سابقة تاريخية سجلها مجلس النواب أمس الاثنين بضرب جدول أعماله عرض الحائط ، واستنفار نوابه ولجانه لمناقشة مشكلة اختطاف مواطن يمني بعد مرور نصف يوم فقط على حادث الاختطاف. سابقة تاريخية ثانية سجلها المجلس في نفس اليوم وهي بإمهاله الحكومة ممثلة بوزارة الداخلية اسبوعاً واحداً فقط لاستعادة المخطوف ، وضبط الخاطفين.. أما السابقة الثالثة فهي الموقف الذي ترجمته كتلة الحزب الحاكم بانتفاضها ضد الأجهزة الأمنية ،وتوجيه نقد لاذع لأدائها على خلفية حادث الاختطاف الذي نفذته جماعة مسلحة من قبيلة بني ضبيان.. كما أن المجلس اليمني لرجال الأعمال شمر عن سواعده هو الآخر ، وسيعقد ملتقى استشارياً اليوم لتداول تداعيات حادث الاختطاف. ردود الأفعال هذه ، الساخنة وغير المسبوقة ، لم تكن بسبب أنها المرة الأولى التي تقوم فيها جماعة قبلية باختطاف أحد المواطنين الآمنين ، وليس لأن «الاختطاف» في العرف اليمني يدرج ضمن «الكبائر» التي لايغفر المجتمع لفاعلها ، كما أنها ليس لمخاوف من التأثير السلبي للحادث على سمعة الوطن ، والنشاط السياحي والتنموي.. بل لأن الضحية «المخطوف» هذه المرة هو نجل أحد كبار رجال الأعمال في اليمن..!! ومع شعورنا بالأسى لاختطاف شاب كل ذنبه أنه ابن رجل أعمال ، وتعاطفنا مع رجل الأعمال المذكور لكونه من الشخصيات المحترمة ، والنخب الوطنية المخلصة ، إلا أن ردود الأفعال ، الآنفة الذكر تضع أيدينا على السبب الرئيسي لظاهرة الاختطاف ، وغيرها من المشاكل التي يعانيها المجتمع.. وهي أن مؤسساتنا لاتكترث للقضايا الوطنية إلا بعد استفحالها وتحولها إلى مشاكل معقدة ،أو تجاوزها حدود عامة الناس إلى خاصتهم ، طبقاً لنظرة تمييزية تجاه أبناء المجتمع. أحد النواب تساءل أمس عن مصير الجناة في حوادث خطف سابقة نفذتها نفس القبيلة.. وكنت أتمنى لو هناك شخص يسأله عن مواقف مجلس النواب تجاه الحوادث التي أشار إليها!؟ فلماذا التزم المجلس حينها الصمت ،ولم يحرك ساكناً ، بينما هو اليوم يسجل سوابق تاريخية ،ويحطم ارقاماً قياسية في سرعة التفاعل مع الحدث.. ربما فاقت ردود أفعاله تجاه حوادث اختطاف سياح أجانب!! إن هذا التعاطي غير المتوازن مع القضايا المختلفة ،هو الذي يجعلنا اليوم أمام تحدٍ خطير حين تتطاول هذه المجاميع البربرية ،وتمتد أيديها إلى أبناء رجال الأعمال ، وربما غداً أبناء الرموز السياسية للوطن ، وإذا بنا نتحول إلى مشروع للابتزاز والانتهاكات للحقوق الإنسانية.. وهو الأمر الذي ينبغي علينا فهم موقف الشيخ سلطان البركاني رئيس كتلة المؤتمر على أساسه وأن نستوحي منه حجم القلق من تطور الأحداث إلى هذه المرحلة. إلا أنني قد أختلف قليلاً في مسألة إلقاء اللوم كله على المؤسسة الأمنية لسببين: الأول هو لأن الاختطاف يندرج ضمن المواريث المتخلفة التي تتطلب تضافر جهود وطنية واسعة للقضاء على ثقافته ، وإحلال لغة بديلة آمنة عوضاً عنه.. أما السبب الثاني هو مرتبط بتجارب عديدة حاولت الأجهزة الأمنية فيها أن تكون حازمة ، وتضرب بيد من حديد ، فكان نواب الشعب أول من يحتج ويشيع أنها ممارسات «استبدادية» بل تم تنظيم حملات تحريضية واعتصامات ضد الحزم الأمني.. بل وصل الأمر إلى تنظيم احتجاجات حتى ضد القضاء.. فيا ترى لو تدخلت الأجهزة الأمنية في بني ضبيان بالقوة لردع الخاطفين ، ثم اتسعت المواجهة لسبب أو لآخر ، هل سيغفر نواب الشعب لها ماحدث ، أم سيقولون أن «النظام قمعي» ويدعون الشارع للتحرك!!.