الإدارة المحلية هي هيئات إقليمية يناط بها وظائف إدارية في نطاق جغرافي معين وتؤدى هذه الوظائف بصورة مستقلة تحت إشراف ورقابة السلطات المركزية. وتبرز أهمية الإدارة المحلية هنا ليس من كونها تسمح بإشراك الشعب في صنع القرارات الوطنية وإدارة شؤونه المحلية بنفسه وإنما باعتبارها كذلك مدرسة يمارس بداخلها تدريب وخلق الكفاءات والقدرات المحلية وصقلها لتتولى فيما بعد أدواراً طلائعية على المستوى الوطني عبر السلطات الثلاث (القضائية- التشريعية- والتنفيذية). وبما أن الموضوع يتعلق بالإدارة المحلية كخطوة أساسية لترسيخ الممارسة الديمقراطية تبقى الإشكالية التي سنحاول الإجابة عليها هنا هي كيف يمكن أن تشكل المجالس المحلية خطوة حقيقية في ترسيخ الممارسة الديمقراطية وتجذير المشاركة الشعبية. للإجابة على التساؤل السابق وغيره من التساؤلات التي تطرحها تجربة المجالس المحلية في بلادنا ارتأينا أن نتناول في البداية المجالس المحلية باعتبارها الوسيلة المثلى لإدارة الديمقراطية (مطلب أول) قبل أن نناقش (المطلب الثاني) كيف يمكن لهذه المجالس أن تسهم في دمقرطة الإدارة وذلك وفقاً للتفصيل التالي: المطلب الأول: إدارة الديمقراطية عبر المجالس المحلية: سواءً اعتبرنا الديمقراطية نظام حكم أو عرفناها باعتبارها حكم الشعب بالشعب ولمصلحة الشعب ستبقى غير ذات مردود إيجابي ما لم نؤسس لمؤسسات راسخة تمكن إعداد القرارات الوطنية ووضع استراتيجية البناء والتنمية وتحولها إلى منجزات فعلية يلمسها المواطن ويشعر بها قبل أن يتغنى بها. ودون أن ننسى اشتراطات الديمقراطية الأخرى من الحرية والتداول السلمي للسلطة،... يبقى المهم هنا هو تحقيق الاشتراطات السابقة زيادة على وضع استراتيجيات البناء والتنمية. إن من أبرز النتائج لإدارة الديمقراطية عبر المجالس المحلية ما يلي: 1- إعطاء المجال الأفسح لمساهمة الشعب في إدارة شؤونه المحلية بنفسه وبالتالي مساهمته بطريقة غير مباشرة في صنع القرارات الوطنية، وهذا بالضبط هو التجسيد الحقيقي لمضامين الديمقراطية باعتبارها حكم الشعب بالشعب وللشعب. 2- إن تراكم خبرات المجالس المحلية تضاعف من كفاءة وقدرات القائمين عليها وتؤهلهم لتبوؤ أعلى المراتب الإدارية والتنفيذية والتشريعية على المستوى الوطني وهو الأمر الذي جعلنا نعتبر أن هذه المجالس هي أشبه بالمدارس والمعاهد التي يتخرج منها أمهر المتخصصين والقادرين على العطاء والمساهمين في رسم استراتيجيات التنمية استناداً الى الواقع والخبرة الحقيقية. 3- إن رسوخ هذه التجربة تمكن البلدان من تحمل تجاوز الأزمات وتحمل الصدمات الطارئة، ذلك أن لا مركزية القرار والإدارة يؤدي الى توزيع الأعباء وتنمو بالتالي قوة المقاومة وتجاوز الصعاب. 4- إن خلق روح المبادرة واقتراح الخطط والبرامج داخل الإدارة المحلية من شأنه كذلك تنمية العمل التعاوني وتشجيع القطاع الخاص وتحقيق التنمية الاقتصادية بما يساهم في توسيع نطاق التنمية أفقياً وعمودياً. المطلب الثاني: دمقرطة الإدارة: لا يتعلق الأمر هنا فقط بالطريقة التي يتم فيها اختيار أعضاء المجالس المحلية ولا حتى بالكيفية التي يمكن مراقبة أدائهم... بل إن نقل الأعباء من المركز بما يعنيه من إعادة توزيع الاختصاصات ينعكس بشكل جلي على تطوير الإدارة كأهم معلم من معالم الدولة الديمقراطية الحديثة. نائب عميد كلية الحقوق بتعز