يصر العالم على وصف السياحة ب«الصناعة» وننفرد في اليمن بتداولها على انها «إعلام» كوننا تعلمنا من مقايلنا فن الحديث لساعات بغير كلل أو ملل، فظلت سياحتنا محض أخبار، وتقارير، ووعود و«ملاحق» صحافية تائهة بين أطوار عمل عفا عليها الزمن ! أمس الأول، اجتمع المسؤولون عن برمجة مستقبل السياحة في اليمن، وتصدر خبر الاجتماع دعوة للإعلام بعدم المبالغة ، والتأويل في تداول الاخبار الأمنية !! وكان ان تلاقفت الصحف والمواقع الإلكترونية ذلك العنوان الذي بثته الوكالة الرسمية «سبأ» من غير الالتفات إلى أن خبراً كهذا كفيل بالايحاء للعالم أجمع بأن ثمة اضطرابات أمنية في اليمن، وقلقاً رسمي من بلوغ العلم بها للخارج.. ومثلما هذا يحدث عندما تغيب المنجزات السياحية، والمشاريع التي تستحق تبوء صدارة خبر أي لقاء لمبرمجي السياسات السياحية. ومهما كان عليه الحال، فإن وزارة السياحة لاتبدو على بينة من الديناميكية الإعلامية، إذ اختزلت الترويج في صحف محلية لا تدخل اسواق حتى دول الجوار، بينما تجاهلت الصحف الإلكترونية التي يتصفحها من هم في أقصى الأرض !! أما موقعها الرسمي فحتى اليوم لا وجود لأي رابط له على أي موقع آخر، ولم يدخل الأدلة أو محركات البحث العالمية.. في نفس الوقت الذي لم يعد هناك ذكر لرابطة أو جمعية «الإعلام السياحي» التي أسسها معالي الوزير، ولم يسبق لدائرة العلاقات بالوزارة ان وزعت بلاغاً صحافياً واحداً على المؤسسات الإعلامية يحمل خبراً عن نشاط سياحي .. ! السياحة.. كما قلنا صناعة، وما لم ننهض ببنيتها التحتية فلن يجدينا نفعاً التعاطي معها كما نفعل مع الغيث، فنصلي الاستسقاء وننتظر نزول المطر برحمة من الله.. ! فقد مرت أعوام منذ سمعنا بمشروع الحمامات على الطرق الخارجية وها نحن لا نجد حماماً بجوار «دار الحجر» في قلب العاصمة ! ومرت أعوام على مشروع العلاقات الارشادية المرورية السياحية عند المنافذ الحدودية، ومازال الوافدون عبر دول الجوار يتخبطون في الطرق، ولا يجدون حتى خارطة سياحية يهتدون بها.. فأين هي البنية التحتية ومعظم مواقعنا الاثرية تغرق وسط النفايات وتخلو حتى من سلة نفايات بلاستيكية لا يتجاوز ثمنها المائتي ريال !؟ ربما تتفق الجهات المعنية بأن السياحة في اليمن من نوع «السياحة الثقافية» في جزء كبير منها، ومع هذا فإننا عندما نزور المتحف الوطني بصنعاء لانجد، بروشوراً، دعائياً بإمكان السائح حمله معه في طريق عودته لوطنه.. بل لو أنه شعر بالظمأ لن يجد بوفية يشتري منها علبة عصير لا داخل حوش المتحف ولا بجواره.. وهو حال كل متاحف الجمهورية اليمنية ! في زمان الرهان على السياحة لدينا مئات الجمعيات النسوية في شتى ارجاء الجمهورية تنتج ألواناً مختلفة من المقتنيات الشعبية الرائعة، لكن جميعها تشكو من صعوبة التسويق فيضطرن إلى بيع جزء منها إلى محلات سوق الملح، وغيرها وبرخص التراب وأحياناً بسعر الكلفة.. ذلك لأن جميع مرافقنا السياحية تفتقر إلى الحس الاقتصادي، ولأن وزارة السياحة لم تبادر إلى انشاء اسواق أو نصب بضع اكشاك نموذجية وتأجيرها لمثل هذه الجمعيات للترويج لموروث اليمن الشعبي أولاً، وللمساهمة في تحسين معيشة الأسر الفقيرة ثانياً. لقد سبق لي ان كتبت في موضوع السياحة والمجتمع، وأجدد التذكير اليوم بأن السياحة في اليمن لن يكون لها شأن ذو قيمة ما لم تبن شراكة مع البيئة المجتمعية، لأنها حينئذ ستحول المرفق السياحي من ملك الدولة إلى ملك عام للدولة والمجتمع الذي سيحرص على حمايتها وتأمينها، واستتباب الأمن في محيطها لكونها أصبحت مصدراً لرزق شريحة كبيرة من أبنائه.. ومن جهة أخرى سيكون من أكبر اخطاء الدولة اللجوء إلى المستثمرين الكبار على غرار تجربتها في مدينة «دمت» التي أصبح سعر ذراع الأرض بخمسمائة ألف ريال فازداد المستثمر ثراءً فاحشاً بينما عجز أبناؤها عن امتلاك محل صغير، فغزاها الميسورون من المحافظات الأخرى.