التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية والمكرس للحديث عن حقوق الإنسان في العالم يفقد مصداقيته كلما أمعن الجانب الأمريكي في الانتقائية والكيل بأكثر من مكيال.. وفرد المزيد من الصفحات لتلك الدول التي لا ترضى عنها الإدارة الأمريكية بمقابل السكوت والتغاضي عن الدول التي ترضى عنها الإدارة الأمريكية مهما بلغت فيها التجاوزات والمظالم. ولا أريد هنا أن أخوض في تفاصيل تلك التقارير التي تواترت على مدى سنوات التحكيم الأمريكي لحقوق الإنسان في العالم والتي أسفرت عن مفارقة أساسية في احكام الإدارة الأمريكية.. ذلك أنه بقدر حرصها على تطبيق افضل الآليات الاجتماعية الحمائية للإنسان في الداخل الأمريكي لا تتورع من انتهاج اسلوب شن الحملات الإعلامية المكثفة وصولاً إلى الحروب غير المبررة. من المؤكد أن للولايات المتحدة وأية دولة في العالم أن تحمي نفسها وان تتوق إلى تعميم نموذجها لأنها تراه الأفضل.. لكن من غير الطبيعي أن تتحول الخارجية الأمريكية إلى محكمة توزع صكوك الغفران على البلدان المختلفة محددة المعايير ومتقمصة دور المحامي والجلاد في آن واحد. في تقرير الخارجية الأمريكية الأخير تحضر الدول العربية بنفس السخاء المعهود.. كما يتم تناول «إسرائيل» من طرف خفي.. أما العراق المحتل وبحسب ما يذهب إليه التقرير فإنه سيكون النموذج الاستثناء في الدولة الديمقراطية العربية القادمة. معايير حقوق الإنسان تتطلب عهداً دولياً تتشارك فيه الأنظمة والشعوب ويستوي فيه الجميع من حيث المشاركة وتقديم الخيارات والبدائل.. فالنظام الرأسمالي له الحق في أن يرى مفهوم الحرية بعدساته الخاصة.. ولبقية الأنظمة والمرجعيات الحق في أن ترى ذات المفهوم بعدساتها الخاصة أيضاً. الصين الشعبية على سبيل المثال لا يمكنها أن تحتمل التعويم الاقتصادي على النمط الأمريكي؛ لأن استحقاقات الحياة أكبر بما لا يقاس بحال الولاياتالمتحدة؛لذلك كانت فلسفة الحماية الذاتية للأنظمة والشعوب شكلاً من أشكال تأمين حقوق الإنسان وإن غايرت هنا أو هناك النموذج الأمريكي. [email protected]