أشياء كثيرة يصعب تجنبها ويصعب الهروب منها وإن كان الهروب أسهل الخيارات وأسهل القرارات فيما عدا التهرب الذي يعد عند البعض هواية مفضلة حين يقتضي الحال الوقوف وتحمل المسؤولية، وحينما لاتكون هناك ضرورة لهذا الفعل،وإن كنت أرى أن المواجهة أفضل وأن الضرورات التي تبيح المحظورات والمخدورات ليست حاضرة في كل شيء ليتخذها البعض نهجاً عاماً ومبدأ دائماً للتنصل من المسؤوليات المادية والأخلاقية على حد سواء، غير أن الهروب الصعب الذي أعنيه هنا وهو صعب بالفعل أن تهرب بمسامعك من أحاديث كلها قبح وتجريح وإن هربت فبعد فوات الأوان وبعد أن تكون قد أحدثت تلك الأحاديث أثرها في النفس، ويصعب الهروب من مشاهد تنطبع في مخيلتك من نظرة واحدة وإن هربت بعدها بنظرك إلى حيث تشاء، فإنك لن تهرب من الصورة التي ارتسمت في ممرات الذاكرة وشغاف القلب.. وللأسف أن الأحاديث السيئة والمشاهد المؤلمة والمحزنة أطول عمراً في الذاكرة والقلب مهما كانت نفسية السامع والمشاهد والهروب من الآثار المترتبة عن السماع والرؤية أصعب من الهروب بالمسامع والأنظار حين لايكون الحال في دائرة الإكراه والاضطرار، والهروب من الهم أصعب. كيف يمكنك أن تهرب بوعيك عن إدراك حقيقة مايجرى عندما تكون هذه الحقيقة لاتخدم الحال الذي تنشده وتتمناه؟ كيف يمكنك أن تهرب من زيف القيم والأخلاق التي يتظاهر بها عشاق الزيف والخداع وأنت ترى هذا الزيف يتربع على عرش العلاقات والمعاملات والتعاملات اليومية فيما النفائس مطمورة برماد الزيف والمغالطات؟! كيف يمكنك الهروب من إدراك هذه الحقائق أولاً؟ وكيف تهرب بعد ذلك من الأثر الناجم عنها؟ ومن الوجع الذي سوف يسري في مفاصل أوقاتك وعمرك وجسدك وأنت ترى رواج بضاعة الزيف وكساد النفائس والحقائق؟! هل تستطيع أن تهرب من خيبة أملك. عندما تكتشف بعد سنين عديدة أن من كنت تحسبه صديقاً لك ليس سوى المستحيل الثالث،وهو عدو يرتدي أثواب المحبة الزائفة وهنا عليك قبل أن تفكر بالهروب من خيبة الأمل أن تعترف بأن بعض الظن إثم وأن ظنك هو كل هذا البعض الذي هو إثم، لأنك احتكمت إلى مظاهر زائفة، وأنا هنا لا أتحدث عن وجع شخصي، لا استبعد أن الكثير قد ذاقوا مرارته وألمه بصورة أو بأخرى وتبقى مسألة الهروب من الوجع ومن خيبة الأمل هي الأصعب في هكذا تجربة، ولايقتصر الحال ولا الشاهد على العلاقات بين الاشخاص بل تمتد إلى علاقة الناس بالأوطان ويحدث أن تعكر الخيانة صفو هذه العلاقة، والإنسان وحده يجرؤ على إفساد هذه العلاقة بالخيانة والخيانة ليست كلها من النوع المتعارف عليه والمعروفة بالخيانة العظمى، فثمة تصرفات وأعمال تنالها صفة من صفات الخيانة وتنطبق عليها، ولا هروب من الدهشة ومن خيبة الأمل مع كل درجة من درجاتها خصوصاً مع من لاتتوقع منه عملاً من هذا القبيل، وعندما ينجح البعض في الهروب في حال من الأحوال فإنه سوف يعجز في حالٍ وحالات أخرى..!!!