كانت تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في 2001م التي نفذها الارهابيون ضد برجي «مانهاتن» في الولاياتالمتحدةالأمريكية مجرد مشكلة أمنية استطاعت الولاياتالمتحدة أن تضمن عدم تكرارها على الأقل رغم تداعياتها الخطيرة بالمزيد من الاحترازات الأمنية ،وتستطيع أية دولة في العالم تجنب مثل هذه الكوارث وعمليات الإرهاب بالمزيد من الحيطة والحذر في الجانب الأمني.. لكنني أظن وليس كل الظن إثماً انها بالنسبة لنا نحن العرب ليست كذلك..أي أنها ليست قضية أمنية وحسب بل إنها مشكلة ثقافية وفكرية في الأساس وذلك مايزيد الأمور تعقيداً..فالمواجهة مع الإرهابيين تزداد صعوبة لأن إرهابهم يكمن في الفكر الضال والعقيدة المنحرفة وتلك الرؤوس المحشوة بأكاذيب وأباطيل وافتراءات ماأنزل الله بها من سلطان . الأدهى والأمر أن هؤلاء يقسمون المجتمع إلى نصفين مجتمع كفر ومجتمع إيمان ويقسمون الديار أيضاً إلى دارين دار كفر ودار إيمان وهلم جرا.. في تاريخنا العربي الإسلامي ابتليت الأمة بطائفة من هؤلاء الخارجين على النظام والقانون ومبادئ التسامح وصحيح الدين الحنيف تحت ذرائع واهية ودعاوى باطلة. في غمرة حزني وأسفي على دماء «ماريا» و«خوليو» وبقية زملائهما المغدور بهم وفي ذروة ذهولي من بشاعة الحادث قفزت إلى ذهني قصة “أم هانئ” تلك المرأة المسلمة التي أجارت خمسة من اليهود في دارها عند مطاردة الإمام علي كرم الله وجهه لهم كي يقتلهم عندما وقفت في وجهه قائلة:لاسبيل لك إليهم فقد أجرتهم وعندما ذهبا معاً إلى النبي «صلى الله عليه وسلم» قال: «لاعليك يا أم هانئ فقد أجرنا من أجرتي» في موقف إنساني رفيع يشرح سماحة الإسلام والقيم الرفيعة للدين الحنيف. ترى ما الذي يمكن أن يقوله المرء أو يقوله هؤلاء لو كانوا عقلاء عن أولئك السياح المغدور بهم وقد كانوا في ضيافة الشعب اليمني وفي جوار رئيس البلاد وحكومته وشعبه بعد أن أزهقت أرواحهم ظلماً وعدواناً؟؟هل يمكن أن نطلق صفة الإسلام الذي هو الرحمة المهداة على هؤلاء القتلة الغادرين. المشكلة أن الحوار لن يجدي نفعاً مع هؤلاء للأسباب التي ذكرتها آنفاً فضلاً عن شعورهم بالاستعلاء بالإيمان «وهو إيمان زائف على أية حال» وامتلاك الحقيقة المطلقة..ولذلك فإن المواجهة معهم لابد أن تكون في غاية الصرامة والحزم لاستئصال هذه البؤرة الصديدية من جسد المجتمع.. وينبغي لهذه المواجهة أن لاتقتصر على رجال الأمن والشرطة والقوات المسلحة بل ان تتحول إلى مواجهة شعبية يشترك فيها المجتمع المدني بنخبه وفئاته ومختلف شرائحه الاجتماعية وتكويناته السياسية لأنه صاحب المصلحة الحقيقية في ضمان الأمن والاستقرار وإقصاء كل مايتعلق بهذا الفكر الديني المنحرف من ضلالات وأكاذيب. قد يسأل أحدكم كيف؟؟ إن لم يقل أن تلك دعوة صريحة للاحتراب بين فئات المجتمع ونداء لمواجهة مسلحة مع هؤلاء.. لكنني أقول:إن مسئولية كل مواطن شريف تقتضي الإبلاغ عن أية انحرافات فكرية تتجه نحو الإرهاب والعنف والقتل في تسيير شئون المجتمع أو في التعبير عن أشكال الرفض والاحتجاج فالإرهاب يبدأ في العقول قبل أن يتجه لاستحلال الأرواح والدماء. ينبغي أيضاً استهجان كل بوادر الإرهاب الفكري وفضحه في التو والحال،وعدم الاحتفاء بأي شكل من أشكال الفكر الديني الزائف والمضلل من قبل وسائل الإعلام بمختلف أنواعها حكومية أم حزبية أم أهلية...!! ليست المعركة مع الإرهاب والإرهابيين مسئولية الدولة وأجهزتها الأمنية فقط ولكنها معركتنا جميعاً..معركة المجتمع المدني بمختلف طوائفه وشرائحه وانتماءاته السياسية والحزبية المختلفة. وهي معركة كل مواطن شريف ..وأي مواطن حر ينشد الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي ويتطلع إلى مستقبل يخلو من سفك الدماء وإزهاق أرواح الأبرياء. غداً سوف تتوجه سيوف القتلة ورماح الإرهابيين إلى صدورنا نحن..غداً تنفجر قنابلهم وعبواتهم الناسفة وسياراتهم المفخخة في عيوننا ورؤوسنا وأجسادنا نحن إذا ما ترددنا عن تحويل المواجهة مع هؤلاء إلى مواجهة شعبية شاملة..!!