عندما تسمع من ينادي آخر «يالوح» فإن المنادي مدرس ولا شك والمنادى طالب رديء التوصيل للمعلومات، مع أنه ليس كائناً خشبياً إلا أن هذه الكلمة تكرس فيه أخلاقيات ومشاعر المواد سيئة التوصيل كالبلاستيك والخشب والعقل المجني عليه. أما إذا كانت كلمة النداء «يامدير» فأنت في سوق القات أو أمام أي بائع آخر يضمر لجيوب المارة سوءاً مزمناً.. والاحتمال الآخر أن تكون أمام أحد المعاملين الذين ما زالت لديهم القدرة على ملاحقة «المختص» في طواريد دائرته والبوفيات المجاورة، وهذا المختص «المدير» من أسباب ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب وتصلب الشرايين، غير أنه بدون نكهة ولا فلتر ولا تبغ، لكنه يمثل آفة يجب أن يحظر انتشارها تماماً كالأفيون والهيروين وأسرتهم العريقة في فن الدمار الشامل. ولأن الاستئصال يجب أن يكون دائماً من المنابع فيجب أن يبدأ بمسئول الدائرة التي يعمل فيها هذا المختص «المدير» والأخيرة بين قوسين بالتأكيد عندما لفظها المعامل المنهك فإنه كان يقصد كلمة مغايرة لها تماماً في عقله الباطن تندرج تحت بند «كلام أسود» الذي يتم تناوله بجرعات مفرطة في الأزقة الموصلة.. وهناك قاموس مهني للكلمات الشائعة بين أعضاء مهنة أو حرفة ما، يتم تداولها في إطار مغلق، وقد تتسرب إلى الحياة العامة لأصحاب هذه المهنة. اللغة السوداء على الصفحات البيضاء يدونها بعض الكتاب الذين انحدروا من حرفة مجهولة إلى العمل الصحفي، قد تشكل قاموساً مستقلاً للحرف الصحفي السيئ الذي كان يأتي غالباً بين قوسين قبل استفحال الظاهرة ليصبح جملاً، ففقرات كاملة الدسم تنشر غالباً ضد زملاء الحرف، نتيجة مواقف ذات طابع شخصي، فتصبح رسالة الصحافة معها رسالة يجب تشفيرها وغلقها على أصحاب الميول السوداوية، لتظل العلاقة بين القارئ والكاتب أو الصحيفة طبيعية وقائمة على أساس الاحترام والفائدة وتلاقح الآراء فكرياً وليس جسدياً كما تؤسس له هذه اللغة وتحشر قراءً يحترمون ذواتهم ويبحثون عن خبر جديد أو فائدة مستهدفة من قراءاتهم الصحفية. هؤلاء المحشورون عنوةً قد يفضلون قطيعة مستقبلية مع حرف يخشون على صغارهم من قراءته لأنه مسموم. هذه اللغة قد تكسر الفاصل الأخلاقي بين العمل الصحفي وأخلاق الرصيف ليختلط الطرفان نتيجة أوضاع مغلوطة. الكلام الأسود سيكون من المجدي تصنيفه في «كتاب أسود» ليمنع أي الكلام من النشر والتداول الصحفي ويوجه الأقلام توجيهاً سوياً.. تماماً كلوحات المرور الإرشادية «ممنوع الوقوف». ستكون بذلك قد وضعت قاعدة بيانات أخلاقية أولية للكاتب المحترم حتى لا يسقط يوماً في شرك الحرف الأسود إن شاع وتفشى حتى يصبح تداوله عادياً كما تفشي الجهل فأصبح التجاهل صنعة من يتقنون فن العلاقات العامة يحسنون صورتهم الجهلية ويرفعون عنهم ظن السوء بأنهم علماء حتى يتقبلهم الآخرون قبولاً حسناً بمشترك الجهل. هذا سر آخر من أسرار صناعة الكوريكت «القلم الأبيض».. وشكراً لأمين الوائلي لأنه لم يزل يبتسم.