كنت قد نويت كتابة هذه المادة في بداية شهر رمضان ونتيجة للأحداث التي يمرّ بها الوطن أجلت كتابتها وهأنذا أطلقها اليوم للنشر. لقد انعكست آثار الحالة الاقتصادية على الاحتفال بشهر رمضان فاختفت مظاهر الاحتفال من الأحياء الشعبية والمناطق الفقيرة التي كانت وحدها القادرة على نقل الشعور بالجو الرمضاني. لم يعد رمضان في هذه السنة كما كان..قلّت الفرحة التي كانت ملازمة لهذا الشهر الكريم فالأسر تحملت أعباء دخول أبنائها المدارس وبداية العام الدراسي لتجد نفسها وجهاً لوجه مع رمضان. حقيقة لم يعد رمضان علامة فارقة كما كان لكثير من الناس وبما يرتبط به من مباهج، لقد فقد التأثير على كثير من الأسر . كان قدوم رمضان يرسم الحياة في التغيير. ربما كل واحد منا مازال يرسم في مخيلته رمضان كشيخ جليل يلبس الملابس البيضاء ويتذكر وهو في قريته والناس على أسطح المنازل يرتلون القرآن كخلايا النحل والأطفال يتطلعون كل يوم إلى الشمس وهي تدنو من نهاية رحلتها عند الأفق الغربي وخيوط الدخان تتصاعد وتشكل سلاسل في السماء. يستطيع أي منا أن يستعيد ذكرياته الرمضانية خاصة وأن رمضان يقترن دوماً بمرحلة الطفولة والمراهقة لكن أطفال اليوم لم يعودوا ينعمون برمضان فقد أصبح ثقيلاً عليهم كما هو ثقيل على آبائهم، فقد أصبح شاهداً على الفروق الاجتماعية بين الفقراء والأغنياء ففي الأحياء الغنية تتضاعف نسبة الاستهلاك وغدت مائدة الإفطار مكتظة بالأطعمة المختلفة وبلغ الإنفاق حد التبذير كما أضحى رمضان سبباً للحقد والكراهية. لم يعد هناك من مشترك بين اليمنيين في هذا الشهر سوى القات ومجالسه فلا فرق بين غني وفقير ، ومثقف وجاهل ، ومجنون وعاقل فالكل يتعاطى هذه الشجرة ولايزال القات من أهم مظاهر الاحتفال بليالي رمضان. ولا شيء يشعر بدخول رمضان هذه السنة، سوى تأخر الدوام وجلوس الموظفين بعد الصلاة لتلاوة القرآن وترك المعاملين يتكدسون في المكاتب دون قضاء حوائجهم ولا شيء أهم من الصلاة، وإذا اعترضت على ذلك فأنت علماني وكافر ، وماخلق الله يوماً وراء يوم إلا لقضاء الحاجات.. وتحول رمضان من شهر الصبر والعمل إلى شهر للكذب على الله والناس. وليس من مشترك في هذا الشهر كما قلنا سوى القات فهو قوت الأغنياء والفقراء، حيث يجتمعون عليه، فهو من وجهة نظرهم يحرضهم على العمل والكلام والنميمة. وعالم النساء لم يعد كما كان، فقد كنّ يتبادلن في رمضان الزيارات وأنواعاً من الحلوى، ويتبادلن أطراف الحديث وبعض الوشوشات الجميلة التي تؤنس خيالهن وتعطي نكهة خاصة لمستقبلهن. أما اليوم فهن مشغولات إما باللفّ في الأسواق لشراء بعض حاجيات أطفالهن ؛ خوفاً من ارتفاع الأسعار أو بحثاً عمّن يدفع «حق القات» و«كرت» يكفي لإجراء بعض المكالمات التي تخفف من طول الليل وقسوته. لا شيء يعود تماماً كما كان ولا شيء يبقى على حاله، حتى رمضان لم يعد نفسه علامة من علامات الفرح. شتان بين رمضان زمان ورمضان اليوم ففي الماضي كان شهر الصوم وموسم السعادة وكانت رؤية الهلال إيذاناً ببدء السعادة ولمّ الشمل أما اليوم فقد أصبح عبئاً على كثير من الأسر. كانت الفرحة برمضان تعلن عن نفسها قبل مجيء هذا الشهر.. ولايغيب عن الذاكرة ذلك الحشد الهائل من الإعداد لرمضان الذي كلما جاء يتألق الوجدان بصور من الذكرى نسجتها الأيام بنبضات القلوب فينساب من بعيد صوت الشيخ محمد حسين عامر عذباً ندياً حاملاً للقلوب معاني الخشوع والأنس بالقرآن الكريم .لم يعد الأبناء يحملون لرمضان نفس مشاعر الآباء والأجداد. كان الموظفون يعملون في رمضان ولايعطلون أعمالهم وكانوا يستمتعون بالعمل أما اليوم فهم يتحايلون لكي يهربوا من مكاتبهم. وكم هي المفارقة عندما ترى الناس تكاد تبطش بشخص أفطر في نهار رمضان ولاتحرّك ساكناً عندما تجد شخصاً مثله يعطّل أعمال الناس مع العلم أن الذي أفطر ارتكب جرماً بحق نفسه، بينما الذي قصّر في أداء وظيفته أضر بالحق العام! أخيراً هناك أسر تفطر يومياً على اللحم والدجاج والسمك وأطايب الحلوى ، وأسر تفطر على مائدة الغلاء والوجع اليومي وصعوبة الحياة!