أساليب أرهابية منافية لكل الشرائع    المحطات التاريخية الكبرى تصنعها الإرادة الوطنية الحرة    مهام العليمي وبن مبارك في عدن تعطيل الخدمات وإلتقاط الصور    رئيس انتقالي شبوة: المحطة الشمسية الإماراتية بشبوة مشروع استراتيجي سيرى النور قريبا    حرب غزة تنتقل إلى بريطانيا: مخاوف من مواجهات بين إسلاميين ويهود داخل الجامعات    ضوء غامض يشعل سماء عدن: حيرة وتكهنات وسط السكان    العدالة تنتصر: قاتل حنين البكري أمام بوابة الإعدام..تعرف على مراحل التنفيذ    أتالانتا يكتب التاريخ ويحجز مكانه في نهائي الدوري الأوروبي!    الدوري الاوروبي ... نهائي مرتقب بين ليفركوزن وأتالانتا    متصلة ابنها كان يغش في الاختبارات والآن يرفض الوظيفة بالشهادة .. ماذا يفعل؟ ..شاهد شيخ يجيب    في اليوم 216 لحرب الإبادة على غزة.. 34904 شهيدا وأكثر من 78514 جريحا والمفاوضات تتوقف    قوة عسكرية جديدة تثير الرعب لدى الحوثيين وتدخل معركة التحرير    لا وقت للانتظار: كاتب صحفي يكشف متطلبات النصر على الحوثيين    الحوثي يدعو لتعويض طلاب المدارس ب "درجات إضافية"... خطوة تثير جدلا واسعا    مراكز مليشيا الحوثي.. معسكرات لإفساد الفطرة    ولد عام 1949    الفجر الجديد والنصر وشعب حضرموت والشروق لحسم ال3 الصاعدين ؟    فرصة ضائعة وإشارة سيئة.. خيبة أمل مريرة لضعف استجابة المانحين لليمن    هموم ومعاناة وحرب خدمات واستهداف ممنهج .. #عدن جرح #الجنوب النازف !    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    باذيب يتفقد سير العمل بالمؤسسة العامة للاتصالات ومشروع عدن نت مميز    أمين عام حزب الشعب يثمن موقف الصين الداعم للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة مميز    دواء السرطان في عدن... العلاج الفاخر للأغنياء والموت المحتم للفقراء ومجاناً في عدن    منذ أكثر من 70 عاما وأمريكا تقوم باغتيال علماء الذرة المصريين    لعنة الديزل.. تطارد المحطة القطرية    الخارجية الأميركية: خيارات الرد على الحوثيين تتضمن عقوبات    تضرر أكثر من 32 ألف شخص جراء الصراع والكوارث المناخية منذ بداية العام الجاري في اليمن    المحكمة العليا تقر الحكم بإعدام قاتل الطفلة حنين البكري بعدن    اعتدنا خبر وفاته.. موسيقار شهير يكشف عن الوضع الصحي للزعيم ''عادل إمام''    الأسطورة تيدي رينير يتقدم قائمة زاخرة بالنجوم في "مونديال الجودو – أبوظبي 2024"    تصرف مثير من ''أصالة'' يشعل وسائل الإعلام.. وتكهنات حول مصير علاقتها بزوجها    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بوزارة الخارجية وشؤون المغتربين    "صحة غزة": ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و904 منذ 7 أكتوبر    وفاة الشيخ ''آل نهيان'' وإعلان لديوان الرئاسة الإماراتي    الدين العالمي يسجل مستوى تاريخيا عند 315 تريليون دولار    امتحانات الثانوية في إب.. عنوان لتدمير التعليم وموسم للجبايات الحوثية    5 دول أوروبية تتجه للاعتراف بدولة فلسطين    ريال مدريد يقلب الطاولة على بايرن ميونخ ويواجه دورتموند في نهائي دوري أبطال أوروبا    أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية اليوم الخميس    تصاعد الخلافات بين جماعة الحوثي وحزب المؤتمر والأخير يرفض التراجع عن هذا الاشتراط !    بعد وصوله اليوم بتأشيرة زيارة ... وافد يقتل والده داخل سكنه في مكة    جريمة مروعة تهز مركز امتحاني في تعز: طالبتان تصابا برصاص مسلحين!    قصر معاشيق على موعد مع كارثة ثقافية: أكاديمي يهدد بإحراق كتبه    دوري ابطال اوروبا .. الريال إلى النهائي لمواجهة دورتموند    مدير عام تنمية الشباب يلتقي مؤسسة مظلة    استشهاد وإصابة 160 فلسطينيا جراء قصف مكثف على رفح خلال 24 ساعة    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    البدعة و الترفيه    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عطا: حرب 94 نكبة على اليسار ويحتاج الى توسيع رقعة التحالفات من أجل تمثيل المصالح الطبقية
نشر في الاشتراكي نت يوم 30 - 08 - 2013

قال أستاذ فلسفة العلوم ومناهج البحث والمنطق كلية الآداب جامعة عدن الدكتور سامي عطا إن العدالة هي المذهب السياسي الذي يحقق الرضا لدى الكثرة الساحقة من الناس ولأن القلة لا يجوز إهمالها؛ فيمكن أن تكون هناك استثناءات لتجاوز المظالم الواقعة على فئات معينة مهما بلغ صغرها وهذا مقتضى الإنصاف.
واعاد عطا في ورقة عمل قدمها في "مؤتمر اليسار اليمني للعدالة الاجتماعية" معاناة اليسار الى هشاشة البنية الاجتماعية وتقليديتها وضعفها أثرت كثيراً على أن تنتج فكراً يسارياً رصيناً يفرض تحولات حقيقية وجذرية فيها وعليه ؛ فإن هشاشة وضعف البنية الاجتماعية أثرت سلباً على قوى اليسار, وشهد اليسار صراعات كثيرة أضعفت بنيته ومشروعه.
واشار في ورقة المعنونه " اليسار اليمني والعدالة الاجتماعية- مقاربة نقدية " الى أن حرب 94م جاءت نكبة بالغة القسوة على اليسار اليمني, وما كان لها أن تكون بهذا القدر لولا أخطأ البدايات من الوحدة المتعجلة غير المدروسة التي قادتها العاطفة وغاب العقل عنها.
وقال عطا أن هاجس شعار الوحدة كان طاغياً وسمة مرحلة المد القومي وهو السبب المباشر الذي قاد للأنظمة الشمولية في غير قطر عربي، ولهذا أعتقد أن اليسار بحاجة لأن يشرع في بناء نفسه على أساس من الفيدرالية الحزبية تعكس طبيعة التعدد والتنوع القائم في المجتمع اليمني وتعترف به.
وأكد عطا أن نشاط اليسار إعلامياً كماً وكيفاً بائس وباهت ويفتقر للتأثير على الرغم من الجهود المبذولة. مشيرا الى انه لم يستطع بعد التحولات الفكرية الانتقال من يسار أحزاب " الشيوعية" الأممية الثالثة إلى يسار أحزاب " الاشتراكية الديمقراطية" الأممية الثانية, وكما هو معروف أن الأولى تناضل من أجل إرساء مفهوم المساواة, بينما الثانية تنشط باتجاه إرساء مفهوم العدالة الاجتماعية.
واضاف أن اليسار يحتاج توسيع رقعة التحالفات من أجل تمثيل المصالح الطبقية، ويمكن تلخيصها على ضوء واقعنا اليمني كل الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية المؤمنة بالمدنية والحداثة وإقامة الدولة المدنية. معتقدا انه بحاجة لتوسيع دائرة تحالفاته الطبقية المعبر عن مصالحها.
واوضح عطا إن اليسار اليمني وبالنظر إلى التركيبة الاجتماعية الاقتصادية للمجتمع اليمني بحاجة لأن يحقق فك ارتباط بين قوى المدنية والحداثة عن القوى التقليدية, فهذا التماهي والذوبان في المواقف أفقده هويته, بل عطل من صورة الواقع السياسي, حيث تشوه واقع المعارضة.
واشار عطا الى ان الأفكار الظلامية السائدة والمتأصلة في المجتمع كبلت اليسار وبسببها ظل متهماً مداناً.
وقال عطا ظل اليسار اليمني أسير نظريات في العدالة الاجتماعية مستوردة أو ليست نتاج واقعها المحلي. مطالبا اليسار بأن يحرر نفسه من حالة الشعور بالانتكاسات والهزائم التي مني بها.
واضاف عطا على اليسار أن يبارح رؤيته الحالية للسياسة التي تفصح عنها ممارساته السياسية, فعليه أن لا ينظر إلى السياسة باعتبارها دوجما, ويبارح مفهوم السياسة بوصفها فن الممكن ويتجه صوب تعريفها باعتبارها علم إدارة مصالح الناس المتناقضة بالضرورة من أجل الحفاظ على السلم الأهلي والوئام الاجتماعي.
نص ورقة العمل :
اليسار اليمني والعدالة الاجتماعية- مقاربة نقدية
إعداد: د. سامي أمين عطا *
ورقة مقدمة لِ
"مؤتمر اليسار اليمني للعدالة الاجتماعية"
اليمن- صنعاء.
28- 29 أغسطس 2013
أولاً : فكرة العدالة تاريخياً
1.العدالة في الفكر اليوناني
مما لا شك فيه, أن فكرة العدالة تدرجت صعوداً في مفهومها, ولا زال المفهوم في حال من عدم الاستقرار والاكتمال حتى وقتنا الراهن, أن القوة هي الحق, وان العدالة هي مصلحة الأقوى, وأن الحكومات المختلفة سواء أكانت ديمقراطية, أو ارستقراطية, أو اوتوقراطية تسن القوانين وفقاً لمصالحها, وتستخدم هذه القوانين لخدمة مصالحها، إن هذه الحكومات تقدم لشعبها ما تسميه بالعدالة وتعاقب كل من يتجاوز حدود هذه العدالة, أو ينتهك حرمتها, وهذه العدالة تظهر واضحة في الحكومة الأوتوقراطية « المستبدة » التي تستولي على السلطة بالغش والخداع والقوة، وعندما يغتصب الحاكم المستبد أموال الشعب يحيله إلى عبيد, وبدل أن نسميه لصاً ومختلساً ونصاباً نسميه سعيداً ويباركه الجميع « والكلام هنا لأفلاطون » ولا يجرؤ احد على لومه, أو انتقاده بسبب الخوف من بطشه. لكن أفلاطون خاطر على حد تعبير «ول ديورانت» ووضع تعريفاً للعدالة يقول : العدالة هي أن يملك الإنسان ويفعل ما هو ملكه"( ول ديورانت قصة الفلسفة )، والعدالة عند أفلاطون هي المعاملة بالمثل أو التكافؤ, إنما الخلل الرئيسي في رؤية أفلاطون هو أنها لا تقوم على فكرة أو مبدأ المساواة بين البشر, ونحن نعرف أن أفلاطون كان يعيش في مجتمع أثينا المنفتح وشبه الديمقراطي، لكن مجتمع إسبرطة ذا الطبيعة الأرستقراطية العسكرية كان مثاله الأعلى.
أما أرسطو في كتابه: الأخلاق إلى نيقوماخوس، وفي كتابه: السياسة. لا تتأسس العدالة عنده على المساواة بين البشر في الطبيعة والقيمة الإنسانية والحقوق، بل يظل المجتمع طبقات وفيه الأحرار والعبيد الذين يتفاوتون في الحقوق والقيم. وهدف هؤلاء الأحرار في المدينة هو الوصول إلى السعادة أو تحقيقها، وإن تفاوتوا تفاوتا شديدا في أفكارهم ومصالحهم بما يحقق السعادة لكل منهم. إنما في النهاية هناك قيم أربع هي: الحكمة والشجاعة والاعتدال (أو التوسط) والعدالة.
والسير في طريق هذه القيم هو الذي يحقق السعادة. لكن مجتمع المدينة هو مجتمع سياسي، وله طرائقه الجماعية لتحقيق السعادة المستندة إلى هذه القيم. ذلك أن هذه الفضائل تتحول في المجتمع السياسي إلى فضائل سياسية، شرطاها الحرية والنظام أو الانتظام. وإذا كانت المدينة الفاضلة عند أفلاطون هي مدينة الحكماء والفلاسفة؛ فإن المدينة الفاضلة عند أرسطو والتي تزدهر فيها القيم السياسية السالفة الذكر هي المدينة ذات النظام الملكي، وليست المدينة التي تحكمها القلة أو يحكمها الرعاع (= الديمقراطية).
2.فكرة العدالة من النهضة إلى العصر الحديث
في حين جاء مفهوم العدالة زمن النهضة حتى العصر الحديث في سياق مختلف, لأنه نتاج تغيرات اجتماعية ومع ظهور الراسمالية, حيث ساد القول بمفهوم المساواة بين البشر في الطبيعة والعقول والحقوق. بينما التفاوتات التي نراها تأتي من التعليم والتربية، دون أن ينتقص ذلك من القيمة أو الحق. وجاء الفيلسوف الالماني إيمانويل كانت (1727-1804) فوضع فكرة الواجب الأخلاقي النابع من الضمير الإنساني, في حين أسس جان جاك روسو (1712-1778م) المسألة على فكرة الاختيار المؤدي إلى العقد الاجتماعي. ومنذ ذلك الحين ساد الفكر الغربي كله مذهبان في فهم المجتمع وقيمه وأهدافه: فكرة المنفعة، وفكرة الواجب. فالمنفعة المشتركة هي التي يتوافق عليها الناس فينشئون النظام السياسي الذي يحققها - أما الكانطيون فظلوا مصرين على أن فكرة الواجب هي التي تنجم عن العقد أو التعاقد، فتنشئ الدولة، كما تؤسس لتحقيق العدالة القائمة على المساواة والحرية. في حين درس توماس هوبز(1588-1679م) أساس التعاقد أو العقد الاجتماعي. فرأى أن كل فرد يميل إلى تحقيق الحدود القصوى من منفعته الشخصية، وهكذا تتضارب المصالح، وتقوم( حرب الجميع على الجميع) ويستحيل قيام المجتمعات الإنسانية، ولذا يلجأ الجميع قسرا إلى إقامة السلطة الفارضة للنظام بالقوة للمطامح والمطامع. فحق السلطة مطلق لأنه ضروري للبقاء الإنساني والاجتماعي، والسلطة (بما هي عادلة بالطبيعة) قادرة على فرض الاستقرار، وحفظ الحقوق أو ضمانها.
وعارض جون لوك (1632-1704) رؤية الفيلسوف هوبز( عاشا في زمن واحد أو بالأصح تعاصرا), حيث رأى لوك أن التعاقد الأصلي يقوم على التوافق النابع من حرية الاختيار، لأن الإنسان بطبيعته خير. وهذا أساس قيام المجتمع المدني الذي تكون الديمقراطية هي السبيل الأمثل لتحقيق السعادة فيه لسائر الفئات. وقد سادت في المجتمعات الحديثة فكرتا روسو ولوك، وإن ظل الصراع قائما على ماذا يحقق في الحقيقة مجتمع العدالة والخير العام.
وترى الماركسية وبالنظر إلى حتمية الصراع الاجتماعي، إن المنافسة عامل حاسم من عوامل بناء وتركيبة المجتمع الاقتصادية والسياسية، وان انعدام العدالة الاجتماعية يؤدي إلى حتمية الصراع الطبقي؛ لان سبب انعدام العدالة حسب رأي رائد هذه المدرسة (كارل ماركس) يعود إلى أن تراكم الثروة عند أفراد الطبقة الرأسمالية هو الذي ساهم في تصميم شكل القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يسيطر بها هؤلاء على مصير الطبقات الاجتماعية الأخرى, وعليه ينشأ التفاوت الطبقي, ولا يمكن إزالته إلاّ بواسطة الثورة.
بينما ظهر في الفلسفة المعاصرة الفيلسوف الأمريكي جون روالز (1921-2002م) الذي أثار لغطاً كبيراً منذُ بداية السبعينيات عندما أصدر كتابه ( في العدالة)1971م, ومن ثم أصدره بعد تنقيحه بناءً على الملاحظات والانتقادات تحت عنوان (العدالة كإنصاف), اعتبره الكثيرين أهم علماء الفلسفة السياسية في القرن العشرين. وكما هو معروف " المجتمع الأمريكي يحتقر المساواة, وهو لا يكتفي بالتسامح مع اللامساواة في أقصى أشكالها, بل إنه يعتبرها رمز" النجاح" الذي تحققه الحرية, مع أن الحرية دون المساواة تعني الوحشية والعنف بجميع أشكاله الذي تنتجه هذه الإيديولوجية الأحادية ليس من قبيل الصدفة, ولا يدفع إلى الراديكالية بل بالعكس. أما الثقافة السائدة في المجتمعات الأوروبية فقد وازنت حتى اليوم بقدر من النجاح بين قيمتي الحرية والمساواة, وهذه الموازنة هي التي قام عليها الحل الوسط التاريخي للاشتراكية الديمقراطية"( ), وروالز يقدم العدالة (الاجتماعية والسياسية) على الخير العام والنظام السياسي الليبرالي هو الأدنى لتحقيق العدالة التي تعني بالتحديد: الإنصاف. فهو أدنى إلى فكرة الواجب عند الفيلسوف (كانت)، وأبعد من الفلسفة النفعية الإنجليزية عند الفيلسوف بينتام، والبراجماتية الأميركية. رأى روالز أن عدم التساوي الاقتصادي يجب أن يخضع لشرطين:
أولا: أن يحصل على المواقع والوظائف بصورة مفتوحة للجميع وبشروط تضمن المساواة في الفرص.
ثانيا: أن يعود هذا الفرق الاقتصادي بالنفع على أقل أفراد المجتمع استفادة.
إن العدالة هي المذهب السياسي الذي يحقق الرضا لدى الكثرة الساحقة من الناس ولأن القلة لا يجوز إهمالها؛ فيمكن أن تكون هناك استثناءات لتجاوز المظالم الواقعة على فئات معينة مهما بلغ صغرها وهذا مقتضى الإنصاف، وهكذا فإن النظام الديمقراطي الليبرالي المرن، والقائم على التوافقات المتراكمة، هو الذي يحقق المثال الذي يريده روالز للعدالة بوصفها إنصافا.
ثانياً: اليسار اليمني والمعاناة
إنه منذُ نشأت اليسار اليمني وهو يعاني كثيراً ولمعاناته أسباب كثيرة يمكن إيجازها على الشكل الأتي:
1.هشاشة البنية الاجتماعية وتقليديتها وضعفها والتي أثرت كثيراً على أن تنتج فكراً يسارياً رصيناً يفرض تحولات حقيقية وجذرية فيها وعليه ؛ فإن هشاشة وضعف البنية الاجتماعية أثرت سلباً على قوى اليسار, وشهد اليسار صراعات كثيرة أضعفت بنيته ومشروعه, خصوصاً إننا نعلم أن مشروع اليسار بقدر ما شهد سياسات عالية النبرة أرتكن فيها على غطاء دولي داعم في ظل نظام القطبين, ولم يعتمد على قواه الذاتية وإمكانياته المحلية, وانعكست ضعف وهشاشة البنية الاجتماعية على حاملها الذي كان يسارياً, ولقد أضعفت الصراعات العديدة التي شهدها اليسار اليمني وأوهنت قواه.
2.مثّل سقوط جدار برلين ومجمل التحولات الجيوسياسية العالمية الناتجة عن هذا السقوط من سقوط منظومة الدول الاشتراكية وسقوط يسار الأممية الثالثة التي كان ينتمي لها اليسار اليمني, هذا السقوط شكّل لحظة مفصلية في حياة اليسار اليمني خرج منها واهناً وضعيفاً.
3.وجاءت حرب 94م نكبة بالغة القسوة على اليسار اليمني, وما كان لها أن تكون بهذا القدر لولا أخطأ البدايات من الوحدة المتعجلة غير المدروسة التي قادتها العاطفة وغاب العقل عنها, ولم يؤسس لها قانونياً وأعتقد أن توحيد فصيلي اليسار اليمني في بداية الوحدة صحيح أن وحدة اليسار تعود في جذورها إلى نهاية السبعينيات إلاّ أنها وحدة تركت هامش لفصيل الشمال حافظ على بنيته التنظيمية المستقلة كان خطاءاً استراتيجياً, وأعتقد بأنهما لو بقيا فصيلان لحققا فوائد تكتيكية عديدة، لكن هاجس شعار الوحدة كان طاغياً وسمة مرحلة المد القومي وهو السبب المباشر الذي قاد للأنظمة الشمولية في غير قطر عربي، ولهذا أعتقد أن اليسار بحاجة لأن يشرع في بناء نفسه على أساس من الفيدرالية الحزبية تعكس طبيعة التعدد والتنوع القائم في المجتمع اليمني وتعترف به.
المعوقات: وهناك معوقات كثيرة تقف أمام نجاح اليسار في تمديد خطابه السياسي وتوسيع عضويته واستقطاب مناصريه, ويمكن تلخيص هذه المعوقات بالأتي:
أولاً: العائق الإعلامي:
يستند اليسار في خطابه الإعلامي على صحيفة أسبوعية "الثوري" أو صحيفتين أسبوعيتين " الوحدوي" إذا عدينا الحزب الناصري يساراً. أو من خلال نشاط نشطاءه عبر صحف خاصة ! ومن يلحظ الخريطة الإعلامية يجد أن نشاط اليسار إعلامياً كماً وكيفاً بائس وباهت ويفتقر للتأثير على الرغم من الجهود المبذولة, واليسار بحاجة إلى أن تكون له قناة فضائية ويمكنه ذلك عبر استثمار عضويته في منظمة الاشتراكية الدولية ويمكن التنسيق مع أحزاب اليسار في البلاد العربية, حتى ولو تبدأ بوصفها محطة لليسار العربي ويكون للوضع اليمني نصيبها من الاهتمام. وأعتقد أن يسار الاشتراكية الدولية بحاجة لأن يتوسع ويكون له صوته في البلاد العربية بما فيها اليمن.
ثانياً/ عائق هوياتي :
لم يستطع اليسار اليمني بعد التحولات الفكرية الانتقال من يسار أحزاب " الشيوعية" الأممية الثالثة إلى يسار أحزاب " الاشتراكية الديمقراطية" الأممية الثانية, وكما هو معروف أن الأولى تناضل من أجل إرساء مفهوم المساواة, بينما الثانية تنشط باتجاه إرساء مفهوم العدالة الاجتماعية.
وكما هو معروف أن الهوية الاجتماعية لليسار الذي يقوم على مبدأ المساواة ينطلق من كونه يسار يعبر عن مصالح الطبقات الكادحة عمال وفلاحين قد يتحالف أيضاً مع البرجوازية الصغيرة, بيد أن اليسار الذي يتبنى مبدأ العدالة الاجتماعية يحتاج توسيع رقعة التحالفات من أجل تمثيل المصالح الطبقية، ويمكن تلخيصها على ضوء واقعنا اليمني كل الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية المؤمنة بالمدنية والحداثة وإقامة الدولة المدنية, دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية, لذا أعتقد أن اليسار بحاجة لأن يوسع من دائرة تحالفاته الطبقية المعبر عن مصالحها, وسنحددها لاحقاً بالنظر إلى دراسة البنية الاجتماعية والاقتصادية وتفكيكها.
إن اليسار اليمني وبالنظر إلى التركيبة الاجتماعية الاقتصادية للمجتمع اليمني بحاجة لأن يحقق فك ارتباط بين قوى المدنية والحداثة عن القوى التقليدية, فهذا التماهي والذوبان في المواقف أفقده هويته, لا بل عطل من صورة الواقع السياسي, حيث تشوه واقع المعارضة, ففي كل الدول عادةً تنقسم الحياة السياسية إلى ثلاث محددات اليمين واليسار ويمين الوسط, بيد أن هذه الصورة باتت غائبة في واقع الحياة السياسية لليمن.
وإذا ما وضعنا المجتمع اليمني تحت مجهر الفحص والتدقيق, فإننا ندرك أن بنيته الاجتماعية والاقتصادية شائهة تتداخل فيه علاقات رأسمالية ناشئة طبيعياً وأصيلة عانت من وجودها في وسط مجتمع تقليدي إقطاعي وشبه إقطاعي, وهناك طبقة رأسمالية طفيلية نشأت بفعل تزاوج السلطة والثروة, وهناك الطبقة الوسطى التي انسحقت كثيراً, وهناك الطبقة الأكثر انسحاقاً والأكثر عدداً العمال والفلاحين والموظفين.
ويبدو أن اليسار اليمني أخذ- في الآونة الأخيرة- يبتعد ويفقد هويته, لذلك فإنه وعلى ضوء هذا التمييز والتحديد الدقيق للعلاقات الاجتماعية وتركيبتها يمكن أن نلتمس لليسار اليمني هوية سنتطرق لها لاحقاً.
ثالثاً: عائق ديني:
ينبغي أن نزيل الالتباس حول معنى العائق الديني, وهنا نقصد بالديني؛ الفكر الديني لا النص, أي الفكر الديني بما هو نتاج بشري. فلا يمكن تصور يسار لا يدعو إلى الدولة المدنية والدولة المدنية بألف لام التعريف هي دولة المواطنة دولة الحق الذي لا يمكن أن تنشأ إلاّ على أساس من القانون الوضعي وعلمنة الدولة, هذا الأمر سيفرض تعارض وصدام مع الأفكار الدينية الظلامية السائدة والمتأصلة في المجتمع, وبالطبع هذه الأفكار الظلامية كبلت اليسار وبسببها ظل متهماً مداناً, لكن هذا لا يبرر ممالأة هذا الخطاب والخضوع له, والابتعاد عن مشروعه المدني الحداثي, وترك هذه القوى الظلامية تمارس غوايتها الأثيرة المتمثلة بتشويه مفهوم الدولة المدنية ومفهوم العلمانية. لا يسار من دون تبني برنامج الدولة المدنية دولة المواطنة, الدولة العلمانية.
وكما هو معروف العلمانية ليست إلاّ وسيلة يتم بواسطتها إقرار حق الناس في الاعتقاد وهو حق إنساني, والدولة العلمانية دولة تقف على مسافة واحدة من كل المعتقدات والأديان, وتجعل من الأديان والمعتقدات شأن مجتمعي, تقف الدولة على مسافة واحدة منها جميعاً, والعلمانية لا تعادي الدين, بل تسعى إلى أن تنزل الدين منزلته الطبيعية وتجنبه مساوئ وأخطاء السياسة والسياسيين, وعلى هذا الأساس مطلوب من اليسار اليمني أن يدافع عن أطروحاته ولا يتنكر لهويته تحت مسوغات الواقعية" الفلاسفة حتى الآن حاولوا تفسير الواقع فحسب, بينما المطلوب تغييره"( ), لأن تغير الواقع يحتاج إلى مجابهة المشكلات, ولا يمكن سحب البساط من تحت أقدام القوى الظلامية بممالأتها, بل بتفكيك خطابها ومواجهته.
رابعاً: عائق مادي أو موارد:
وهذا العائق يمكن التغلب عليه عبر عدة وسائل, تفعيل الاشتراكات الشهرية من الأعضاء, لأن العضوية في الحزب تفترض هذا الشرط, كما يمكن تنمية الموارد عبر استغلال موارد الحزب من خلال استثمارها عبر تفعيل شراء المطبعة مثلاً وهذا الأمر سيمكن الحزب من إصدار صحيفة يومية كما يمكنه أن يصدر مطبوعاته ويفتحها لطباعة التي تدر على المطبعة والحزب أموال, كما يمكن أن يستثمر الحزب أمواله في مشاريع أخرى تجعله قادراً على النهوض واستقلال قراره, كما يمكن السعي وراء تفعيل مبادرة أعضاءه القادرين على دعم الحزب. والتفكير بإنشاء قناة فضائية تؤدي ضمن ما تؤديه تنمية موارد الحزب عبر الإعلانات..
ثالثاً: اليسار اليمني والعدالة الاجتماعية:
ظل اليسار اليمني أسير نظريات في العدالة الاجتماعية مستوردة أو ليست نتاج واقعها المحلي, وذات خصائص غريبة عنه, استقاها من الماركسية, وكان من الصعوبة تبيئتها, ومع سقوط النظام الاشتراكي, ظل تائهاً ومن دون بوصلة تهديه إلى الفكرة الملائمة, ومع كل انتكاسة وفشل يحصده أخذ يبعد عن جماهيره وتائهاً لا يستطيع أن يحدد خارطة طريق للانتقال, ويمكن تشبيه موقف اليسار اليمني من جماهيره ب" أسطورة القندس "( ) وهو بحاجة إلى إعادة ترتيب علاقته ووصلها بجماهيره الذي بدأ بفقدانها.
وتعطينا فكرة العدالة المؤجزة التي استهلينا بها هذا البحث رؤية للتطورات والتحولات في المفهوم, ولم تكن عملية التحولات في المفهوم إلاّ نتاج واقع فرضها, وكل مشكلة لا يتم استنباطها من الواقع الفعلي وبحثها في إطاره يكون مآلها الفشل, وهذا لا يعني أبداً إغفال الاستفادة من التجارب الأخرى, لذا فإننا نحتاج إلى منهجية بحث المشكلات ووضع الحلول توائم بين الخبرات الإنسانية المنجزة وواقع هذه المشكلات.
وخلال مسيرة اليسار اليمني منذُ أكثر من نصف قرن كان يستقي ميكانيكياً أطروحاته النظرية من خارج واقعه, ولهذا تتعثر ولا تحصل على مشروعية وديمومة وقبول. وأعتقد أنه آن الأوان إلى الاهتمام بدراسة وبحث الواقع وتفعيل أنشطته البحثية لمختلف المشكلات والعمل بصورة علمية, فلديه ملكات تستطيع القيام بهذه المهمة, لكنه بحاجة إلى تفعيلها وتأطيرها في سياق مؤسسي.
وأعتقد أن اليسار اليمني مطالب أن يحرر نفسه من حالة الشعور بالانتكاسات والهزائم التي مني بها, ومبارحة كسله الذهني والغوص في الواقع عبر تفعيل كادراته وملكاته, ولذا أعتقد إن فكرة العدالة التي تناسب واقعه تحتاج أن يعيد ترتيب تحالفاته وفقاً للمعطيات الجديدة التي أفرزتها الانتكاسة التي منيت بها ثورة الشباب, حتى لو اضطره الأمر للخروج من حكومة الوفاق.
كما أن تحديد فكرة العدالة الاجتماعية المرجوة, تحتاج إلى تشخيص الواقع الاجتماعي والاقتصادي القائم مع النظر إليه عبر التحالفات والروابط مع الاقتصاد العالمي, وعند النظر إلى طبيعة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية, يتضح لنا بأن المجتمع اليمني تتواجد فيه أشكال طبقية مختلفة وتعكس تشوهاً حال دون أن ينتقل هذا المجتمع بسلاسة من مجتمع إقطاعي وشبه إقطاعي وفيه مجتمع البداوة إلى مجتمع رأسمالي, وفيه أيضاً تشوهات جاءت إثر حرب 94م, مُنذاك بدأت تظهر طبقة طفيلية تشكلت من الطبقة التقليدية, انبثقت هذه الطبقة الطفيلية بسبب تزاوج السلطة والثروة, وكما هو معروف أن هذه الطبقة الطفيلية تقيم تحالفات مع القوى الظلامية وتستخدمها في ممارسة الإرهاب على المجتمع وتكرس وجودها. وإلى جانب هذه الطبقات, هناك طبقة رأسمالية أو بيوتات تجارية أصيلة تأثرت وما برحت تتأثر بسبب هذه الطبقة الطفيلية التي تتهرب من دفع الضرائب الحقيقية المتوجبة عليها وتعاني من الضيم وانعدام العدالة والأمان الاقتصادي, كما توجد أيضاً طبقة عريضة من المسحوقين بالإضافة إلى الطبقة الوسطى التي تأثرت وتقلص حجمها كثيراً.
وبناءً على هذه الخريطة الاجتماعية, فإن اليسار اليمني وبالنظر إلى إرثه القديم. منذُ بداية السبعينات حتى أواخر عقد الثمانينات الذي أساء فيه إلى الطبقة الرأسمالية الأصيلة أو البيوتات التجارية, فإنه بحاجة إلى جهود مضاعفة لكي يتسنى له إمكانية التحالف معها على قاعدة برنامج العدالة الاجتماعية, وعليه فإن قاعدة التحالفات لإرساء مبدأ العدالة الاجتماعية ينبغي أن تشمل الطبقة المسحوقة وإلى جانبها الطبقة الوسطى والطبقة الرأسمالية الأصيلة.
وينبغي أن ندرك أن تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية لا يمكن تحقيقه واقعياً من برنامج يضع ضمن أولوياته فك ارتباط هذا التزاوج بين الثروة والسلطة, وتحرير الدولة من ربقة هذا الاستئثار, وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلاّ عبر التركيز على التشريع وضبط اللوائح المنظمة للعمل الوظيفي فيها, ووضع القوانين الناظمة للترقي الوظيفي.
وأعتقد أن اليسار اليمني بحاجة إلى إزاحة الالتباسات والتداخلات بين مشروعين, مشروع اللبّرلة أو الأمركة, ومشروع فكرة العدالة الاجتماعية الذي تتبناه رابطة أحزاب الاشتراكية الديمقراطية الدولية ذات المنشأ الأوروبي والقائم على الرابط بين قيمتي الحرية والمساواة, والمساواة تعني الدفاع عن المساواة في الفرص وإعداد البشر أو تنشئتهم الاجتماعية.
وأرى أنه لا يمكن لليسار اليمني أن يتبني فكرة العدالة الاجتماعية قبل أن يفك الالتباس في مواقفه وتصحيح وضعه, حيث أجده يعاني تناقضاً شديداً, ففي الوقت الذي ينتمي إلى رابطة أحزاب الاشتراكية الديمقراطية الدولية ( ), إلاّ أنه يتبنى أطاريح الأمركة بخصوص العدالة الاجتماعية بوصفها إنصاف" ففي الولايات المتحدة تسيطر قيمة الحرية على جميع المجالات دون تردد, في حين أن هذه القيمة توازنها في أوروبا باستمرار قيمة المساواة"( ). وكأن اليسار اليمني لا يستطيع أن يميز بين المنهجين وطبيعة الصراع العالمي بين أوروبا وأمريكا, ومع ذلك, فإن اليسار اليمني بحاجة لأن يتميز بفهمه للعدالة الاجتماعية منطلقاً من واقعه وسنحاول طرحها في سياق هذا البحث.
1.ما هي العدالة الاجتماعية المطلوبة محلياً؟, وهل هي مخصوصة؟
وينبغي أن يدرك اليسار اليمني أن برنامج اقتصاد السوق؛ لا يمكن أن يلتقي مع مبدأ العدالة الاجتماعية, أي أن اقتصاد السوق ومبدأ العدالة الاجتماعية حدان لا يلتقيان, لأن اقتصاد السوق سليل المبدأ الليبرالي القائم على فكرة " دعه يعمل دعه يمر" واقتصاد السوق مشروع أمريكي بامتياز تقف ضده السياسات الاقتصادية لأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في الإتحاد الأوروبي والعالم( ) أو على الأقل تتخذ سياسات ترشد وتضبط اقتصاد السوق, وكما هو معروف فإن برنامج اقتصاد السوق والدعوة إلى الليبرالية يصب في نهاية المطاف في صالح الطبقات المسيطرة اقتصادياً, ومن هنا على اليسار اليمني أن يدرك مثالب تبني مثل هذه المشاريع.
والخصخصة مثلها مثل اقتصاد السوق لا تلتقي مع مبدأ العدالة الاجتماعية, لا بل تتعارض معها, ولم تكن الخصخصة التي نفذت فصولها في هذا البلد بعد العام2000م إلاّ الكارثة التي قصمت ظهر اليسار اليمني وزادت في إضعافه, حيث تم سيطرة القوى المتنفذة على مقدرات القطاع العام وبأبخس الأثمان, الأمر الذي أخل بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية للعمال في هذه القطاعات, وينبغي تبني مواقف سياسية نضالية تعيد الحق لأصحابه وتحقيق العدالة والإنصاف.
والعدالة الاجتماعية هي نظام اقتصادي اجتماعي يهدف إلى إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع وتسمى أحياناً العدالة المدنية, وتصف فكرة المجتمع الذي تسود فيه العدالة في كافة مناحيه, بدلاً من انحصارها في عدالة القانون فقط, بشكل عام, تفهم العدالة الاجتماعية على أنها توفير معاملة عادلة وحصة تشاركية من خيرات المجتمع.
العدالة الاجتماعية مادة خصبة للسجال السياسي والديني أيضاً, ومن وجهة نظر اليسار تتمثل العدالة الاجتماعية في النفعية الاقتصادية وإعادة توزيع الدخل القومي, وتكافؤ الفرص.
والعدالة الاجتماعية بألف لام التعريف هي مجموعة السياسات المتخذة عند إدارة شئون الناس تضع في اعتبارها تحقيق تطلعاتهم وأحلامهم بالنظر إلى قدراتهم ومهاراتهم, بحيث نخضعهم لمضمار المنافسة. ولكي تكون العدالة الاجتماعية صحيحة في منطلقاتها, فإنه ينبغي أن نقرنها بالمساواة على صعيد توفير مستلزمات الناس وتنشئتهم الاجتماعية والفرص, أي تبني سياسات التعليم المجاني حتى الجامعة للجميع.
وبالطبع فإن العدالة الاجتماعية ليست مخصوصة إنها مبدأ يتطلع إليه الجميع, ويحق للجميع أن يكون لهم نصيب فيها, وتظل الطبقات المسحوقة الأكثر حاجة لها. والعدالة الاجتماعية تتخذ رؤية تقول بمقدار ما تقدم للمجتمع من خدمات وأعمال وفائدة, فإنه لزاماً عليه أن يمنحك مقابلها حقوق, والعدالة الاجتماعية تحتاج إلى تأصيلها وتمتينها عن طريق ربطها بالحرية المسئولة, أي أن مجتمع العدالة الاجتماعية هو مجتمع المسئولية أو مجتمع الحرية المسئولة.
2 .مهمات عاجلة أمام اليسار لتحقيق العدالة الاجتماعية
إن آليات تحقيق العدالة الاجتماعية, تتم عبر المشاركة في العملية السياسية, وعبر النضال السياسي طويل النفس, وتشترك في تحقيقه عدة وسائل, منها الإعلامية والتوعّوية ونضال في وسط النقابات ومنظمات المجتمع المدني, واجراء تحالفات سياسية جبهوية مع مختلف التيارات السياسية التي تؤمن بمبدأ تحقيق العدالة الاجتماعية, وبات اليسار اليمني في هذه المرحلة مطالباً في إعادة موضعة تحالفاته, والخروج من أسر القيود والتحالفات التي تكبله وتعيق برنامجه المستقبلي. وعليه أن يصوغ تحالفات جديدة على ضوء المرحلة الجديدة, والتعامل مع السياسة بوصفها ميدان حركي يرفض الجمود والتقوقع. ولعل يسار يركز على التشريعات ووضع اللوائح التي تنظم حياة المجتمع وبناء الدولة هو الرهان الأكثر أهمية, وعليه أن يغادر سياسة المحاصصة, فلقد أسأت له كثيراً.
على اليسار أن يبارح رؤيته الحالية للسياسة التي تفصح عنها ممارساته السياسية, فعليه أن لا ينظر إلى السياسة باعتبارها دوجما, ويبارح مفهوم السياسة بوصفها فن الممكن ويتجه صوب تعريفها باعتبارها علم إدارة مصالح الناس المتناقضة بالضرورة من أجل الحفاظ على السلم الأهلي والوئام الاجتماعي, ولا يمكن تحقيق ذلك إلاّ بتبني مبدأ العدالة الاجتماعية ولذا فاليسار اليمني مدعو إلى معالجة تلك العوائق المذكورة سلفاً كي يستطيع أن يعيد هيكلة نشاطه. ومن المعيب على اليسار أن يدعو إلى مأسسة الدولة, بينما عمله لا مؤسسي, وهو بحاجة إلى إعادة ترتيب بيته الداخلي والقيام ببروستريكا للخروج من حالة الجمود والنشاط الفردي إلى العمل المؤسسي, وهذا لا يعني نبذ العمل والمبادرات الفردية, ولكنه المزج بين روح المبادرات الفردية والعمل المؤسسي, مع الاهتمام بنقد سياساته بشكل متواصل.
إن اليسار مدعو للاهتمام بآلته الإعلامية, يسار من دون صحيفة يومية ومن دون قناة فضائية يظل يساراً هزيلاً وضعيفاً, إنه عصر الانتصار عبر المعلومة. كما أن اليسار مدعو للاهتمام بثقافة أعضاءه على كل المستويات القيادية والقاعدية, من دون ثقافة وعلم لا تنتصر القضايا العادلة, فاليسار بحاجة إلى الاهتمام بإنشاء مركز أبحاث يُعنى بالشأن المحلي والإقليمي والدولي من منظور اليسار اليمني.
يسار لا يجدد روحه وخطابه جثة هامدة, وتجديد الخطاب لا يمر إلاّ عبر عقد مؤتمراته بانتظام وفي مواعيدها المحددة.
أعتقد إن شرط إعادة إحياء اليسار في ظل ديمقراطية مرتفعة المستوى( ), هو تحرير ذلك اليسار من الفيروس الليبرالي( ), لأن الليبرالية في منحاها العام تستفيد منها الطبقات ذات الإمكانات؛ فتزيد من تغولها. وبالمختصر المفيد نحن بحاجة إلى يسار جديد يعلي من شأن قضايا الإنسان, ويعتبر الإنسان أعلى قيمة. كما أن العدالة الاجتماعية بحاجة إلى قوة (يسار) تعضدها, وتتحقق بواسطته, وإذا غاب الحامل غابت العدالة الاجتماعية وظللنا في وضع القهر والظلم والاستبداد والاستغلال.
وإذا ما تغلب اليسار اليمني على تلك العوائق وبالنظر إلى هذه الحيثيات السالفة, فإنه سيستطيع أن يلعب دوراً حقيقياً ويعود إلى تصدر المشهد السياسي.
font, sans-serif".....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.