تأكد الآن جلياً أن العملة الأمريكية تنهار تباعاً، وقد اتبعت بعض البلدان إجراءات حمائية واضحة المعالم وقامت بفك ارتباطها بالعملة الامريكية، وبالتالي أعادت النظر في سياسة التعويم النقدي التاريخية والتي كانت ترتكز على مركزية الدولار ضمن سلة العملات الصعبة، ومثل هذه الإجراءات الحمائية تدخل في صميم المسائل السيادية للدول، وقد أحسنت بعض البلدان صنعاً بحماية نفسها، خاصة تلك البلدان التي تنخرط على نطاق واسع في التبادلات التجارية والاستثمارية الدولية. إن مافعلته تلك البلدان يومىء لخطوة جريئة لجأت إليها ماليزيا عندما بدأت الأزمة المالية الآسيوية قبل عقد من الزمان، وسقطت اندونيسيا ضحية لها، فكان أن انهار نظام سوهارتو بين عشية وضحاها وتحملت اندونيسيا أعباء تعويض الخسائر المليارية. لا ينهار الدولار بسبب عقم الاقتصاد الأمريكي، فالمعروف أن الاقتصاد الأمريكي من أكثر اقتصاديات العالم متانة وحيوية، غير أن المشكلة تكمن في العسكرة الكونية التي تتبعها إدارة بوش، وإصرارها البالغ على إدارة حروب عالمية، تارة ضد الإرهاب، وغالباً ضد الأنظمة التي لا ترضي غرورها، لقد نبه الكثيرون من خبراء الاقتصاد الدولي الإدارة الأمريكية إلى مغبة السير على درب الحروب الدائمة، لكنها تأبّت وأصرت على السير بعيداً في جنونها العسكري الكوني، ولهذا السبب يدفع الاقتصاد الأمريكي ثمن “الفوضى الخلاقة” ويتلخص هذا الثمن في ترجرج الأوضاع الداخلية، والمفارقات النمائية المتوازية مع شكل من أشكال الركود، مما يمكن تفكيك معناه في مقال لاحق.