يروى أن يهودياً كان يقوم ببعض الأعمال «غير الجهادية» لصالح المسلمين في بعض الأقاليم التي فتحها المسلمون بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه ولأن ذلك اليهودي كان يجيد عمله دون غيره فقد اكتفى خالد بن الوليد بذلك ولم يأمر أحداً من المسلمين بتعلم هذا العمل وحين علم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بهذا الأمر أرسل لخالد يأمره بأن يتعلم بعض المسلمين ذلك العمل ليقوموا به متى اقتضى الأمر . ولما أبطأ خالد بن الوليد في تنفيذ أمر الخليفة أرسل إليه عمر بن الخطاب كتاباً جاء فيه «مات اليهودي ياخالد» وكأنه يسأله في هذه العبارة: ماذا لو مات اليهودي ياخالد، من سيقوم بالعمل؟ ومن ناحية أخرى جاءت هذه العبارة البليغة من الخليفة عمر بن الخطاب بمثابة نصيحة لخالد بن الوليد وللمسلمين جميعاً بأن لا يعتمدوا على شخص واحد في عمل ما سواء كان ذلك الشخص يهودياً أم غيره ولا فرق سوى أن المناسبة التي قيلت فيها كان اليهودي هو الشخص الذي يقوم بالعمل وقتذاك، وقد أراد عمر بن الخطاب أن يضع أمام خالد بن الوليد أهم وأخطر أسباب الغياب وهو الموت ويمكن لنا أن نفهم هذه العبارة بصورة أخرى وهي أن عجلة التاريخ لن تتوقف ولن يتوقف العمل إذا مات اليهودي فقط على المسلمين أن يبتكروا لهم أساليب أخرى لتنفيذ ذلك العمل فلا يجعلوا له مكانة فوق مايستحق، وفي كل الاحوال كل المعاني واردة، والمهم أن هذه العبارة التي بين أيدينا الآن لم تزل حية ويمكن تطبيقها أو قولها في مواجهة الكثير من الادعاءات ومايشبه ماقيلت من أجله أول مرة. الذين يعتقدون أن العملية السياسية في البلد لن تتم بدونهم وأن الأوضاع لن تستقر بخروجهم من دائرة المشاركة السياسية وبالمقاطعة التي يلوحون بها في وجه كل عمل وقد جربوها فمات «اليهودي» ولم تتوقف الحياة ولم يتوقف التاريخ وسارت الأمور دون توقف أو تراجع إلى الماضي الذين راهنوا على أن المحافظات الجنوبية لا لون لها ولانكهة بدونهم وفتشوا في أوراق الماضي فلم يجدوا لوناً أزهى من الحاضر ومازالوا يصرون على الوهم، فمات الوهم واستمرت الحقيقة وسوف تبقى بعد من يموت ومع من يولد ويعيش على مر السنين..الذين قالوا بأنهم سادة الدنيا وصفوة من عليها أو هكذا خدعتهم ظنونهم فقالوا إنهم أولى بالولاية ففضحتهم أعمالهم ونفت عنهم مايدعون فمات من مات منهم ولم يتغير بموتهم شيء وسارت الدنيا كما أراد لها الله تعالى وسوف يأتي من يقول مثلما قالوا وربما أكثر وسوف تستمر الحياة بهم أو بدونهم..الذين يظنون أن غيرهم لن يعيشوا إلا بهم ودون ذلك لاحياة لهم ولا بقاء: لقد مات الآباء فعاش الأبناء رغم كل شيء وربما صار ملكاً وقد صار العبيد ملوكاً وسلاطين في مراحل من التاريخ وما كان في الحسبان ان يكونوا، ولا تنبأت الظنون بشيء من ذلك فماتت يوم خابت وهي تموت حين تخيب..إلى كل أولئك الذين يظنون ويعتقدون ويتوهمون لقد مات من كان مثلهم من قبل فما توقفت الحياة من بعدهم ولا التاريخ طوى صفحاته وانتهى.. ويعلم التاريخ أن للحياة عثراتها لكنها تنهض من كل عثرة بأحسن مما كانت عليه وبخطى أكثر اتزاناً وبصورة أجمل. لكل اولئك ولغيرهم ممن هم على شاكلتهم نهدي مقولة عمر بن الخطاب «مات اليهودي ياخالد» ولهم أن يضعوا أنفسهم في منتصف هذه العبارة ثم يسألوا أنفسهم بعيداً عن الوهم والخيال المريض: ما الذي سوف يحدث؟؟ الجواب لايختلف كثيراً عما حدث يوم أن مات اليهودي المقصود في هذه العبارة، ولا يوم أن مات غيره من البشر وقد مات الكثير..!!