الانتقالي الجنوبي يتمسك بحوار مباشر مع السعودية.. والعليمي خارج الحسابات    إصابة محامٍ بجروح خطيرة برصاص مسلحين قرب مقر النيابة شمال صنعاء    صعفان بصنعاء:مسيرة جماهيرية ووقفة مسلحة تنديداً بالإساءة للقرآن الكريم    اغتيال جنرال في الجيش الروسي في موسكو    الذهب يتجاوز 4400 دولار للأونصة والفضة عند مستوى تاريخي    قراءة تحليلية لنص "كتمان وإرباك" ل"أحمد سيف حاشد"    أجواء شديدة البرودة وتشكّل الصقيع    المغرب يفتتح كأس إفريقيا 2025 بهدفين رائعين في شباك جزر القمر    لماذا من حق الجنوبيين إعلان دولتهم؟    برونزيتان لليمن في بطولة رفع الأثقال بقطر    افتتاح 19 مشروع مياه تعمل بالطاقة الشمسية في الحديدة    وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن "26"    عندما تنزف الأوطان..!!    وقفة خاصة    إدانة محلية وأممية لنزعة «بن غفير» الإجرامية    المؤتمر العلمي الثامن للمركز العسكري للقلب.. نجاح كبير وتميز منقطع النظير    خلال مراسم تشييع جثمان الصحفي الأميري.. المشيعون: الإعلام اليمني فقد أحد الأقلام الحرة التي حملت هموم الوطن    بهويته الإيمانية.. شعب الحكمة والإيمان ينتصر للقرآن    مرض الفشل الكلوي (33)    نقابة الصحفيين اليمنيين تنعى الصحفي عبدالقوي الأميري    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يلتقي ملاك وممثلي معامل الدباغة ومصانع الجلديات    شكاوى من مماطلة حوثية بتنفيذ حكم الإعدام بحق مدان قتل ثلاثة أطفال    فرنسا تجدد عمها لوحدة اليمن وسلامة أراضيه    دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة تنعي الصحفي عبدالقوي الأميري    برشلونة يبتعد بقمة الليجا ب 46 نقطة بعد إسقاط فياريال بثنائية    اتحاد حضرموت يتصدر تجمع سيئون بعد تغلبه على 22 مايو في دوري الدرجة الثانية    وزارة المالية تعلن إطلاق تعزيزات مرتبات موظفي القطاعين المدني والعسكري    تدشين البطولة المفتوحة للرماية للسيدات والناشئات بصنعاء    محافظ الحديدة يفتتح 19 مشروع مياه في مركز المحافظة ب 81.2 مليون ريال    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يُعزي في وفاة التربوي القدير الأستاذ غازي عباس عبود    السقطري يترأس اجتماعًا موسعًا لقيادات وزارة الزراعة والثروة السمكية ويشيد بدور القوات الجنوبية في تأمين المنافذ ومكافحة التهريب والإرهاب    محافظ عدن يوقّع اتفاقية بناء الدور الرابع بكلية طب الأسنان – جامعة عدن    البنك المركزي يوقف التعامل مع منشأة صرافة ويعيد التعامل مع أخرى    الأرصاد: انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة وتوقعات بتشكل الصقيع    تقرير أممي: ثلث الأسر اليمنية تعيش حرمانًا غذائيًا حادًا    مع ضغط النزوح من حضرموت.. دعوات رسمية إلى سرعة الاستجابة لاحتياجات النازحين بمأرب    المهرة.. مقتل امرأة وطفلين في انفجار قنبلة يدوية داخل منزل    اللجنة الوطنية للمرأة بصنعاء تكرّم باحثات "سيرة الزهراء" وتُدين الإساءة الأمريكية للقرآن الكريم    الصحفي والقيادي الاعلامي الكبير الدكتور عبدالحفيظ النهاري    بمقطع فيديو مسرب له ولشقيقاته.. عبدالكريم الشيباني ووزارة الاقتصاد والصناعة والاستثمار في ورطة..!    وفاة الصحفي الاميري بعد معاناة طويلة مع المرض    تحذيرات جوية من انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة    الحديدة: انطلاق مشروع المساعدات النقدية لأكثر من 60 ألف أسرة محتاجة    الجرح الذي يضيء    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    معلومات حول الجلطات في الشتاء وطرق الوقاية    عاجل: إعلان أمريكي مرتقب يضع الإخوان المسلمين على حافة التصنيف الإرهابي    مهرجان ثقافي في الجزائر يبرز غنى الموسيقى الجنوبية    الموسيقى الحية تخفف توتر حديثي الولادة داخل العناية المركزة    بالتزامن مع زيادة الضحايا.. مليشيا الحوثي تخفي لقاحات "داء الكلب" من مخازن الصحة بإب    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    انعقاد الاجتماع الفني لبطولة مديريات محافظة تعز - 2026 برعاية بنك الكريمي    المغرب يتوج بطلاً لكأس العرب بانتصاره المثير على منتخب الاردن    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    اتحاد كرة القدم يعلن استكمال تحضيراته لانطلاق دوري الدرجة الثانية    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    بدعم سعودي.. مشروع الاستجابة العاجلة لمكافحة الكوليرا يقدم خدماته ل 7,815 شخصا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من هو الشعب، الذي يتحدث الجميع عنه؟
نشر في الاشتراكي نت يوم 10 - 09 - 2014

لكثرة الحديث عن (الشعب)، من قبل الأطراف المتصارعة، ومن قبل السلطة أيضاً، التي نأمل ألاَّ تصبح مجرد طرف من الأطراف، يخيل إليَّ أنني لم أعد أفهم من هو الشعب، الذي يتحدث الجميع عنه. فعندما تتحدث أطراف متناقضة عن الشعب، ويبرر كل طرف منهم سياساته وممارساته، بأنها لمصلحة الشعب، فإنني وغيري، ممن ليسوا جزءاً من السلطة، ولاينتمون إلى طرف سياسي بعينه، ، نجد أنفسنا أمام لغز محير. هل يتحدث كل هؤلاء عن الشيء نفسه، وهل الشعب عند هذا الطرف، هو نفس الشعب عند ذاك الطرف؟ إذا كان من يتحدثون عنه جميعهم هو نفس الشعب، فلا بد أن تكون مصالحه هي نفسها، ولايمكن أن تكون مصالحه هنا شيئاً وهناك شيئاً آخر. فإذا كان الأمر كذلك، أو على الأقل هذا مايمكن أن يفهمه أمثالنا، فكيف يفسر لنا المتصارعون أسباب صراعهم؟ قد نفترض، لتسهيل الفهم، أن كل منهم يتحدث عن شعب مختلف؟ ووفقاً لهذه الفرضية يمكن أن تُحل الإشكالية، ونفهم مايعنيه كل منهم. ولكنهم يفاجئوننا، عندما يتحدثون جميعهم عن الشعب اليمني، لاغيره. هنا ندخل من جديد في المتاهة، التي نحاول الخروج منها. فإذا كانوا يتحدثون عن الشعب نفسه، وهو الشعب اليمني، فعلى ماذا يختلفون؟ نحن لانريدهم أن يختلفوا ويتناحروا من أجلنا، لأنهم سينحروننا معهم، وسنُنْحر ونحن لاندري على ماذا نُحرنا.
كنت أشتري دجاجة للغداء، وجاء شخص بهيئة مجنون، وقد كثر في بلادنا من يتخذون هيئة المجانين، حقاً أو انتحالاً، وكأنما هي تباشير الجنون العام، كالجرادات المنفردة، التي تسبق أسراب الجراد. أخذ الرجل يخاطب الشاب، الذي يقوم بذبح الدجاج وسلخه وتقطيعه: عايدِّي الله من يسلخهم ... هكذا مثلما تسلخ الدجاج. إلتفت الواقفون معي إلى الرجل المهلهل الثياب الأشعث الشعر، بوجهه، الذي لم تستطع الأتربة أن تخفي وسامته، أو تزيل وقاره، الذي لايتناسب مع هيئته، وتساءل أحدهم: من تقصد؟ فأجابه: من يريدون الشر بنا والخراب، الذين طغوا وبغوا في البلاد وجوعوا العباد وخوفوا الناس و ...إلخ. تنبهت إلى المفردات التي يستخدمها. إنها مفردات فصحى، يتخللها سجع موزون. فقلت له أدع الله الهداية للجميع والسلامة للشعب. فرد علي ببديهة حاضرة، لاتتناسب مع جنونه: وأين الشعب؟ كل واحد منهم بيسلخه من جنب، لو يريد الله لهم الهداية لكان قد هداهم. نطق كلماته الأخيرة وهو يبتعد عن المكان، ليواصل مواعظ السلخ.
لم يسعفني كلام المجنون العاقل في تبين من يستحقون السلخ في نظره. ولكنه زادني حيرة في موضوع الشعب. من هو وماهي مصالحه، في نظر الذين يتأهبون جميعهم لتدميره، تحت ذريعة الحفاظ عليه وعلى مصالحه، ويتفانى جميعهم في حب وطن، يحلم كل منهم بأن يكون له وحده، خالصاً من دون الناس، ينفرد بحكمه ويتمتع بخيراته.
كثيراً ماينتابني شعور بعدم الرغبة في الحديث أو الكتابة، لأن الحديث لايجد أذناً تسمعه، والكتابة لاتجد عيناً تبصرها ولاعقلاً واعياً يلتقطها. ونحن لم نتحدث يوماً ولم نمارس الكتابة، كنوع من الترف، لافي هذا العهد ولا في العهد السابق. بل كان هدفنا من وراء ذلك، ومايزال، أن نُسمع أصواتنا من نحاول أن نقرع أسماعهم بحديثنا ونلفت أنظارهم بكتاباتنا إلى حجم المعاناة، التي يتسببون بها لحبيبهم (الشعب)، وإلى حجم التخريب، الذي يلحقونه في حاضرنا وسيورِّثونه لمستقبلنا. تخريب يتمثل بإفساد أجهزة الدولة وإضعاف دورها في خدمة المجتمع، وبالنكوص عن كل مضامين الشعارات، التي تُرفع والوعود التي تُقطع، ببناء الدولة القوية العادلة، التي لن تُبنى إلا بانتهاج سياسات رشيدة من قبل السلطة، وبتولي الكفاءات الوطنية النزيهة، المهمَّشة عمداً، توليها مواقع القرار، بدلاً من المقربين والفاشلين والعابثين بأموال الشعب. كما يتمثل هذا التخريب بإقلاق السكينة العامة وتغذية الصراعات وعدم الإستقرار وإذكاء الحروب، من قبل الجماعات السياسية المسلحة، التي لم نعد نعرف على وجه اليقين ماذا تريد.
إن خيبة الأمل في إمكانية أن يسمع هؤلاء مايقال، ويعون مايُكتب، يجعل المرء في كثير من الأحيان، يشعر بعبثية الكلام وعدم جدوى الكتابة. فالحديث لايجد من يفهمه، ممن نوجه إليهم حديثنا دائماً. فهم كما يبدو مستغرقون في حب (الشعب)، إلى درجة الغيبوبة، التي تجعلهم، وهم يتحدثون عنه وعن مصالحه، يعملون في الوقت نفسه، بوعي أو بدون وعي، على توفير الأسباب والظروف لذبحه، أو لسلخه، حسب تعبير المجنون العابر. وهم بذلك يوفرون الأسباب والظروف لذبح أنفسهم أيضاً. وكأنما تشبعوا بعقيدة (النرفانا)، أي الفناء في المطلق، حيث يعتقد المؤمن بها، أنه سيصل، عبر استغراقه في الرياضات الروحية، إلى حالة من الغيبوبة، تأخذه إلى دائرة الفناء في المطلق اللامحدود، فيبلغ بذلك درجة السعادة القصوى، ويحقق غاية الوجود الإنساني.
أما نحن، الذين نؤمن بعقيدةٍ، تمجد الحياة والأخوة والمحبة والتكافل والتعاون والسعي في مناكب الأرض وتعميرها، لاتدميرها، والمحافظة على النفس الإنسانية، لاذبحها وسلخها ولا إفنائها، فإننا نهمس باستحياء، لمحبي (الشعب) هؤلاء، بأننا ننتمي أيضاً إلى هذا الذي يحبونه ويقتتلون من أجله ويقتلونه حباً وهياماً. فهل يصغون إلينا، وهل تصل أصواتنا إلى أسماعهم، وهل يفهمون مانقول؟ إننا لانريد حبهم القاتل، لانريد أن يقتلوا بعضهم من أجلنا، فدماؤهم عزيزة علينا، كما لانريد أن يقتلونا دفاعاً عن مصالحنا. فليدعونا نحاول، وهم معنا، إخراج بلدنا وشعبنا من هذه المتاهة بسلام، بتحكيم العقل وبالحوار الأخوي الهادئ، وبالحرص على الدماء والأرواح والممتلكات، وبالحفاظ على العقول، التي تعطلت، وهام أصحابها في الشوارع، يلقون المواعظ ويعبرون، أبلغ تعبير، عن الحال الذي وصلنا إليه. لأننا نخشى من أن يقودنا هؤلاء المتصارعون، بحبهم لنا، إلى الإلتحاق، زرافات ووحدانا، بهذا الواعظ المجنون، نشيع معه مواعظ الذبح والسلخ، ونحمل نذر الطوفان القادم، الذي لايمكن تحاشيه، إلا بيقظة عقلاء اليمن، وعقلاء الأطراف المتصارعة، إن كان لهم وجود. فإذا لم يستيقظ العقلاء في هذه اللحظة المشحونة بالجنون، ويبذلوا الجهود، ليحولوا دون وقوع الكارثة فلاجدوى من أن يستيقظوا، بعد أن يغمرنا الطوفان ويُفنى الشعب بأيدي محبيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.