يستطيع المتخصص بكيمياء الطماطم أن يصبح متخصصاً بكل شيء وبمنتهى السهولة، والمسألة لا تحتاج لدراسات وأبحاث ومعامل مجهزة بأحدث التجهيزات العلمية، ولا تحتاج لعدة أعمار إضافية لإنجاز كل ذلك. كما أنه يستطيع أن يتعامل مع كل ما حوله على أنه طماطم أو صلصة وبذات السهولة، فقط عليه أن يكون كذاباً بامتياز، ولا يهمه في الكذب لومة لائم، ولا يخجل من الكذب ولا يخشى مواجهة الحقائق، وتبقى الحقيقة لديه واحدة، إنه العالم الوحيد الذي لا يشق له غبار، وأن من لا يؤمن بما لديه من علوم ومهارات إنما هو جاهل وغبي ولو انعكس هذ الوصف على كل سكان الأرض. يستطيع أن يعمم تخصصه على كل صغيرة وكبيرة، بما في ذلك الفقه واللغات والأدب والتاريخ، ويصبح صاحب كيمياء العبادات والمواريث وكيمياء النحو والصرف، وكيمياء الغزل والهجاء والمدح، ويستطيع أن يحلل العصور التاريخية والأحداث كما يحلل الطماطم وهو جالس في زاوية من زوايا منزله يتناول القات ممسكاً بقصبة «الأرجيلة» محللاً كل شيء بعيون ونظرات كيميائية خالصة. يستطيع أن يحلل الاقتصاد المحلي والعالمي والمتغيرات الاقتصادية في كل مكان بخلط مجموعة من التصورات لديه أو لنقل التخيلات والأوهام في بوتقة؛ ثم يسخنها بصوته العالي فيحصل على النتيجة العلمية الأكيدة ويخرج بالحلول الشافية والكافية التي لا يمكن لأحد أن يدحضها أو يشكك في صحتها، فالكيمياء لا تكذب ولا تخطئ خصوصاً مع القضايا الاقتصادية والسياسية والهندسة، ومن مبدأ أن كل المخلوقات طماطم وصلصة، وكل العلوم كيمياء وتحليل؛ يمكن لهذا أن يجمع كل الخضروات والفواكه واللغة والأدب والسياسة والاقتصاد وعلم النفس في سلة واحدة، ويصبح بالإضافة إلى ما عنده أول متخصص في كيمياء وتحليل الرجال ولا حياء أو خجل إذا جاءت نتائج التحليل تؤكد أن كل الناس لا يفهمون شيئاً، وأن البلد تعاني أزمة حادة في هذا السياق، أو أن الفساد الذي يصيب الصلصة والطماطم قد أصاب كل شيء ولم يعد سواه خارج دائرة الفساد.. وتحت مظلة هذا العلم العام والشامل يمكنه وصف الدولة التي أنفقت عليه الملايين رغبة في تأهيله في فرع من فروع العلم، يمكنه وصف هذه الدولة بأن لا وجود لها، وأن نظرته الكيميائية تؤكد فسادها وأهلها جميعاً. يمكن لصاحب كيمياء وتحليل الصلصة أن يصطاد أسماكاً من شواطئ «أمانة العاصمة» ثم يجري عليها تحاليل كيميائية في مطبخ المنزل أو بالنظر إليها بعيون الخبرة الفائقة، ثم يعلن نتائجه ويقول إن الثروة السمكية في طول الساحل الممتد لقرابة «2500» كم كلها ملوثة، وتصبح عينات السمك التي حصل عليها من شواطئ «البليلي» وسوق «القاع» مثل أسماك كل البحار، ويمكنه التمسك برأيه والقول إن هذه النتائج لا تقبل التشكيك ولا هي مدفوعة الأجر، ومن يعارضه في الرأي فإنه جاهل بأصول كيمياء الكون. يمكنه أن يقول كل هذا وأكثر، وأن يصر على صحة أقواله وأفعاله طالما أن المنطق والعقل لا كيمياء لهما على شاكلة كيمياء الصلصة، وطالما لم يسمع ولا يريد أن يسمع مقولة أحد «يا من تدّعي في كل العلوم معرفة.. حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء».. وطالما أن الأمانة العلمية ليست حاضرة وطالما القيم والأخلاق تحكمها الدولارات ولو على حساب وطن، وطالما عيون الكيمياء لديه تنظر إلى كل شيء بنظارة الكيمياء وحدها وقد صارت السياسة في نظره صلصة ولا فرق بينهما. ويمكن لهذا الموهوم بعلومه أن يتوهم أكثر، ويحسب أنه بالكذب يصنع مجداً ومكانة عالية، وأنه بهذه الصورة يصنع علماً بعلمه الذي يدعيه بلا منازع..!!!.