على صفحات الصحف تدار حرب على الأرض والإنسان دون هوادة، حرب تحت يافطة الديمقراطية وحرية التعبير والرأي، حرب نقرأها في إصدارات كثيرة مخصصة لهذا الغرض ونعلم أنها حرب وأنها تدار وفق أجندات واضحة المعالم والأهداف، ومع هذا يقدمها أصحابها بلباس مختلف، وبطريقة ظاهرها حب الوطن والحرص على مصالح الناس وحقيقتها غير ذلك، وتدفع بالجميع إلى حيث لاوطن ولا مصلحة لأحد سوى الذين بأيديهم رسموا الاهداف. ثمة من يقرأ تلك الكتابات بعين الديمقراطية ومع كل هذا يجدها غير ديمقراطية ويشم منها رائحتها التي تفوح بحقيقتها من بين السطور وتراكيب الجمل، وثمة من يحاول قراءتها بعين البراءة وتأبى البراءة أن تخدع بمعسول الكلام، وثمة من حاول أن يلتمس لهذه الكتابات وأصحابها سبعين عذراً فأخفقت كل الأعذار أمام سوء تلك الكتابات والتصريحات التي على شاكلتها وأكثر سوءاً منها. حتى أولئك الذين كنا نظن بل كنت أظن أنا، أنهم عقلاء في أقوالهم وأحزابهم تقول كتاباتهم غير ذلك فيخيب ظني وكم تمنيت أن لايخيب لأهزم به من كان ظنه بهم في محله من البداية وبعد كل الأدلة والبراهين على سوء مايفعلون فإن ظنوني تصر على نسف كل البراهين والأدلة المكتوبة على صدور الصحف والمقروءة في المهرجانات، والبيانات التي تصدر هنا وهناك، لأن مانقرأه ومانسمعه لايصدق بعقل عاقل أو بجنون مجنون. سمعت من لسان أحدهم وكنت أظنه عاقلاً رصيناً سديداً في أقواله وآرائه عادلاً في مواقفه وفي تقييمه لمجريات الأحداث وكنت أظنه، وأظنه.. وأظنه.. فإذا به يسقط من علياء ظني إلى مستنقع واقعه الذي أفصح عنه في حديثه معي، ولمثل هذا قرأت كتابات وحوارات سقط معها أصحابها في ذات المستنقع وكنت أظنهم لايسقطون ولن، فذهبت «لا» وذهبت «لن» وذهبوا جميعاً إلى الضلال. لهؤلاء ولغيرهم يجب أن نقول ونعيد القول إن الوطن ليس شخصاً واحداً ولا أسرة ولاقبيلة ولاحزباً واحداً ولا الأحزاب كلها، إنه أكبر وأهم من كل أولئك ولاينبغي أن نضعه في مزاد المساومة مع هؤلاء أو مع غيرهم.. هل من العقل أن ندفع بالوطن بمن فيه نحو الهاوية لمجرد الاختلاف مع السلطة أو مع الحاكم؟ هل من العقل ومن الأخلاق أن نشن حرباً على أنفسنا لمجرد أن السلطة تتحمل المسؤولية المترتبة على ذلك؟ وهل من الحكمة أن نعمل على تأزيم الأوضاع فوق ماهي عليه ونقول بأن المسؤولية تقع على هذا الطرف أو ذاك؟ لا أدافع على سلبيات أحد، ولا أقول إن الأوضاع طبيعية كما ينبغي، لكن لماذا يفرح الكثير بزيادة تعقيد الأوضاع ويسعى جاهداً لتأزيمها أكثر؟ لماذا يسعى الكثير من هؤلاء ليكونوا جزءاً من المشكلة ولايكونون شيئاً في الحل؟ لماذا كل هذا الركض السريع لفتح أبواب أكثر للأزمات والمشاكل والخصومات؟ بينما ينتظرون أن يفتح غيرهم أبواب الحلول ويفرحوا إن لم تفتح!! ليس صحيحاً أن يتم تجاهل المشكلات القائمة أو تجاهل الأسباب التي قد تؤدي إلى مشكلات أخرى، وفي ذات الوقت وفي كل الأوقات ليس صحيحاً أن يجري العمل على اختلاق مشاكل وأن يتم الدفع بها إلى منطقة اللا حلول لتصبح مزمنة مع مرور الوقت أو من أجل المساومة على شيء مابعد ذلك. الأمر جد خطير في مانرى ونقرأ ونسمع لكن الخطر سوف يجري على الجميع حتى على أولئك الذين لاناقة لهم ولاجمل في كل الأحوال، والمسئولية لن تعفي أحداً..