لم ترسُ السفينةُ بعدُ على شاطئ الطمأنينة ، فمازالت تمخرُ عُبابَ الخضم، تحفها عواصف وأمواج وأشواق تنشدُ لحظة الوصول، ومادامت سفينة الوطن كذلك، فليس منطقياً البتة أن يغادر ربانها دفتها بحجة ممارسة حقه الشخصي في الخلود إلى الراحة من عناء الرحلة ومشاق السفر، فهذا الحق وإن كان مكفولاً لشخص فخامة رئيس الجمهورية حفظه الله، في إعلانه عدم ترشيح نفسه للفترة الرئاسية القادمة، إلاَّ أنه يسقط بفعل الواجب الذي مازال ملقى على كاهل الرئيس ومنوطاً به وعليه القيام به واتمامه على أكمل وجه وفي لحظات كهذه التي نعيشها فليس ثمة مجال للحديث عن الحقوق الشخصية، مادام حق الجماعة حاضراً بقوة الأغلبية، وصوته أعلى وأفصح. عندما كشف فخامة علي عبدالله صالح عن نيته وتقريره عدم ترشيح نفسه، كان يعي ويدرك تماماً مسؤولية الكلمة وقيمتها عند رائد لايكذب أهله وعرفنا فيه كل ضروب الصراحة والصدق، وكان وربما مازال عند رغبته في الاستراحة من عناء العمر ولغوب السياسة وهي الرغبة التي بدت سابقة لأوانها وفي التوقيت الخاطئ واللامناسب، وصدمت بقسوتها وجدان الأمة والوطن، وهاهي ترتفع تداعياتها النفسية لحظة عن لحظة في ذاكرة الوعي الجمعي ونفوس اليمانيين الطيبين، المؤملين في قائدهم مستقبلهم الأرغد، وحاضرهم الزاهي والذين هم ليسوا على استعداد أبداً للعودة بأحلافهم وأعمارهم إلى نقطة الصفر، وبداية التجربة، ماداموا قرابة الحلم وعلى وشك قطف الثمار وموسم الحصاد الذي يرتقبون موعده على جمر اللهفة. السؤال الذي يطل بقرنيه الآن ويثير قلقاً عاماً هل سيتحدى فخامة الرئيس رغبة الشعب ورجاء الوطن، نزولاً عند رغبته الشخصية، وتغليباً لمصلحته على المصلحة العليا والإرادة الشعبية؟! أم أنه كما عودنا وعهدناه سيخضع لرغبة الجميع،ويلبي نداء اللحظة وتوسلات الحلم الشعبي الكبير، ليقود بيديه الماهرتين سفينة الأمل حتى ترسو جيداً على الشاطئ الوشيك،ويواصل بنا بخطاه المباركة ماتبقى من مسافة على طريق الألف ميل الذي بدأنا فيه معه مهمة السير الصاعد والانطلاق الواثق صوب المأمول والمحلوم البعيد، منذ الوهلة الأولى لتولي فخامته قيادة سفينة البلاد في السابع عشر من يوليو 1978م، رغم مااكتنف المسيرة من تلاطم أمواج وهدير ريح،خاصة في الخطوات الأولى على دربها المستقيم الذي لم يكن معبداً. على الرئيس أن ينصت جيداً لصوت الشعب وألاَّ يمضي مكباً على قراره الصادم، بحجة أو بأخرى، فأمامه مازال الكثير من العمل..الكثير من أحلامنا.. الكثير من السهر والبذل،فلم يئن الوقت ليترجل الفارس عن صهوة الخير، ويتفرغ لكتابة مذكراته أو تفقد أحوال أسرته ومنزله «الصغير» فالمنزل اليمني الكبير أحوج مايكون إليه الآن وأسرته الممتدة على ربوع الخريطة الوطنية المخضرة بوجوده، في مسيس الحاجة إلى الأب الحكيم الذي مازالت تتجلى منه معاني الحنان ودفء الابوة والألفة، فليس أمامه الآن من خيار سوى أن ينصت لصوت العفوية الشعبية ويدع أفكاره الشخصية وكتابة مذكراته لأجل غير مسمى.. ليس هذا وقته وليعلم أن استراحة البطل قبل الجولة الأخيرة صدمة إن لم تكن خسارة عظمى في نفسية جمهور محب ومتشوق لوضع اللبنة الأخيرة في مصفوفة البناء التنموي الوطني وأركان البيت اليمني، على ذات اليد الماهرة التي وضعت حجر الأساس وأرست دعائم المبنى والمعنى لوطننا الحبيب، ومازالت قادرة على الجُود والاجادة. ومع الأصوات المتصاعدة من أعماق الضرورة المرحلية وحنجرة الاجماع الوطني، تتصاعد وتيرة الأرقام الاستطلاعية في نسب استبيانية نابعة من صلب الواقع ورحم الحقيقة التي لايشوبها غبار شك أو ضباب بهتان وزور، إذ لغة الرقم أقوى معنى وأفصح لساناً، وماجرى في أوساط الشعب من استبيانات رأي، نفذها متخصصون من معاهد ومراكز متخصصة، على عينات من المجتمع اليمني، قدم للعيان والتاريخ خلاصة واحدة هي حقيقة حب وتشبث هذا الشعب الأبي بقائده الفذ وزعيمه الوفي، وهي الحقيقة التي تحوم حولها تخرصات المعارضة وغيظ «الحقدة» على كل حقيقة وأي معنى جميل. وللأقلام التي تطيش في صحفة المعارضة بأصابع يمنية، ندعوها جميعاً لقراءة وتأمل ماأحببت أن أختتم به هذا المقال من كلمات بقلم رئيس تحرير مجلة الوقائع الدولية الفرنسية الكاتب العربي المنصف رشيد الطوخي وهي الكلمات الاختتامية لمقاله «لست يمنياً ولكنني أطالب الرئيس بالبقاء» المنشور قبل أيام في ذات عدد من «الثورة» «اكرر وأقول إنني كعربي وكصحفي زار اليمن واطلع على تجربته الديمقراطية ونهضته وتطوره، وترك عندي انطباعاً حسناً وتفاؤلاً عربياً نادراً، أدعو كل اليمنيين للتمسك بالقيادة السياسية وأدعو الرئيس اليمني لعدم الانسحاب من الرئاسة والبقاء في منصبه كأمين على هذه الأمة اليمنية». نحن ايضاً نكرر ونقول مايجب على الرئيس حفظه الله الانصات إليه جيداً.