فنتيجة لسياسية التقاسم والتنافس بين كل من المؤتمر الشعبي العام و الحزب الاشتراكي فقد زاد حجم كل من مؤسستي الجيش والأمن أضعافا مضاعفة. ونظرا لاحتكار الحزبين لهاتين المؤسستين فقد تم شراء صمت الأحزاب المعارضة من خلال تضخيم الجهاز البيروقراطي للدولة التوازن المفقود بين الدولة و القطاع الخاص في اليمن! (2-2) أ.د.سيف العسلي أحد أهم أسباب الاختلالات الاقتصادية و السياسية..التوازن المفقود بين الدولة و القطاع الخاص في اليمن! من الواضح الجلي ان هناك اختلالا مزمنا بين مؤسسات الدولة و مؤسسات القطاع الخاص. فالتحليل التاريخي لتطور هذين المؤسستين يؤيد ذلك. إذ انه يمكن القول بأنه لم يكن هناك أي وجود لما يمكن أن يطلق عليه مؤسسات الدولة أو مؤسسات القطاع خاص في الشطر الشمالي من الوطن قبل قيام ثورة السادس و العشرين من سبتمبر. فقط كان يوجد أمام ورعية. و لقد ترتب على ذلك تخلف كل من الاقتصاد و السياسية و الاجتماع. صحيح انه كان هناك شكل من أشكال القطاع الخاص في الشطر الجنوبي من الوطن في ظل الاحتلال الأجنبي ولكن الصحيح أيضا أن ذلك القطاع كان يعمل في التجارة فقط. ونظرا لعدم وجود دولة وطنية فلم يتم العمل على تطويره ليكون قادرا على خدمة الوطن و ليس فقط التركيز على خدمة المستعمر. وبعد قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر في الشطر الشمالي فانه لم يتم التركيز على بناء كل من مؤسسات الدولة ومؤسسات القطاع الخاص. وربما يرجع ذلك للانشغال في ذلك الوقت بالحرب الأهلية وما ترتب عليها من إهدار للموارد فانه لم يتم الاهتمام بتنظيم كل من مؤسسات القطاع الخاص ومؤسسات الدولة. ففي المجال الاقتصادي كان هناك الحديث عن اقتصاد اشتراكي على غرار ما كان يحدث في مصر على الرغم من الظروف الاقتصادية في اليمن كانت بدائية. أما في المجال السياسي فقد تم التركيز على تثبيت سلطة الثوار على حساب سلطة الشعب. و نتيجة لذلك فقد تم الاعتماد على المساعدات الخارجية لتمويل نفقات الدولة و على الاغتراب إلى الخارج في توفير الوظائف للعاطلين. و نتيجة لذلك فقد اقتصر نشاط القطاع الخاص على استيراد السلع من الخارج و تقديم بعض الخدمات المحدودة التي تعتمد على عناصر الإنتاج المحلية. و بالمثل فقد تم التركيز على بناء مؤسسات الدولة التي تتولى حماية السلطة أي الجيش والأمن. أما في الشطر الجنوبي من الوطن بعد الاستقلال فقد تم الاهتمام في بناء مؤسسات الدولة على غرار ما كان يجري في معسكر الدول الاشتراكية. و نتيجة لذلك فقد تم تطهير البلاد من مؤسسات القطاع الخاص التي كانت موجودة قبل الاستقلال. كانت النتيجة أن التهمت مؤسسات الدولة كل مؤسسات القطاع الخاص. فما تم بنائه من مؤسسات قد اقتصر فقط مؤسسات كل من الحزب الحاكم و الجيش والأمن والمليشيات. و في نهاية المطاف سقطت مؤسسات الدولة هذه و لم يبقى منها أي شيء لا اقتصادي ولا سياسي. وعلى أنقاض هذه التجارب الفاشلة قامت مؤسسات القطاع الخاص ومؤسسات الدولة بعد توحيد شطري اليمن في عام 1990. فقد تكون القطاع الخاص في الدولة الجديدة من مجموعات من المؤسسات الفاشلة سواء على المستوى السياسي والاقتصادي. فقد تم تقاسم مؤسسات الدولة من قبل الحزبين الحاكمين. أما مؤسسات القطاع الخاص فقد تكونت من بعض البيوت التجارية التي هربت من الجنوب إلى الشمال. و للأسف الشديد فإن الدولة الجديدة لم تولي مؤسسات القطاع الخاص أي اهتمام و اقتصر اهتمامها فقط على دمج وترتيب مؤسسات الدولة. وقد أغرت تدفقات الإيرادات النفطية السير في هذا الاتجاه. والدليل على ذلك أن الأزمات السياسية هي التي سيطرت على جميع الفعاليات خلال الفترة من 1990-1995. فنتيجة لسياسية التقاسم والتنافس بين كل من المؤتمر الشعبي العام و الحزب الاشتراكي فقد زاد حجم كل من مؤسستي الجيش والأمن أضعافا مضاعفة. ونظرا لاحتكار الحزبين لهاتين المؤسستين فقد تم شراء صمت الأحزاب المعارضة من خلال تضخيم الجهاز البيروقراطي للدولة. إذ أن هذا الجهاز أصبح يضمن كل قيادات الأحزاب ومعظم كوادرها. ولقد ترتب على ذلك زيادة عدد موظفي الخدمة المدنية عشرات الأضعاف وتم التلاعب بمراتبها و قيادتها مما أدى إلى اختلال واضح بين قاعدتها و رأسها. فالرأس أصبح أكبر بكبير من الأرجل. ولا يمكن لأي رجل أن يمشي على الأرض مطمئناً إذا كان رأسها أثقل من رجليه. و بعد أن أصبح من غير الممكن احتواء كل من الموالين و المعارضين للسلطة في اجهزة الدولة المختلفة فقد تم احتوائهم في انشطة القطاع الخاص. و قد تم ذلك من خلال إعطاء التراخيص للأشخاص المرغوب بهم. والأغرب من ذلك أن توسعت سياسية الإرضاء لتشمل إرساء المناقصات والعطاءات لأناس لا علاقة لهم بالاستثمار والتجارة والمقولات وإنما فقط لأنهم من أبناء النافذين في السلطة أو ممن يرغب في استمرار ولائهم السياسي. لقد ترتب على ذلك تشابك كل من مؤسسات القطاع الخاص و مؤسسات الدولة بطريقة غير منسجمة و مضرة. فالمال العام أصبح فيدا لبعض المحسوبين للقطاع الخاص. و المال الخاص هو الآخر أصبح فيدا لبعض المحسوبين على مؤسسات الدولة. و لذلك فقد تماهت معاير العمل في كل من المؤسستين. فبعض قيادة الدولة لا تتردد في ان تمارس التجارة و الاستثمار كقطاع خاص و بعض مؤسسات القطاع الخاص تتصرف بشئون الدولة هي لا تحتل اي مركز قيادي او غير قيادي فيها. من المؤكد أن هذه الأوضاع قد أدت إلى تركز الاستثمارات بيد القلة وإلى توسع الأنشطة الطفلية مثل المقاولة من الباطن وإلى تشوه التجارة من حيث أنها مثلت اتجاها واحدا و هو الاستيراد من تصدير و الاستيراد بدون معاير و الى تعثر المشاريع لعدم توفر المتطلبات الضرورية لمن أوكلت إليهم مهام تنفيذها وإلى غياب المواصفات و غياب التخطيط و الى زيادة الفجوة بين المواطنين. إن إصلاح اليمن يتطلب سرعة إزالة هذه التشوهات من خلال العمل بكل جد على إيجاد توازن جديد بين مؤسسات القطاع الخاص و مؤسسات الدولة. فبدون ذلك لا يمكن تحصيل الضرائب من التجار و لا الاستفادة من المنح و القروض الخارجية و لا من تشجيع الاستثمار المحلي و لا جذب الاستثمارات المحلي. و بدون ذلك لا يمكن السيطرة على كرة الفقر التي تلتهم احلام غالبية المواطنين. إن الشروط الضرورية لإيجاد هذا التوازن هو الإقرار بمتطلبات العمل في مؤسسات الدولة و الحرص على تطبيقها وكذلك الإقرار بمتطلبات العمل في مؤسسات القطاع الخاص و الحرص على تطبيقها. فالعمل في مؤسسات الدولة ينبع من كونه خدمة عامة لا تهدف إلى تحقيق الثراء. فقط يعطى من يزاولها ما يكفيه ان يعيش هو وأسرته حياة كريمة. ولذلك فإن العمل في مؤسسات الدولة أن يفتح لكل من يقبل بذلك. ولا بد من تشديد الرقابة على العاملين في مؤسسات الدولة حتى لا يغيرون رأيهم فيحولون الوظيفة العامة إلى مصدر للثراء غير المشروع. و من ذلك عدم السماح بالجمع بين العمل في مؤسسات الدولة والعمل في القطاع الخاص تحت أي ظرف من الظروف. و من ذلك تطبيق قانون الذمة المالية من حيث الإفصاح عما يمتلكه الموظف العام قبل التحاقه في الوظيفة العامة و اثناء تواجه فيها و بعد خروجه منها. و منه تطبيق مبدأ من أين لك هذا؟ ومن ذلك تطبيق الحياد الوظيفي بحث لا يتم الربط بين الولاء السياسي والوظيفة العامة ولا بين أداء الموظف لوظيفته وانتماءاته السياسية. أما العمل في مؤسسات القطاع الخاص فانه يجب ان يكون مكفولا لكل مواطن يرغب في ذلك و ليس موظفا عاما و يلتزم بالقانون و يتحمل نتائج عمله. و اجل تحقيق ذلك فانه لا بد و ان تكون قواعد مزاولة أنشطة القطاع الخاص محايدة و ممكنة و غير مكلفة. وبالتالي فان كل من تتوفر فيه ذلك يسمح له بمزاولة النشاط التي يرغب فيه من غير تدخل غير مقنن من مؤسسات الدولة. و من ذلك السماح لكل من يرغب في الحصول على مناقصات أو مزايدات عامة بحرية و المفاضلة بينهم من خلال المعاير الواضح و الصريحة. و من ذلك أن تعمل الدولة و مؤسساتها على تشجيع المبدعين لأنهم كذلك بعض النظر على انتمائهم السياسي أو المناطقي أو غير ذلك من الاعتبارات المتحيزة. في هذه الحالة فقط سيكون من الممكن حماية الملكية العامة و الملكية الخاصة و سيكون من الممكن التكامل بين كل من مؤسسات القطاع الخاص و مؤسسات الحكومة و سيكون من الممكن مطالبات مؤسسات الدولة بالقيام بواجباتها ( الامن و العدالة و التعليم و الصحة و الضمان الاجتماعي و البنية التحتية) و كذلك مطالبات مؤسسات القطاع الخاص القيام بواجباتها ( دفع الضرائب و توفير فرص للعاطلين و استغلال موارد البلاد ذات الطبيعة الخاصة). ان ذلك نقطة انطلاق اليمن في طريق الازدهار والحرية والاستقرار. وما عدا ذلك فما هو إلا ذر للرماد في العيون. و من المؤكد أن هذا الرماد سيصيب كل العيون ليس فقط ع يون البعض.