تعتبر التجربة الايرانية أميز تجربة معاصرة لتطبيق ولاية الفقيه اتصالاً بالفقه الشيعي الجعفري الذي يرى في كل سلطة مفسدة ويفترض أن رجل الدين المليء بعبرة الروح والتاريخ قادر على فرملة هذه المفسدة ومحاصرتها الفعلية. ولا يمكن لهذه الفكرة أن تأخذ مجراها العملي دونما عقد أخلاقي وسياسي وديني بين المؤسسة الحاكمة ميدانياً، ومرجعية الحكم الدينية ممثلة بالإمام صاحب اليد الطولى في التفسير والتقرير وتفهيم من يعجز عن الفهم. ومن الناحية التاريخية الصرفة لم تجد هذه النظرية قوة تطبيق واقعي وميداني أفضل من فترة نهاية حكم الشاه وثورة الخميني في إيران..كما أن هذه التجربة سارت على درب تحديات داخلية وخارجية معقدة أبرزها حرب السنوات الثمانية مع العراق ثم سياسة الحصار المزدوج..وأخيراً الوضع الملتبس لإيران المعاصرة في المستويين الداخلي والخارجي. وإذا كانت المرجعية الدينية تكرر لازمة أن القيادة السياسية المندفعة في أمور الدنيا دون كوابح أو موانع يؤدي إلى فسادها المحتوم وذلك استناداً إلى فتنة السلطة وغوايتها، فإن المبرر الأصلي التبريري لولاية الفقيه ومرجعيته الحاسمة تجاه رجال السلطة تظل قائمة في الحالة الإيرانية..غير أن التاريخ السياسي كان ومازال عصياً على مثل هذه النظرات الأخلاقية المتفائلة.. فالسلطة التاريخية قامت على أسس مغايرة كلية للتوازن والعدالة وحسن النية حتى وإن وجدت استثناءات قليلة في هذا الجانب لذلك كان من المحتم أن يحدث هذا التقاطع السلبي بين الإصلاحيين والمحافظين في ايران وأن يلتبس الطرفين بأمور دنيوية أبعد ما تكون عن النموذج الديني الذي يحرص رجال الدين على استدعائه كل صباح ومساء. لقد تحولت ولاية الفقيه إلى كابح للدولة والمستقبل لأنها لم تعد قادرة على تمثل الفكرة الأولى التي بررت بها حضورها المرجعي الحاسم في الشأنين الديني والدنيوي. في الشأن الديني لم يعد الاجتهاد التفسيري الأول قادراً على الصمود أمام الحقائق المرتبطة بأنصار الإمامة ممن تنعموا بالسلطة وتمرغوا في أحوالها. وفي المستوى الدنيوي لم تعد النظرات السابقة على الفعل السياسي قادرة على مواكبة الأحداث والمصانعة تجاه التحديات المتجددة والمتسارعة.