عندما تضيق مساحة الديمقراطية بين الشعوب، وعندما تنخرهم سوسة الظلم والقهر، فيتسلط عليهم وحش كاسر، سلاحه الدهاء والمكر، فيرمي ذرات من السكر وفتات الخبز ومايسمى بالمنح والمساعدات لدعم المنظمات والجمعيات اليمينية واليسارية وليس أدل على ذلك حالياً ماقدم من دعم مضاد للثورة وللدولة الأفغانية التي ساندها حينها الاتحاد السوفيتي سابقاً، بدعم الجماعات والتنظيمات السياسية، وجلب أيضاً العرب وغير العرب لمناصرة ودعم العداء ضد أفغانستان والذي استمر بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانهيار الدولة في أفغانستان وظهور طالبان التي أحرقت الأخضر واليابس، وأعادت البلاد على طريقة ماقام به الخمير الحمر في كمبوديا، لذا دخلت قوات التحالف الدولي وانسحبت طالبان والقاعدة لتبدأ وضعاً عسكرياً تكتيكياً من الحرب الخفية، «اضرب ثم أهرب والأرض المفتوحة» ولتكون الأرض الأفغانية مستنقعاً تغرق في وحله القوات الأجنبية وتدخلها المغرور غير المحسوب وهي مسألة حياة أو موت لطالبان والقاعدة، أشبه مايكون بمقولة «أنا ومن بعدي الطوفان» بالنسبة لطرفي الوضع في أفغانستان. وهكذا يكون الشعب الأفغاني ذلك البلد الفقير المتواضع الغني بقيمه التاريخية ومنها الإسلامية، مسرحاً لتطبيق نظري وعملي لصدام حضاري، وقوده متطرفون من كل القوى وهو نتاج لامتصاص جزء من الصحوة الإسلامية من الغرب في الثمانينيات ورميها في أتون الحرب الأفغانية الأولى، وعلينا أن ننتقد أنفسنا نحن الشعوب العربية وحكوماتها لأننا ساهمنا بتصدير شبابنا و رؤاهم وسمحنا لهم بتوسيع أفق التطرف وتطبيقه على الساحة الأفغانية فلم نستمع لهم ولم نحاورهم، فطبقوا قناعاتهم وأهدافهم بأرض غير أرضهم فجعلنا شرهم يستشري في تطبيق أحلامهم وفهمهم المتطرف للدين، ومن جانب آخر ضربت الحكومات العربية أذناً من طين وأذناً من عجين وتناست أن نار التطرف والإهمال وعدم الاتصات والانصاف لوجهات نظرهم ومحاورتهم هي شر مستطير سيصلها شاءت أم أبت سواء في بلدنا اليمن أم السعودية، الكويت، مصر، الأردن، المغرب.....إلخ». للأسف الشديد كل جهة تمارس سلطتها بدون تعقل وتمعن فقد اعتقدت أن تصدير هذه الفئات والقوى إلى أفغانستان هي إسهام في المجهود الحربي لمعاداة المد الشيوعي في أفغانستان حينها ، وأن هذه الفئات هي وقود حرب ستنتهي متناسية أن الميدان يعلم الفارس ويمكنه من امتلاك فنون حرب، وأن هولاء مسلمون لايصح أن نجعلهم وقود حرب حتى فيما بينهم فيقتلوا بعضهم بعضاً ويصدرون فتاوى لذلك لتدور دوامة حرب بشرية لاتتوقف. هكذا انتهت الحرب الأفغانية الأولى ونحن ألآن في الثانية وهكذا دواليك.. وانتهت حرب الخليج الأولى والثانية ونحن في الثالثة ومازال دم العرب والمسلمين يُسفك بفضاعة سواء من عدو خارجي الآن أم فيما بين الدم المسلم والعربي فما يجري من كر وفر مع قوات التحالف ومايجري بين التنظيمات الإسلامية في باكستان ومايشهده العراق من دمار رهيب يقتل البشر بعضهم بعضاً سني، شيعي ،مسيحي، كردي ومحاولات تقسيم الدولة العراقية.. هل التشرذم سلاح مستتر لم تبرزه التنظيمات العراقية أثناء حكم حزب البعث؟ أم أن مايجري هو اختلاط الحابل بالنابل جرته ويلات التدخل الأجنبي وما أثارته من حفيظة الشعب العراقي وهو يرى دماراً مابعده دمار، قد لايكون يماثل ماقام به التتار الذين أعذرنا لهم أنهم همج وبرابرة بل أفضع ولكن أن نرى دماراً للبنية التحتية والتراث الثقافي وقتل البشر بشكل لم يشهده الإنسان، لم تعرف هذه الدوامة بعد نضوب وانتهاء، فدوامة العنف والقتل وعدم الاستقرار مازالت مستعرة وتتسع وحوار الطرشان السياسي ومسلسل المحاكمة الذي يحاكم الأمس ولايحاكم اليوم والذي بطريقة غير مباشرة يبرز نقاط الضعف والقوة للنظام الحالي والبائد، فأية حرية تحت الاحتلال وأي أمن يتحقق وأي تاريخ يحفظ!!. إن مأزقاً حضارياً بكل معناه نشهده دينياً وعرقياً واقتصادياً وعلمياً.. كل هذا المشهد نشاهده بألم.. فهل نحن نحتاج للديمقراطية أو قبلها نحتاج لنصحح هذا المشهد باحترام الحريات والحقوق الدينية وألا تعلو فئة على أخرى واعتبار الأقليات لحقوقها وإدراك أن الاقتصاد والثروات لايصح أن تكون وقود حرب فهي أمانة من جيل لآخر وألا يسخر التطور العلمي لتكريس نزعة التدمير والتخريب الذي تتسع رقعته في العراق والصومال ولبنان وفلسطين بعد أن كانت الشعوب تتوق إلى مساحة من الديمقراطية.. أما الآن لا هذا ولا ذاك فالشعوب تحتاج للأمن والأمان واحترام الذات والخصوصية ثم الديمقراطية والمساعدات والمنح للشعوب والأمم على قاعدة من الاحترام وتساوي الشعوب في الحقوق والكرامة الإنسانية والخصوصية.