لم صديقك وحده يستحق اللوم؟ هو مثلي مشغول بنفسه، هو يلومك أيضاً.. الحال يشبه هذا الوجوم الذي يخيّم على المقابر حين دفن عزيز.. ابدأ بنفسك، سل أبناءك.. زوجك.. اخوانك.. والديك، فيم هذه الجفوة والسهوم؟. أقدّر تماماً أن سؤالاً مثل هذا لأهلك وزوجك والأقربين يثير إجابات تتحرش اقتصادياً. أقدرّ أنك عندما تفتح نيران عتابك على صديقك فلأنه يستوعبها ليحيلها إليك برداً وسلاماً.. ولكن حنانيك.. لا تحاول وهذه نصيحة شفيقة أن تستخرج صديقك هذا من بطون الكتب.. لم تعد الكتب صالحة للقراءة الآن، الزمن انتهت صلاحية مثاليته!! لم يعد للصديق وقت أن يحمل همومك، بل أن يصغي إليك، ليس لديه وقت للإصغاء، السمع صار ثقيلاً لا طاقة له بهذه الضوضاء التي صارت تزعج أجواز الفضاء.. في صحيح البخاري الذي قال عنه العلماء إن الفقه هو في تبويبه «باب.. الرجل يزور صديقه ويبيت عنده» كنت أرى في القرية أصدقاء يستقبلون أصدقاءهم من أماكن بعيدة.. وفرت الحياة المعاصرة الهاتف الذي لن تستطيع أن تعتذر لانفصاله عنك في المنزل، بينما أنت في الخارج، فمعظم الباعة المتجولين لديهم الهاتف المحمول.. وتسمع أخيراً بعد مضي سنة أن فلاناً مات.. هل هو؟ نعم إنه هو، فلا تشعر بالانزعاج لتقصيرك، بل إن طفلك الصغير قد عاد للعب بينما أسعفه عابر سبيل إلى مشفى مجاور ودفع له ثمن أنبوبة «فولترين» ولفافة من الضماد وغرز خيط غير متين، واشتبك مع مساعد الطبيب الذي كان في حوار عدمي مع أرملة تشكو غدر زوجها بعد زواج غير ميمون استمر فترة احتيال سلبها خيطاً ذهبياً هو في الأصل نحاس مغشوش «وفهلوة» يبيعها أناس تطلق عليهم الحكومة «صائغو الذهب» يلعبون السيرك في دكاكين ذات بريق في شوارع رئيسية مزدحمة. أنت تستحق اللوم وحدك لأنك خارج العصر لم تستوعب أن تقول لك فتاة بأنك مندفع عاطفياً.. في العرس همس في أذنك صديقك الوزير الذي خيّب أملك لأنك أردت أن تنصر قاضياً شريفاً: أنت هنا؟ ربما لم يكن سعيداً لأنه لم يجدك في مأتم.. يا صديقي كلنا ملومون.. خفف من اندفاعك العاطفي.