في حياتنا العامة يقتلنا «الروتين» مللاً، وضجراً إلا أنه في حياتنا المهنية يجعلنا أحياناً كثيرة نكره الحياة نفسها، طالما ونحن نجد أنفسنا بلا أدنى قيمة أمام موظف جاهل.. ! أحياناً نفترض ان هذا الطابور الطويل من الموظفين الذين يجب أن نمر بهم جميعاً ليس الا لفتة إنسانية من الجهات الرسمية لاستيعاب المزيد من القوى العاملة. لكئننا في الغالب ينتابنا احساس بأن ذلك تشتيت للمسؤولية، ولعواقب الاخطاء الفادحة التي ترتكبها بعض الإدارات جراء الرجال غير المناسبين في المواقع غير المناسبة !! إلا أن العادة جرت أن تضع الدوائر سلسلة من العقبات أمام المراجع،، وهو أدرى الناس بما عليه أن يفعل ليختزل كل شيء، ولينجز معاملته وهو في إحدى بوفيات العصير.. فالطريق إلى الرشوة يبدأ بالروتين، ويبلغ ذروته في مكتب مسؤول جاهل بأبسط اللوائح الداخلية والقوانين الخاصة بمجال عمله خاصة عندما يكون الوزير أو المدير العام «مش فاضي» للاستماع لأحد أو قراءة شكوى أحد.. ويتولى المهمة عوضاً عنه مدير المكتب .. ! في ثقافتنا العامة، نعتبر هذا الشخص «المسؤول» هو الأعلم والأعرف، والأخبر بكل صغيرة وكبيرة في مؤسسته، إلا أن الواقع يؤكد العكس، ويثبت ان ثمة أناساً متوارون دائماً خلف الكواليس كتب الله عليهم ان يبقوا موظفين أو رؤساء أقسام رغم كل ما بلغوه من خبرات، ومهارات في أداء مسؤولياتهم ومسؤوليات رؤسائهم في العمل. إذا كنا نفكر جدياً بإصلاحات حيوية في قطاعاتنا الحكومية فلنبحث أولاً عن حلول ناجحة للروتين.. وعن أفكار جديدة نكسر فيها تقليد استيراد المسؤولين من خارج المكاتب والمؤسسات.. فكلا الأمرين أصبحا عبئاً على النزاهة الوظيفية من جهة، وعلى الانتاج النوعي للمؤسسات من جهة أخرى. لقد تعودت وزاراتنا أن ترسل الموظفين إلى دورات التدريب والتأهيل وتطوير المهارات طالما تقام في الداخل في الوقت الذي هناك مديروهم الاحق بهذه الدورات لأن صناعة النخب القدوة كفيلة بنقل الخبرات والمهارات تلقائياً إلى من هم أدنى.. وأعتقد أن مثل هذه التجربة تعمل على تطبيقها حالياً وزارة التعليم العالي في إطار مشروع تأهيلي طويل الأمد بالتعاون مع إحدى الجهات الهولندية. لا أظن أننا نفتقر للرغبة في تطوير ذاتنا وتنمية خبراتنا، ألا أننا بلا شك نفتقر للنظام، والإرادة في الانصياع للقانون ولوائح العمل.. ففي ظل غياب هذه الثقافة لا نستطيع الاستفادة من خبراتنا ومهاراتنا على النحو الصحيح أو الامثل.. لذلك نجد من الضروري جداً للحكومة ان تعزز هذه الناحية في برامج تطوير البناء المؤسسي للدولة، وإعادة هيكلة بعض قطاعاتها ومؤسساتها.. فالقانون وحده القادر على اختزال الروتين وردم بؤر الفساد.. والنظام وحده القادر على توفير الزمن، والعدالة والحيلولة دون تراكم العمل أو انحراف المسؤولية إلى غير اتجاهها.. ومالم نبدأ بذلك من الآن فلن تجدي نفعاً كل الإصلاحات التي نقوم بها.