ينطوي الأسبوع الأول للقرار الدولي 2014 حول الوضع في اليمن في حين ما يزال موقف دار الرئاسة في صنعاء متناقضاً بين القول بقبول القرار وإظهار المؤشرات العملية على رفضه ومواجهته. طوال أيام الأسبوع ظلت خروقات السلطة لقرار مجلس الأمن الدولي تترى في كل من صنعاء وتعز: من قتل المتظاهرين السلميين وقمعهم والتنكيل بهم، إلى استخدام القوة العسكرية لأغراض سياسية من طرف واحد، واستمرار العنف والتحريض عليه، في حين جرى تأويل القرار بأنه مجرد دعوة دولية للحوار الداخلي يتيح بقاء علي صالح في سدة الحكم حتى ما بعد الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في يوم ما، إن حصل الاتفاق على ذلك!! وسط رفض الثوار لاستمرار المراوغة والتحايل على القرار الدولي جاء تفسير القرار في تصريحات المسؤولين في الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن متطابقاً مع موقف الثوار في الساحات وقيادة الثورة السلمية والأحزاب السياسية في اليمن: المطلوب هو تنحي علي صالح عن السلطة فوراً لتبدأ إجراءات المرحلة الانتقالية بموجب المبادرة الخليجية والآليات المنفذة لها في خطة الأممالمتحدة، وهذا هو مفهوم التسوية السياسية لنقل السلطة سلمياً استجابة لطموحات الشعب اليمني وتطلعاته في التغيير والحرية والديمقراطية والمواطنة المتساوية. آخر تناقض الخطاب الرسمي إزاء القرار الأممي ما كشفته الخارجية الأمريكية من أن علي صالح أبلغ السفير جيرالد فيرستاين الثلاثاء التزامه بخطة التنحي، بعد يوم من بيان رئاسي نقلت عنه وكالة سبأ الحكومية دعوة علي صالح المعارضة إلى حوار من أجل التوصل إلى «اتفاق تسوية» حول آليات تنفيذ المبادرة الخليجية مشترطاً التوقيع المتزامن على الخطة التنفيذية والمبادرة الخليجية «بما يفضي إلى انتخابات مبكرة» تتفق جميع الأطراف على موعدها. لئن أغفل قرار مجلس الأمن ذكر الثورة الشبايبة الشعبية صراحة فإنه يعترف بها ضمنياً إلا أن البيان الرئاسي وقد أراد العودة إلى مربع الصفر يؤشر على عدم الرغبة في تنفيذ القرار الدولي بالاستناد إلى فذلكة لغوية تفسر القرار على أنه هدف إلى ايجاد اتفاق تسوية «جديد» في حين تحدث القرار عن اتفاق التسوية الناجز على أساس المبادرة الخليجية التي باتت اتفاقاً بعد توقيع المشترك والمؤتمر الشعبي العام ولم يبق إلا توقيع علي صالح ليتسنى تنفيذ باقي بنود المبادرة الخليجية. على الأرجح فإن الممانعة الظاهرة في تنفيذ القرار تأتي امتداداً لما سبقه، حين اجتمع علي صالح بقيادة المؤتمر ومساعديه العسكريين والأمنيين من أجل ما سمي مواجهة القرار المرتقب، والذهاب بعد ذلك إلى التصعيد العسكري في صنعاء وتعز على غرار التصعيد الذي رافق عودة علي صالح من مشفاه في العاصمة السعودية أواخر سبتمبر الماضي وصولاً إلى الحرب الشاملة. تقول الوقائع اليومية ان الآلة العسكرية والأمنية (مع رصاص القناصة بلباس مدني) سادرة في غيها دون أن تحفل شيئاً بقرار مجلس الأمن وهي ترتكب المذابح بحق الثوار السلميين والمدنيين في التجمعات السكنية دون أن يرف لها جفن. يرى المراقبون أن التصعيد العسكري والأمني يرمي إما إلى فرض واقع جديد قبل مجيء مبعوث الأممالمتحدة وأمين عام مجلس التعاون الخليجي لمتابعة تنفيذ القرار، أو على الأقل كسب أوراق تفاوضية في «الحوار» المزعوم، إلا أن التصعيد فشل على ما يبدو حتى الآن وعاد بنتائج سلبية أمام مجتمع دولي شرع في فتح عينيه واسعة على سلوك «الاطراف اليمنية» وليس من المستبعد الذهاب إلى فرض عقوبات محتملة والتعامل مع التطورات اللاحقة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة. وإذا كان القرار 2014 واضحاً في التعبير من مخاوف المجتمع الدولي من انزلاق اليمن إلى الفوضى، وقال الفاعلون الدوليون إن المشكلة لم تعد يمنية بل تهم الأمن والسلم العالميين، محذرين من مخاطر العنف والتطرف وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. فقد كان الموقف الاقليمي واضحاً أيضاًقبل القرار وبعده في رفض تعديل المبادرة الخليجية وسارت المعارضة اليمنية في الاتجاه ذاته: الرفض القاطع لأي تعديل في المبادرة ولو لحرف واحد. أكد ذلك محمد قحطان الناطق الرسمي باسم تكتل المشترك قائلاً: «أي حديث عن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة مع بقاء الرئيس علي صالح في رئاسته يتنافى مع الدستور بل ينسف المبادرة الخليجية من أساسها». المجلس الوطني لقوى الثورة السلمية اعتبر العودة إلى الحوار مضيعة للوقت بينما الأعمال العسكرية تحاول فرض أمر واقع متوهم تحقيقه في ظل ثورة شعبية متصاعدة. وإذ قال سفير الاتحاد الأوروبي في صنعاء أمس «ان 25 مليون يمني لا يمكن ان ينتظروا إلى ما لا نهاية للخروج - مما اسماها - الأزمة الراهنة بتوافق وطني شامل»، كانت الأممالمتحدة حذرت من تحول اليمن إلى صومال ثان في المنطقة. الملاحظ ان قوى الثورة السلمية تكسب مواقف ومواقع جديدة في الدبلوماسية الدولية والمحافل العربية كما يتضح من لقاءات قادة المعارضة وممثلي المجلس الوطني لقوى الثورة في الخارج: روسيا، الجامعة العربية والكثير من المنظمات والشخصيات، في حين تزداد عزلة بقايا النظام ويتحدث المراقبون عن توثيق جرائم النظام الجديدة في صنعاء وتعز، وسط مطالبات من الثوار بالإسقاط النهائي لحصول أركان النظام على أي حصانة من المساءلة والملاحقة القضائية بما في ذلك القضاء الدولي في محكمة الجنايات الدولية. وقد بدأت مجلة وزارة الخارجية الأمريكية في بعث رسائل إلى أركان النظام تكشف استثماراتهم في الخارج فإن استمرار المطالبات في تجميد أموالهم في البنوك الدولية قد تؤتي أكلها في حال استمر الصلف الاستبدادي ولن تضيع ارواح الشهداء ودماء الجرحى سدى، وما ضاع حق وراؤه مطالب.