سوف تستمر الحياة إلى أن يشاء الله ولاعلاقة لمن يعيش فيها من البشر ومن مات باستمرارها ،هذه هي الحقيقة التي يتفق عليها الناس جميعهم ،إلا من أصاب عقله الجنون أو اصابته الجهالة والغرور فظن أن الحياة لن تستمر بدونه ولعلها إن لم تتوقف لن تسير كما لوكان موجوداً. وفي هذا السياق اعجبتني مقولة حكيمة قرأتها ذات مرة لم أعد أذكر قائلها ،تقول هذه الحكمة : «المقابر ملأى بأناس كانوا يعتقدون أن الحياة لن تستمر بعدهم» ،وأحسب أن هؤلاء لو قُدر لهم أن يطلوا على الحياة مرة أخرى فلن يصدقوا أنها لم تزل مستمرة رغم غيابهم عنها وبأحسن مما كانت عليه في زمانهم.. إنه الغرور الذي يدفع بصاحبه نحو اعتقاد كهذا أوحتى مجرد الظن دون الاعتقاد واليقين ،ومثل أولئك الذين مضوا عن الدنيا واستمرت الحياة بعدهم مخالفةً ماكانوا يعتقدون أويظنون ،فثمة من يعيش اليوم ويظن أو يعتقد أن الأمور لن تسير بدونه وأن الحياة لن تستمر ،وبالتالي فإن هذه المعتقدات والظنون سيكون لها نفس معتقدات وظنون من سبقهم فيها ،ومن يحيا ويتأمل يجد الدليل والبرهان. ضمن هذه المعتقدات والظنون هناك تفصيلات عديدة ونماذج مختلفة قد لاتعني في نهاية المطاف توقف الحياة بمجملها ،لكن أصحابها يرون أن غيابهم عن مشهد من المشاهد سوف يكون له اثره البالغ الضرر على الباقين وربما يعجز هؤلاء عن مواصلة المشوار من بعدهم.. هناك من يعتقد جهلاً وغروراً أن فلاناً سوف يموت جوعاً لمجرد أنه لم يعد صاحبه ،أو لم يعد يعمل معه أو لديه ،ومثله من يترك عملاً مراهناً على أنه الوحيد الذي يستطيع أن يؤديه دون غيره ،ولابد للجميع من القبول بشروطه ليستمر العمل ،وثمة من يرى أن كل عمل وكل حدث هو ليس فيه فإنه لن يتم ولن يكتب له النجاح ،ورأينا وسمعنا عن أناس يرون أنفسهم أفضل الخلق ،وهم الأكثر اتقاناً وإجادة من بين سائر الناس!! أحدهم يحمل شهادة دكتوراه من جامعة تخرج فيها العشرات بنفس الشهادة وذات التخصص وغيره ،أصر ويصر أن شهادته ليست كسائر الشهادات وأنه فلتة هذا الزمن ،ولايعلم كيف ستسير الأمور لو لم يكن موجوداً؟ وكيف ستسير بعد موته؟ ويظن وغالب ظنه أن باباً من أبواب العلم سوف يُغلق بموته وعلى الجميع أن يفكروا بهذه المسألة قبل أن تحدث ،والحقيقة أنه لو كان كما يظن هو بنفسه وكمايراها ،لما تحدث وقال ماقال ،فالغرور والكبر لايجدان إلى نفس ذي علمٍ سبيلاً ،والعملية التعليمية لن تتوقف في غيابه مثلما لم تحقق معجزات في حضوره لأكثر من عشرة أعوام. في حالات خاصة يترك البعض فراغاً في غيابهم أو بعد رحيلهم نظراً لمكانتهم ولما حققوه للناس من منافع لكن هذا الفراغ لن يكون أزلياً ،ولن تتوقف الحياة أو تختل كما يعتقد البعض الذين أصابهم الوهم ،ومع الأيام سوف يأتي من يملأ هذا الفراغ ،وهكذا تتعاقب الأجيال وتستمر عجلة الحياة ،ومن المهم أن نشير إلى أن أصحاب المكانة العالية ومن صنعوا أمجاداً حقيقية في الحياة لم ولن يظنوا أن الحياة لن تستمر بعدهم ،وأن الشمس لن تشرق ثانية ،وأن الحياة إن استمرت لن تكون كما كانت عليه لأن الوهن سوف يغزو مفاصل أيامها فتشيب قبل الآوان. لو كان «ظن» من يظنوا أن الحياة لن تستمر بعدهم صادقاً بصدق ظن الأولين منهم من قبل توقفت الحياة أو انتهت منذ زمن بعيد ،ولما وصلت إليهم ليظنوا بها نفس الظن ،أو لماجاءوا إلى الحياة ليظنوا هذا الظن . سوف تستمر الحياة بهؤلاء أو بدونهم ،بفقر الفقراء وغنى الاغنياء ،بجهل الجهلاء وغرورهم وعلم العلماء وتواضعهم ،ولن تغلق الابواب دون أحد لأن انساناً ما أراد لها أن تغلق بحضوره أو غيابه ،وكثيراً ماتنفتح الابواب في غياب هؤلاء الذين يظنون أنهم ماء الحياة أو مفاتيح البقاء ،أكثر منها في وجودهم ،وهي حين تغلق إنما تغلق لأسباب أخرى ولن تستمر مغلقة إلى مالا نهاية وهكذا هي الحياة شدة ورخاء ،دمعة وابتسامة ،فلايظن من يظن أن الحياة قد منحته مفاتيحها ولينظر إلى المقبرة ليدرك أن كل من فيها لم يذهبوا بمفتاح واحد من مفاتيح الحياة وأسباب البقاء والاستمرار