أنهى ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز يوم السبت الماضي زيارة رسمية لليمن استمرت ثلاثة أيام هي الأولى له منذ توليه ولاية العهد في شهر أغسطس/ آب من العام الماضي، ترأس خلالها جانب بلاده في اجتماعات مجلس التنسيق اليمني السعودي، كما تميزت هذه الزيارة باقتصارها على مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت أكبر وأهم المحافظات اليمنية التي يزورها الأمير سلطان للمرة الأولى، حيث كانت هذه المحافظة ولا تزال إحدى أغنى المحافظات اليمنية تراثا وثقافة وفنا، وكذلك نفطا وزراعة ومياهاً.. ويتذكر كثيرون أن الأمين العام الأسبق للحزب الاشتراكي اليمني علي سالم البيض اتخذ منها مقراً له أثناء حرب صيف 1994 في اليمن، وقيل حينها أنه سيعلن حضرموت دولة مستقلة في حال سيطرة القوات الحكومية على عدن، إلا أن ما حدث كان العكس تماماً، حيث سيطرت القوات الحكومية على حضرموت قبل عدن بثلاثة أيام فقط ففشل المشروع الانفصالي نهائياً، ولذلك كان ولا يزال لحضرموت نكهة خاصة في الخارطة اليمنية، فإليها تعود أصول كثير من كبار رجال الأعمال في دول الخليج عموما والمملكة العربية السعودية خصوصاً، كما يعود إليها أيضاً أصول كثير من الأدباء والفنانين العرب المشهورين وغير ذلك من المميزات التي جعلت زيارة ولي العهد السعودي لليمن هذه المرة تأخذ طابعا مميزا باعتبارها الأولى لحضرموت رغم أنه زار اليمن قبل ذلك نحو عشر مرات منذ عام 1976 . لا شك أن هناك عوامل أخرى أيضا أعطت لهذه الزيارة أهمية خاصة، فالأمير الذي يحمل الملف اليمني بكل تفاصيله منذ عام 1962 جاء ليشرف بنفسه على توقيع الخرائط النهائية للحدود اليمنية السعودية التي تم إنجازها بعد ست سنوات من التوقيع على معاهدة جدة التي تم بموجبها حل مشكلة الحدود بعد خلاف دام ستة وستين عاما، وكانت واحدة من أعقد الملفات الحدودية في المنطقة إلى أن تم حلها بمفاوضات مباشرة بين الرئيس اليمني علي عبدالله صالح والعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي كان حينها لا يزال وليا للعهد، كما أن زيارة الأمير سلطان بن عبدالعزيز هذه المرة تميزت بدعم جيد لليمن في عدد من المشاريع التنموية المهمة في الطرق والكهرباء والصحة والتعليم العالي تجاوز مائتي مليون دولار من خلال مجلس التنسيق اليمني السعودي الذي ينعقد سنويا بانتظام بالتناوب بين البلدين منذ إنجاز المعاهدة الحدودية عام 2000 . زيارة ولي العهد السعودي لليمن جاءت كذلك بعد تطور واضح وملموس في العلاقات اليمنية الخليجية بدأ بانعقاد قمة دول مجلس التعاون الخليجي في ديسمبر الماضي في أبوظبي التي أقرت رؤية يمنية لدعم وتأهيل الاقتصاد اليمني خلال السنوات القادمة ليتمكن من الاندماج في اقتصادات الخليج تمهيداً لانضمام كامل لليمن إلى مجلس التعاون الخليجي، ومنذ ذلك الحين بدا هناك حماس متزايد من جميع دول المجلس برز من خلال تصريحات الكثير من المسؤولين فيها وبلغ ذروته مؤخرا باجتماع وزراء خارجية دول المجلس السبت الماضي في الرياض برئاسة الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجية الإمارات لإقرار التصور النهائي لدعم مؤتمر المانحين لليمن الذي سينعقد في العاصمة البريطانية لندن خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، حيث سيكون لدول المجلس إسهام كبير في إنجاحه بتوفير العديد من التمويلات المطلوبة للكثير من المشاريع الاستراتيجية في اليمن. ولذلك يمكن للمرء أن يتفاءل في ظل هذه الأجواء بحدوث تطور كبير ومهم في مسار العلاقات اليمنية السعودية، خصوصاً والعلاقات اليمنية الخليجية عموماً، إذ يمكن الجزم أن تلك العلاقات قد تجاوزت كل حساسيات ورواسب الماضي ولم يعد أمامها سوى المضي إلى الأمام، ولا شك أن التوجه نحو تأهيل اليمن اقتصادياً هو القرار الصحيح الذي وإن تأخر عن موعده كثيراً إلا أنه جاء أخيراً، فاليمن هو العمق الاستراتيجي لأشقائه في الخليج فهو إن كان مستقرا استقرت الأوضاع في منطقة الجزيرة، وهو إن اضطربت أوضاعه سينعكس ذلك سلباً على كل المنطقة، ولذلك يدرك الجميع أن وحدة اليمن كانت ضرورة للاستقرار في اليمن والمنطقة، وحيث لم يكن بالإمكان حل مشاكل الحدود بين اليمن وجيرانه دون أن يكون بلدا موحدا، كما لن يكون بالإمكان دعم وتأهيل اقتصاد اليمن ما لم يكن موحداً كذلك، وهذه هي الحقيقة الأكيدة التي أصبحت أحد أهم عوامل الاستقرار في منطقة الجزيرة والخليج. تبدو الخطوات التي قطعتها العلاقات اليمنية السعودية مؤخراً على قدر كبير من الأهمية لكنها لن تؤتي ثمارها المطلوبة والمرجوة إلا بمزيد من الخطوات الجادة الهادفة إلى تكريس مبدأ الشراكة بينهما، إذ أصبحت السوق اليمنية خلال السنوات العشر الماضية أحد أهم الأسواق بالنسبة للسلع السعودية، ولا شك أن هذا السوق سيصبح أكثر أهمية بالنسبة للاقتصاد السعودي عند تحسن قوة الشراء لدى المستهلك اليمني، وهذا لن يكون ممكناً في حال بقاء الأوضاع الاقتصادية في اليمن على حالها الآن، وفي الوقت نفسه وجدت المنتجات الزراعية اليمنية مجالاً جيداً لتسويقها في دول الخليج والسعودية تحديداً، ورغم الانعكاسات الإيجابية لذلك على الاقتصاد اليمني إلا أن اليمنيين يطمحون في تسهيلات أفضل ومميزات أكبر لمنتجاتهم الزراعية تمكنهم من تسويق أوسع باعتبار ما يميزها من جودة، لكن هذا الأمر لا يرقى في أهميته إلى ما ينبغي أن تنجزه الحكومة اليمنية من تهيئة لأجواء الاستثمار في اليمن سواء في الجانب الإداري أو القانوني أو الأمني، بحيث يأتي مؤتمر المانحين في لندن بعد خمسة شهور والبلد في أفضل وضع ممكن. والحقيقة أنها شرعت في إنجاز كثير من الإصلاحات منذ شهر يوليو/ تموز من العام الماضي وبالذات في مجال تعديل قوانين الضرائب والجمارك والقانون المالي وقوانين مكافحة الفساد وقانون الاستثمار وقانون أراضي وعقارات الدولة وإصلاح السلطة القضائية وغير ذلك من القوانين المرتبطة بتهيئة أجواء الاستثمار وضمان تحقيق مؤتمر المانحين بلندن للأغراض التي سينعقد من أجلها، وتلك بالتأكيد البداية الأفضل لنجاح خارطة طريق تأهيل اليمن اقتصادياً