تصاعد الجدل - ومازال يتصاعد - حول الدور المهيمن للتلفزيون في حياة الكبار والصغار على السواء، ومع التنامي المذهل لتكنولوجيا الاتصال والبث والاستقبال عبر الأقمار الصناعية، دعا كثيرون إلى وقفة جادة أمام تأثيرات ذلك الصندوق الصغير والعجيب على الأطفال داخل الأسرة، إذ إنه تجاوز بكثير دوره في الترفيه والتسلية إلى حد الإضرار بالوعي والأخلاق والسلوك وحتى بصحة الطفل نفسه كضرره على حاسة البصر على سبيل الذكر لا الحصر. لقد حاولت دراسات علمية كثيرة إثبات التأثيرات المختلفة للتلفزيون على المشاهدين، ورأت أن الكبار أنفسهم قد يقعون ضحية المضامين المختلفة لهذا الجهاز العجيب، فبتنا نسمع عن أشخاص بالغين يرددون: “نحن مدمنون على التلفاز” أو “أصبحنا مبعثرين” بل “مسلوبي الإرادة والتفكير” غير أن سؤالهم اليوم بات أكثر جدية وأهمية وهو كيف نبعد أبناءنا عنه ونحميهم من آثاره السلبية لنعيدهم إلى الحياة الطبيعية التي يجب أن ينمو فيها الطفل ويتعلم فيها من خلال اللعب وحب الاكتشاف والرعاية الصالحة؟. وفي الواقع يبدو قلق الكبار من الآباء والأمهات خاصة هو قلق مبرر ومشروع، فلم نعد اليوم في عصر الأقمار الصناعية قادرين كما يجب، بل غير قادرين مطلقاً على التحكم في التدفق الهائل لمضامين القنوات الفضائية العربية والأجنبية وما يحمله أغلبها من رداءة وتسويق لقيم وعادات دخيلة على عادات وقيم المجتمع بأسره. وكما نسلم جدلاً بفوائد التلفاز إذا تم توجيهه التوجيه السليم وأحسنت إدارة الرقابة عليه، فإننا لا بد أن نسلّم بالمقابل بالآثار السلبية الناتجة عن التهاون في ترك أبنائنا - خاصة من كانت أعمارهم دون العاشرة - نهباً له، ذلك أن التلفزيون بواقعه الحالي لا يجد له في أوساط الناس البالغين مناصرين كثراً، فما بالك بالمختصين العارفين بمدى خطورة انفلاته من الرقابة الحكيمة والترشيد الجيد في الاستخدام والانتقاء الصائب لبرامجه. وللأسف قد يقوم بعض الآباء والأمهات خاصة في العطل الدراسية بإلهاء أطفالهم أمام التلفاز لساعات طويلة، تضر الأبناء دون شك ولا تنفعهم، فالمجال الأنسب والطبيعي لنمو الطفل ليس التسمر أمام التلفاز، بل الحركة والتعلم بواسطة اللعب والاكتشاف للمحيط الذي يعيش فيه الطفل مما يساعد في يسر وسهولة على نمو تفكيره وينشّط الترابط بين الخلايا العصبية داخل الدماغ. إن علينا المسارعة إلى الحد من هيمنة التلفزيون على حياتنا وحياة من نعول، خاصة في غياب التوجيه السليم والمشاهدة الذكية بإيعاز من الكبار لصغارهم، وبات ترشيد استخدام التلفاز أمراً لا مفر منه، فلنقم به اليوم قبل الغد، فصحة أبنائنا ونموهم الصحيح لا يتحمل التأخير أكثر.. وقد أعذر من أنذر. خبير إعلامي ومدرب [email protected]