايا وظنون.
ترتبط الاعمال بالنيات، لكنها لا تعبر عنها في كثير من الأحيان، بينما ترتبط الظنون بمحاولة تفسير النوايا، فتتعدد وتتسع وتتباين وتصيب وتخطئ، وغالبا ما تتعارض النوايا والظنون وتتشابك لدرجة يصعب فيها تمييز الحقيقة ومعرفة الاخيار من الاشرار، في محافظة إب وخلال الثلاث السنوات السابقة اتسعت الفجوة بين النوايا والظنون، كما تعددت وتشعبت واختلفت تلك الظنون لتفرض حالة من الغموض والضبابية التي حالت دون قراءة الواقع بشكل صحيح، في ظل تلك العتمة فقد الكثير من أبناء إب الامل في ذلك الرجل الحائز على ثقة 96% ممن انتخبوا المحافظ عام 2008م؛ ذلك انه تعامل مع أ حداث 2011 وتداعياتها وفقا لتصورات وتقديرات خاصة، ميزت الاوضاع في اب عن غيرها، وأثارت جدلا واسعا، ولغطا كبيرا، حول نواياه، وشخصيته، ودوا فعه، ومدى ارتباطه بالمنشقين عن النظام، المطالبين بإسقاطه، رغم صلاته الوثيقة بالنظام ورموزه، على الصعيدين السياسي والاجتماعي .
.
نبه الحجري أجهزة الامن في بداية الاحداث بعدم مواجهة المظاهرات أو منعها مهما كانت الأخطاء، ومع تفاقم الوضع ارسلت وحدات من الحرس الجمهوري لمواجهة اعمال الشغب المحتملة في إب، وتردد أنه رمى "غترته" تحت "بيادات" العسكر طالبا منهم عدم التدخل فيما يحدث، والعودة من حيث جاءوا، كما لم يقاوم – كبعض المحافظين - فكرة اعتصام الشباب، ونصب الخيام، ولا قطع الطرقات العامة، بل وجه بحماية مواقعهم، وصلى معهم في ساحاتهم، وفتح لهم صدره قبل مكتبه ومنزله، وعقد اجتماعات مطولة مع قياداتهم في سبيل أمنهم، وتذليل أي صعوبات قد تعيق انشطتهم وتحركاتهم، وعمل ما بوسعة حتى لا تنعكس حدة الصراع في صنعاء على إب كما أثرت على تعز، فحال دون أي احتكاكات او تصادمات أهلية بين أبناء المحافظة، الى غير ذلك من السياسات والتصرفات التي كان يراها سديدة وصائبة، بينما ظنها آخرين غير ذلك.
.
امتعض الكثير، وأثارت الظنون سخط قواعد حزب المؤتمر ومناصريهم، الذين لم ترقهم مرونة الحجري وتعاونه مع المناهضين للنظام، فكان التاريخ جاهزا للاتكاء عليه في تفسير نوايا الرجل، إذ بدا لهؤلاء ان النزعة الاخوانية لا زالت تسيطر عليه، وتتحكم بأسلوب تعامله، ومحاباته لجماعة الدرب القديم. ولان معظم الأيديولوجيات السياسية ذات البعد الروحي تقدم كياناتها على صلات الدم والنسب؛ لم يكن مستبعدا أن يتخلى الحجري عن النظام، ويتنكر للرئيس، وإن كان صهره، لا سيما أن اللواء الأحمر، رجل الدولة الأول، قد فعل ذلك بعد ثلاثة عقود لم يكن خلالها مجرد صهر، بل اخا وظهرا تجمعه بالرئيس منذ الطفولة، القرية، والقبيلة، والحياة العسكرية، والشراكة الدائمة في الحكم، والاستئثار بالسلطة والثروة. وهو ما جعل مواقف الرجلين (محسن والحجري) محل احترام وتقدير قيادات وقواعد الاخوان، وعند حسن ظنها، مع فارق أن قوة الاحمر وصراحته العلنية بالتخلي عن ماضيه، كانت ضرورة حتمية ليصبح قائدا للثوة، ورأس حربتها، كما عجلت بسرعة الانقسام العمودي للنظام، بينما بدا أن مواربة الحجري ومداهنته ذات اثر استراتيجي، يغذي النظام وأنصاره بالوهم والسبات، ويمرر مخططات وغايات تجمع الاخوان بدون أدنى جلبه، ويضمن له الحفاظ على منصبه اذا ما نجحت الثورة بتسويق شعاراتها، وتنصيب قياداتها على رأس النظام.
.
سكتت النخب السياسية في اب عن الاختلالات والاوضاع المتردية التي شهدتها المحافظة، تنمويا وخدميا وامنيا، حيث تقاربت الظنون الحسنة وأجمعت القيادات الحزبية في المحافظة على سياسات الحجري، فبدت عين الرضى عن كل عيب كليلة، بينما أضحى السواد من الناس في إب يشكون مساوئ السلطة والمعارضة على حد سواء، غير ان المتغيرات التي برزت في شمال العاصمة صنعاء مطلع العام الحالي 2014 أثرت على موازين قوى العنف والتطرف المتصارعة مذهبيا وطائفيا ومناطقيا، وقبليا، كما القت بظلالها على إب بشكل دراماتيكي سريع. ورغم اخفاقهم في تغيير محافظ تعز المعين بقرار جمهوري، وعجزهم عن الغاء قرار لاحق بتعيين أحد وكلاء إب، وفشلهم في تغيير بعض الفاسدين فيها؛ تغيرت ظنون التيار المتطرف في ثورات الربيع العربي تجاه الحجري ، فأعلن الإخوان استمرار ثورتهم ضد الفساد، كأنما اكتشفوه بين ليلة وضحاها، بعد سنوات من الصمت المتعمد، والتعايش مع المصالح المشتركة. فنصبوا خيامهم أمام مبنى المحافظة (الرمز السياسي للحكومة المركزية) واغلقوا ابوابها، مطالبين برحيل المحافظ المنتخب ( المعادل الاعتباري لرئيس الجمهورية) دون أي اكتراث لمضامين المبادرة الخليجية، أو مخرجات الحوار الوطني. فبدت إب كبيدق شطرنج اكتسب اهميته من تحريك احد الطرفين لبيادق بعيدة، فسعى الطرف المقابل للتحكم بذلك البيدق والانتصار من خلاله، فحركة بشكل سيئ لعله يغير مجريات لعبة لا يجيدها.
.
برود الحجري وعدم انفعاله المباشر تجاه ذلك الفعل، بدا غريبا ومريبا، لدرجة أن القائلين بإخوانية الرجل، ذهبوا بظنونهم الى أن لاعتصام تم بموافقة وتواطؤ المحافظ ، ليتبع ذلك بتقديمه لاستقالته – وهو ما تردد - كنتيجة لضغط الشارع، وتأكيدا على استمرار الفعل الثوري، ونجاحه عمليا، دون الحاجة لانتظار ثمار المبادرة الخليجية، والحوار الشامل، وبالتالي تعيين محافظ جديد، أو نقل محافظ عمران الى إب للخروج بماء الوجه هناك، وإحداث التناغم المطلوب بينه وبين مدير الامن هنا، وضمان تنفيذ اجندات المستقبل، ومنها تعميم ذات الفعل في المحافظات المهيأة، للسيطرة عليها من جهة، والحد من توسع الحوثي في شمال الشمال من جهة اخرى. باستثناء تخوين المحافظ وتنسيقة المسبق مع المعتصمين اتفق المدركين لحقيقة ما جرى ويجري في اب مع بعض تفاصيل ذلك السيناريو، غير أنهم انقسموا الى فريقين، الاول بدا متشفيا وشامتا ولسان حاله: "يداك اوكتا وفوك نفخ"، بينما بدا الآخر متعاطفا ومشفقا ولسان حاله: " لا أمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له ".
.
رغم التشفي الموجع، والشفقة المؤلمة، والظنون السيئة؛ لم يهتم الحجري - حتى ذلك الحين - بالدفاع عن نفسه ولا تبرير مواقفه، كما لم يستفزه ذلك التصعيد، أو يخرجه عن طوره باتجاه اللامسوؤلية، وكعادته تعامل مع الامر بهدوء وروية، في ما بدا أنه يراهن على انتصار حكمة ابناء إب وعقلانيتهم، وقدرتهم على تجاوز تلك الازمة المفتعلة، التي ليس لهم فيها ناقة ولا جمل!! ولربما كان الامر سيمضي على ذلك المنوال، وباتجاه تلك الغاية، لولا ظهور متغير جديد وغير مسبوق، كسر جدار الصمت، وجعل الاحداث تتفاقم باتجاه لم يكن متوقع. وكي ندرك تأثير ذلك المتغير سنذكر أنفسنا بممارسات وضغوط الاخوان في تعز التي استمرت لفترة طويلة من الزمن، اتسعت خلالها احتجاجاتهم على سياسة المحافظ شوقي هائل، ووصلت مطالبهم بتغييره الى مجلس الوزراء، ورئاسة الجمهورية، وسنعرف أن أحدا لم يتدخل في شئون تعز، أو يستجب لتلك الدعوات. بالمقابل وعلى النقيض تماما – ولأسباب خفية - كانت بضعة ايام على اعتصامهم أمام مبنى محافظة اب كافية لتوريط باسندوة الذي انبرى ليضع نفسة طرفا في ازمة ناشئة، واضحة المعالم، وسهلة التقييم، ولم تكن المعضلة في استقباله لمنظمي الاعتصام، وانما في تأييدهم دون الاستماع للطرف الآخر المرتبط به رسميا، كما أنه لم يبد أي نية أو رغبه في اخماد الفتنة ونزع فتيلها بين ابناء المحافظة، فجعل من نفسه مشرعا ومشجعا لتعطيل الحكومة المركزية، وداعيا لهدم مفهوم الدولة، والتمرد على التسوية السياسية التي جعلت منه رئيسا للحكومة، ضاربا بيمينه الدستورية عرض الحائط.
.
لا شك ان ذلك السلوك اغضب اب، واستفز معظم أهلها، واثار حنق المحافظ الذي علمته التجارب ان تدخل الاخرين في خلافات ابناء المحافظة لا يحد منها بقدر ما يعقدها ويزيد من تفاقمها، ولو ان رئيس الحكومة وضع الحجري في الصورة كمسئول عن المحافظة لكان الأمر مثاليا، لكنه لم يتح له حتى فرصة ليرمي "غترته" بين يديه ليترك ابناء إب وشأنهم. ففاض الكيل وغادر الحجري صمته ليدهش الجميع بكلمته الشهيرة والمقتضبة بعد يوم واحد من فعل باسندوة، ربما كان عليه كمحافظ أن يتجنب الحديث عن حمق وغباء باسندوة وان كان ذلك متداولا بين عامة الناس وخاصتهم، غير أن الكلمة عموما كانت مبررة وضرورية، لاسيما ان باسندوة قد تعمد اب ولم يتجنبها كما فعل مع تعز وقيادتها، وقبل ذلك وبعلمه تعمدت وزارة المالية تجريد المحافظ من مسئولياته تجاه تنفيذ الخطط التنموية والانمائية في المحافظة، ثم تعمد تجريده ايضا من مسئولياته الامنية تجاه أبناء إب بعد قيام الداخلية بتعيين مدير امن في إب يمنعه ولاؤه الحزبي غالبا من تنفيذ توجيهات المحافظ، تلك المكاره وغيرها جعلت الحجري مضطرا لوضع الحروف على النقاط،، ومصرا على أن يعيد الامور الى نصابها من خلال تلك الكلمة.
.
الكلمة تضمنت رسالة واضحة للمعنيين، وأثرت على ترتيب موازين القوى داخل المحافظة، كما انعكست بشكل ما على طبيعة العلاقة بين الاطراف المتصارعة في محافظات أخرى، وبدونها ربما كان الوضع سيسوء أكثر، دون ان يدرك المتمترسين خلف ظنونهم أنهم زجوا بأنفسهم في فخ لا يحسدون عليه، ولولاها أيضا ما بادر وزير الداخلية بزيارة المحافظة، ليخرجهم بماء الوجه من ذلك الفخ، ويعيد للدولة هيبتها بدافع المسئولية الوطنية، خصوصا بعد فشل إدارة الأمن في تلك المهمة، أو تقاعسها عنها. غير أن ايجابيات تلك الكلمة تتمثل بكونها غيرت ظنونا سيئة وتصورات ومعتقدات كثيرة، كانت قد تراكمت في اذهان الناس عن الحجري، اذ كان من الصعب قبل الكلمة اقناع الكثير بأن ما فعله الرجل منذ2011 كان بدوافع ونوايا وطنية، وحرصا على حقن دماء ابناء المحافظة، والحفاظ على ما أمكن من الامن والاستقرار المفقود في معظم محافظات البلاد، فدحض بذلك تكهنات وظنون المتطرفين سواء كانوا في صفوف المؤتمر الشعبي، أو في التجمع اليمني للإخوان، وظهر بجلاء أن ما قام به الرجل لم يكن في سبيل ارضاء المؤتمر، ولا الاصلاح، ولا بفعل علاقته بصالح، أو محسن، وليس بهدف التقرب من باسندوة، أو هادي؛ بقدر ما كان استشعارا بالمسئولية أمام الله وتجاه الوطن. ببساطة شديدة استطاع الحجري بكلمته أن يستعيد اب، كما استعادته إب من جديد، فبدد في ثلاث دقائق ظنونا آثمة دامت ثلاث سنوات، وكادت ان تتحول الى حالة من القطيعة بين أم وأرشد أبنائها، لو لم تتجلى بعينيها حقيقة بره بها، وحبه لها، وحرصه على سعادتها في ما قام ويقوم به لأجلها، وعلى الرغم من ذلك لا زال المتطرفين في ظنونهم يرون ان الحجري ما كان له أن يبدوا بتلك القوة في وجه الاخوان؛ لولا إدراكه لانكشاف أمرهم، وتراجع حظوظهم، وانكسار شوكتهم، وفقدانهم لشعبيتهم، على المستويين الوطني والاقليمي، وما الحرب التي اعلنتها الكثير من الدول عليهم الا احد الدوافع التي غيرت مواقف الحجري من الاخوان!
.
يؤخذ على الكلمة انها تعرضت بشكل مباشر لرئيس الوزراء، الشخص الذي اجزم انه لم يكن يمتلك القرار فيما قام به، ورغم ذلك حمل الكثير باسندوة مسئولية ما حدث، إذ كان عليه كرئيس حكومة ان يتمتع بشيء من السياسة والكياسة، وأن يتريث ليبدو اكثر وقارا وحصافة، وان يتيح الفرصة الكافية للمنظمات، والفعاليات، والاحزاب، والشرائح الاجتماعية، حتى تدين الحجري، فيكسب تعاطف الاخرين، تاركا الكرة في مرمى تقديرات الرئيس هادي. لكن للأسف لم يتمالك باسندوة نفسه، وربما وجد في جهازه الاعلامي ملكيين أكثر من الملك، هولوا عليه الأمر، فأعدوا البيان وحفروا حفرة للحكومة بلا شعور، واضعين رئيس الجمهورية في موقف محرج للغاية، فصدر البيان الحكومي غزيرا بالشتائم، حتى وصفه البعض ب" قاموس البذاءات ". البيان ربما اوسع الحجري سبا وقدحا، لكنه في ذات الوقت لم يضعفه؛ بقدر ما عكس شعور كاتبه بالحرقة والانهزام والحاجة لرد سريع يملأه بالنصر بأي شكل كان، الكارثة أن تذييل البيان باسم الحكومة دون اجتماعها أو إعلامها، وتلاوته على القناة الرسمية، ربما فتح بابا عريضا للعن المتبادل بين المسئولين، وأكد الغياب الغير مبرر للمؤسسة الرئاسية، المؤسسة التي كان يفترض ان تتخذ قرارا حاسما وقويا، وأن تضع حدا لتلك المهزلة المهينة للدولة المفقودة، وهو بحسب بعض المصادر ما دفع رئيس الجمهورية لتعنيف رئيس حكومته، وجعل الاخير يغادر البلاد في ظروف غامضة، مشترطا اقالة وتغيير الحجري مقابل عودته.
.
ختاما طالما سلمنا بكوننا اصبحنا دولة اتحادية من ستة اقاليم واسعة الصلاحيات، وطالما سبق وان خضنا بنجاح تجربة انتخابات المحافظين دون تعزيزها، فقد بات من العبث وغير المعقول ان نتراجع الى الوراء، او نحاول سلب ابناء الاقاليم والمحافظات حقهم المشروع في اختيار قيادات سلطاتهم المحلية، لصالح قرارات فردية، أو اعتبارات سياسية، تفرضها السلطة المركزية، وهو ما يحتم على ابناء محافظة اب وغيرها من محافظات الجمهورية، الوقوف صفا واحدا للدفاع عن حقهم الديموقراطي في اختيار من يثقون به في ادارة شئونهم، ورفض أي قرارات لا تحترم ارادتهم، ولا تكترث لمشاركتهم السياسية في صنع القرار، ليس على مستوى المحافظات فحسب، بل في المديريات أيضا التي اصبح تعيين المدراء فيها خاضعا لمعيار التقاسم والمحاصصة الحزبية واحيانا للعلاقات الشخصية. ذلك بالطبع ليس دفاعا عن الحجري ولا رفضا لاستبداله بآخر كما قد يظن البعض، فنحن ندرك حجم المعاناة التي يعانيها المواطن في اب، ابتداء بالانفلات الامني وارتفاع معدلات الجريمة في المحافظة، ومرورا بتدني الخدمات التعليمية لصالح التعليم الاهلي المملوك في معظمة لبعض المسئولين عن التعليم الحكومي، اضافة الى تدهور الخدمات الصحية والاضعاف المتعمد لقدرات المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية، كي يلجأ المواطن للمستشفيات الخاصة التي تستثمر ارواح البشر دون رقابة او حساب، ناهيك عن الطرقات السيئة المترهلة بالحفر والتشققات، والاختناقات المرورية الناجمة عن تكاثر الاسواق الغير منظمة، وعشوائية محطات نقل الركاب، وتسخير الشوارع العامة لمعروضات الباعة، وتحول التقاطعات الهامة الى مواقف للدراجات النارية، وانتهاء بما يقوم به الفاسدين في المحافظة من ظلم وابتزاز للمواطنين والعبث بحياتهم، والاستغلال غير الانساني لحاجتهم ورغبتهم في العيش الكريم... الى غير ذلك من الاختلالات الكثيرة التي لا يمكن اعفاء قيادة المحافظة من تحمل مسئولياتها تجاهها، لكن ذلك العيب لا يمكن تجاوزه الا من خلال ارادتنا الجمعية، وقدرتنا على التغيير واستبعاد الملوثين، واختيار الأفضل عبر صناديق الاقتراع، التي يريدها البعض توابيتا للموت. وهو ما يحتم علينا الحفاظ على حقنا الاصيل في إحداث ذلك التغيير دون املاء من احد، وعدم التنازل عن ممارسة حقوقنا الديموقراطية التي آمنا بها، والتزمنا بمبادئها، وأكدنا تمسكنا بها في اطار المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.