أكثر من أربعة أطنان حشيشاً، و (804) آلاف حبة مخدرة، و (115) شجرة قنب هندي تدخل في صناعة المخدرات، ذلك هو حصيلة ماضبطته أجهزة وزارة الداخلية اليمنية، ومالم يتم ضبطه مازال علمه عند الله.. إن هذا المؤشر لنشاط عام واحد يعد مرتفعاً جداً.. ويؤكد أننا أصبحنا في دائرة استهداف تجارة المخدرات، وهذا بدوره يعني تنامي ثقافة تعاطي المخدرات في أوساط المجتمع، حيث إن كميات العرض لايمكن أن ترتفع مالم يسبقها ارتفاع بمعدلات الطلب، رغم أن بعض رجال الأمن يؤكدون أن معظم الحشيش المضبوط لم يكن يستهدف السوق اليمنية، بل كان في طريقه إلى أسواق دول الجوار ، وأنا مع ذلك الاعتقاد. أمس وقف مسئولون حكوميون، وقضاة، وقانونيون، وباحثون في محافظة تعز على مشكلة المخدرات في إطار حلقة نقاش للمركز الوطني للتدريب والتأهيل على حقوق الإنسان، واستعرض المشاركون الكثير من الحقائق المريرة التي أكدت تفشي ثقافة (الدايزبام) في أوساط شبابنا. ومع أنهم خرجوا بجملة من التوصيات المهمة جداً في مواجهة معركة المخدرات، إلاّ أن السؤال الذي أبقوه بغير إجابة هو: على من نلقي ملامة تفشي المخدرات؟ ومعركة مَنْ هذه التي يجب خوضها ضد الظاهرة؟! بتقديري أن بقاء مسئولي وزارة الداخلية وحدهم المتحدثون عن ظاهرة المخدرات، وعرض الإحصائيات يمثل مؤشراً على أن هناك أطرافاً عديدة مهزومة في المعركة، ولم يبق سوى جندي الداخلية صامداً في خندقه بوجه هجمة المخدرات الشرسة، لذلك حقق تجار المخدرات انتصارات نوعية في عدة مدن يمنية. حتى هذه الساعة لم أسمع خطيباً في مسجد يحدث الناس عن كيفية تحصين أبنائهم من هذا الداء الفتاك، ويوعيهم بحجم الخطر المحدق بالمجتمع، أو يفتي لهم بحرمة حبوب (الدايزبام) وغيرها إذا تم تعاطيها لغير العلاج وهذا يعني أن الخطباء كانوا في طليعة المهزومين من المعركة.. كما أن غياب التوعية في معظم الصحف والمواقع وعدم الاكتراث للحديث عن المخاطر، أو حتى تناول مأساة ضحاياه، يضع الكثير جداً من وسائلنا الإعلامية في خانة المهزومين في المعركة مع المخدرات - وتندرج في ذلك أيضاً أقلام المثقفين. لكن المهزوم الأكبر بين الجميع هو وزارة الصحة التي أخفقت حتى اليوم في وضع استراتيجيات معينة لتنظيم كميات دخول العقاقير المخدرة المخصصة للمصابين بأمراض نفسية.. فقد جرت العادة لدى كثير من دول العالم أن تمنح تراخيص بيع مثل هذه العلاجات لصيدلية واحدة فقط في كل محافظة، وطبقاً لضوابط بيع محددة، فيما يتم مطالبة المستشفيات التي تتعاطى مع هذه الأدوية بتسجيل بيانات حول من تصرف لهم هذه الأدوية.. بينما في الدول المتقدمة لايتم صرف أية علاجات مخدرة دون أن يكون المريض يحمل بطاقة يصدرها أحد المراكز المتخصصة، والذي يحتفظ ببيانات مفصلة عن كل مريض يحمل بطاقته. تجارب دول العالم في مكافحة المخدرات كثيرة ومتنوعة، ولكن في اليمن لم تطبق وزارة الصحة أياً منها.. وإن مجرد نجاح شاب مراهق في الوصول إلى مصدر بيعها يؤكد حجم عجز الأجهزة الصحية الرقابية في القيام بمسئولياتها إزاء انتشار العقاقير المخدرة في مختلف صيدليات الجمهورية. أما فيما يتعلق بالأجهزة الأمنية، فإنني أشفق عليها أن تتحمل كل المسئوليات وتؤدي أدوار الرقابة الصحية بالنيابة، والرقابة التجارية بالنيابة، وغيرها من الأجهزة التي تقاعست عن مسئولياتها، كما هو الشأن في قضية المخدرات.. التي تتحمل الداخلية وحدها مهام الضبط، والتوعية، والرقابة، وحتى معالجة الآثار الجنائية المترتبة عن سلوك متعاطي المخدرات. لاشك أن اتساع الظاهرة يدفعنا إلى افتراض الشراكة المجتمعية في المواجهة على غرار حلقة نقاش «تعز» التي جمعت رجل الأمن والقاضي، والباحث، والطبيب، ورجل القانون، وناشطي منظمات، وصحافيين ... إذ أن الخطر أكبر بكثير مما يعتقد البعض، ولايمكن الانتصار عليه بغير تحالف مجتمعي الكل فيه يلعب دوراً معيناً حتى يتم إحلال ثقافة بديلة لدى شبابنا.. إن المخدرات آفة الموت البطيء لأي مجتمع تغزوه، وإن أخطر مافيها هو أن الآباء لايكتشفون تورط أبنائهم إلاّ بعد استفحال الداء، وتحول الرغبة المؤقتة إلى إدمان.. وإذا ماعلم الآباء بأن اليمن تفتقر لمراكز متخصصة لعلاج المدمنين فعليهم حينئذ النظر إلى الإدمان على أنه موت محقق لامحالة.