غياب الكتاب مشكلة بكل المقاييس ولا خلاف على هذا الأمر ، ولا يمكن النظر لغياب الكتاب إلا من هذه الزاوية فقط ، لكنني لن أخوض هنا في تفاصيل هذا الغياب المؤلم والموحش لأهم وسيلة من وسائل العلم والتعلم والاطلاع وخلق الوعي ، ولن أتحدث عن أنماط الغياب هذا بما في ذلك غيابه رغم وجوده في متناول الأيدي. سنتحدث عن مشكلة حضور الكتاب ، بمعنى عندما يصبح وجود الكتاب مشكلة لا تقل تعقيداً عن مشكلة غيابه ، وعندما تصبح هذه المشكلة أكثر إيلاماً وهي تأخذ طابع الاستغلال والإكراه ، عن الكتاب الجامعي تحديداً وبه تكمن هذه المشكلة القديمة الجديدة ، فهي قديمة من بداية حديث «الملازم» الكثيرة العدد والكبيرة الحجم والقليلة الفائدة والتي يصعب الاحتفاظ بها ، وهي جديدة لأنها ظهرت بظهور الكتاب الجامعي الذي أراد أن يخلف تلك الملازم ويتفادى سلبياتها، وهو بالطبع لم يخلفها حتى اللحظة على النحو المطلوب كماً ونوعاً ، فمع بداية هذا الظهور المرتجى والمرتقب والمؤمل منه وعليه ، أطلت مشكلة لم تكن في حسبان الطالب الفقير تحديداً أن يصبح هذا الكتاب سلعة يتاجر بها مؤلفها أو معدها وهو هنا الأستاذ الجامعي وحتى لا يمتعض من يقرأ هذه السطور ويتهمني بالتعميم وأشياء أخرى أقول من البداية نعم ليس كل الأساتذة يفعلون هذا .. نعم البعض فقط يتاجرون بكتبهم ويرغمون الطلاب جميعهم على شرائها بأضعاف ثمنها وأثمانها ويساومونهم على النجاح من خلال تسجيل اسم من يدفع ويشتري دون مراعاة للظروف التي يعيشها البعض من هؤلاء الطلاب الذين يدرسون على حافة الاحتمال .. هل يواصلون الدراسة أم لا ؟ بسبب هذه الظروف الاقتصادية السيئة التي يشتكي منها الأستاذ ويشكو أكثر من الطالب ، وحده الصمت حاضر بحضور هذه المشكلة التي جعلت من الكتاب عائقاً أمام مواصلة البعض للدراسة . أو على الأقل ضاعفت من همومه ومتاعبه ومعاناته هو ومن يعوله وينفق عليه ، وكثيراً ما تكون هذه المشاكل على حساب المأكل والمشرب والملبس والمسكن والمحزن أن يكون الكتاب هو السبب والاستاذ سبب هذا السبب. رأيت بأم عيني العديد من هؤلاء الأساتذة وهم يمارسون تجارة الكتب بالأمس القريب واليوم هذا ، وبالطريقة ذاتها القائمة على تسجيل اسم من يشتري ومن لا يشتري لا ينجح !، ورأيت في ذات الوقت الدموع تترقرق في عيون العديد من الطلاب والطالبات الذين لا يستطيعون شراء هذه الكتب وبالتأكيد لم تكن في عيونهم تلك دموع الفرح ، لكنها دموع شديدة الصلة بالحزن والحسرة والألم والقهر والحيرة وأشياء من هذا القبيل. - أن يكون الكتاب متاحاً ليس بالضرورة أن يكون شراؤه إجبارياً على الطالب .. كل طالب وتغلق كل أبواب الحصول على ما يحويه هذا الكتاب ، كأن يستعير الطالب الفقير الكتاب من زميل له أو أن يشترك كل طالبين بكتاب واحد، ولا علاقة للتاجر المؤلف بهذا الشأن ، فكل ما يهمه أن يستفيد الطالب من محتويات الكتاب المقرر والامتحان هو المقياس أولاً وأخيراً .. هذا إن كان يهمه أمر الاستفادة وإن لم فالهم يصبح أكبر ، ويصبح الكتاب صديقاً ما من عداوته بُد ، ولا أظن أن وراء هذه العداوة ما يمكن أن يعول عليه في الارتقاء بالعلم والمعرفة والوعي والأخلاق عموماً..!