مايحدث اليوم هو إصرار من قبل بعض الأحزاب وبعض تجار الحروب والجنرالات على زيادة تأزيم الأوضاع ومحاولة جادة لتفجير الموقف عسكرياً لإغلاق الطريق أمام الحلول السلمية ، لأنهم يرون أن هذه الحلول لن تخدمهم بشيء ، ويعتقدون أن إشعال الصراع المسلح يُشكل الضمانة الوحيدة لمستقبلهم القبلي والعسكري لتفادي الملاحقات القانونية والقضائية جزاء تاريخهم العامر بالظلم والنهب والقتل والتخريب . هؤلاء الذين يدفعون بالأمور نحو المجهول إنما يفعلون ذلك ظناً منهم أن المرور عبر بوابة الحرب والصراع الدموي سوف يغطي على ما كانوا من قبل قد فعلوه نهباً وفساداً وقتلاً ونفوذاً. لا مصلحة لعاقل في تحويل الأزمة إلى حرب ودمار مهما كانت شدة الأزمة وحدة التباينات ، ومهما كانت الخلافات بين فرقاء العمل السياسي لأن النتائج يدركها كل ذي عقل ودين ، وهي بلا شك كارثية ، فما مصلحة هذا الشعب من حرب ستأتي على الأخضر واليابس وتسيل الدماء وتتناثر الأشلاء وتحدث المآسي من كل لون ونوع . هذا الإصرار الذي نلحظه بجلاء للدفع بالأوضاع نحو الحرب يؤكد بأن ثمة أطرافاً في الأزمة قد غرقوا من قبل في مستنقعات الفساد والخراب وفي التجارة غير المشروعة وأدركوا أن الأمور لم تعد بصالح تاريخهم الأسود وأن التحولات تتجه نحو تصحيح مسارات الماضي وبالتالي لن يفلت أولئك من عدالة التصحيح ، ولذلك أصروا ويصرون على تغيير مسارات الأزمة لتسلك سبل الصراع الدامي ظناً منهم أن الخراب والدمار والدماء سوف تجعل من فسادهم وبطشهم في الماضي لا يذكر مقارنة بأهوال الحرب والدمار. هكذا يهربون نحو الحرب للتغطية على جرائم سابقة أو بالأحرى يحاولون ذلك . وهذا الأمر ليس لصالح الناس حتى الذين خرجوا إلى الساحات في البداية مطالبين بالعدل والمساواة ومحاربة الفساد ، وحتى الذين لهم موقف ضد السلطة وهم عقلاء يدركون بأن مسلك الحرب الذي تريده بعض الشخصيات والأحزاب لا يخدمهم بشيء من قريب أو من بعيد . لامصلحة للبلاد وللعباد في تحويل مسار الأزمة إلى حرب دامية وأحسب أن الكثير من الناس باتوا وأصبحوا يدركون جيداً أن الخلافات الشخصية قد طغت على مطالب العامة المتمثلة في التغيير السلمي والمدروس الذي يحقق للناس مزيداً من الأمن والرخاء . لا أحد يحتكم للعقل السليم يمكنه الموافقة على مغامرات فردية سوف تدفع بالبلد نحو أتون صراع دموي بلا نهاية وحين تتحول الأمور إلى حرب لايمكن التنبؤ بعواقبها ولا يمكن استبعاد نتيجة من النتائج وسوف يصبح كل شيء على طاولة الاحتمالات ، بمعنى كل شيء من عواقب الحرب جائز حدوثه بما في ذلك تشظي البلد إلى دويلات وإمارات صغيرة وسلطنات ومشيخات ولعل البعض يسعى نحو شيء من هذا القبيل . مايهمنا اليوم هو أن ننبذ جميعاً تعصبات الخطة ونفكر بسعة صدر وانفتاح عقل ونحسب جيداً إلى أين سوف نصل في ظل إصرار البعض على العنف وتحويل العملية إلى صراع مسلح وماهي مصلحة العامة من الناس من حرب تصفية الحسابات التي يريدها البعض مع السلطة ومع أفراد داخل السلطة . بالتأكيد الصورة واضحة وعلى الذين لم يستوضحوا الصورة التفكير جيداً فيما هو حاصل اليوم ليدركوا أن المشكلة لم تعد سوى مواقف شخصية وقد سقطت كل المسميات التي بدأت بها واتضح أن الحسابات الشخصية هي التي تحكم مسارات الأزمة وتشرع للحرب.