هذه الأيام الطقس بديع في ربوع اليمن الحبيب الموحد، ولا أعلم كيف تخلّى كثير من اليمنيين عن أصولهم الرومانسية الكثيرة الانتماء لأحضان الطبيعة الخضراء، فكثير من المواطنين يعودون بذوقهم للقرية اليمنية؛ فهم أبناء مزارعين ومزارعات.. ولعل أجمل مدينة في اليمن هي مدينة تعز، أحاول أن أستيقظ باكراً لأعلو المدينة من صبر الذي يحتضن هذه المدينة بحنان وغيرة. ليس معي غير هذا الجو الذي هو نسيم بارد من نسائم الجنان، وهذا الرهيم الذي يعطر صبر ومدينته تعز، وهذا السكون المطرز بنداء عذارى صبر يقّدمن للصاعدين من تعز هذا التين الذي أقسم الله به في قرآنه المجيد. أعجب كيف يتخلى الكثير من أهل المدينة وصبر على السواء عن هذه المنحة الربانية، عن رؤية الطبيعة المغناة في هذه الصباحات والمساءات، وإذا كان هناك عذر مرضي للذين يخزنون «ليس على المريض حرج» إذ يخلدون في زوايا بيوتهم يأكلون حشيش القات فليس لهم عذر حين يتخلون عن هذه الصباحات الماطرة نسيماً وودقاً يخرج من خلال الصخور والنباتات وفروع الأشجار الباسقة. ما هو السر وراء الهروب من نداءات الطبيعة الجميلة، لماذا هذا الخلود للقبح واطراح الجمال وراء الظهر وخلف الخطا؟ لقد يكون من المناسب التماس جمال الطبيعة أنى وجد وحيث كان للعلاج من هذا «القرف» والملالة وغلظ الطبع وقبح الخلق، وهل غير ذكر الله ورؤية ما أبدعته يداه التي أحسنت صناعة متقنة لكل شيء علاج وحسن عزاء؟!، ولعل خير ما يصور هذا الكسل الذي هو أدنى إلى الحرمان الشيخ الشاعر الفارسي عمر الخيام حين قال: يا رب هل يرضيك هذا الظمأ والماء يمشي من أمامي زلال إن نفوسنا صدأت ليس باطراح ذكر الله وحسب ولكن بجفائها للجمال، جمال هذا الكون المدهش الذي يتجلى في هذه الطبيعة الفاتنة التي خلقها الله لتتبرج مبدية زينتها للأحياء.. الأحياء وحدهم يستطيعون تملّي هذه الطبيعة الرائعة.